تشهد الأسواق المغربية مثل العديد من دول العالم ارتفاعات متتالية في أسعار السلع الأساسية ومشتقات الطاقة، بسبب مشاكل سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي، وهو الأمر الذي أثر بصورة كبيرة على تفاقم عجز الموازنة العامة للدولة، بعد اضطرار الحكومة إلى تحمل نسبة من الزيادات خصوصاً مع تزامن الأزمات العالمية مع أزمة جفاف واسعة تضرب القطاع الزراعي للبلاد، والتي وصفت بكونها الأسوأ خلال الأعوام الأربعين السابقة.
ورغم أنّ الحكومة المغربية وفقاً لتصريحات رئيس الوزراء عزيز أخنوش تدعم شهرياً سعر الكهرباء بنحو 14 مليار درهم (نحو 1.4 مليار دولار)، و10 مليارات للسكر (مليار دولار) و600 مليون درهم (63 مليون دولار) لأسعار الدقيق والخبز، إلّا أنّ المواطنين يشعرون بأزمة كبيرة خصوصاً مع المسار التصاعدي لمعدلات التضخم في المملكة والتي بدأت التزايد في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا.
وأعلنت المندوبية السامية للتخطيط في المغرب (هيئة الإحصاء المغربية) عن قفزات متتالية لمعدلات التضخم، إذ بلغ نحو 7.7% على أساس سنوي في نهاية شهر يوليو، في مقابل 7.2% في مايو، نتيجة لتزايد أثمان المواد الغذائية بحوالي 12%، كما سجلت أثمان المحروقات زيادة بنحو 4.4%.
وخلال شهر أغسطس الماضي واصل معدل التضخم السنوي ارتفاعه في المغرب حيث زاد بنسبة 8%، نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية بـ 14.1% والمواد غير الغذائية بـ 4%، بحسب أحدث بيانات للمندوبية السامية للتخطيط.
وكانت الحكومة قد رفعت أسعار الطاقة قبل أسابيع، الأمر الذي وصفته وسائل إعلام محلية بالارتفاعات القياسية وغير المسبوقة، مع توالي دعوات الأحزاب السياسية والنقابات بالتدخل العاجل لحماية القدرة الشرائية للطبقة العاملة وعموم المواطنين ومراعاة حجم المعاناة التي يكابدونها.
استيراد 90% من احتياجات الغاز
المغرب يمر بأزمة طاقة متعددة الأبعاد، فمن جهة تأثر سلبيا من الوضع العالمي الذي رفع أسعار الغاز، ومن جهة أخرى تأثر كذلك من توقف نصيبه من إمدادات الغاز الجزائري الذي يعبر أراضيه باتجاه أوروبا في نهاية أكتوبر الماضي، في خضم أزمة دبلوماسية بين البلدين بشأن قضية الصحراء.
وكان خط الغاز الجزائري يمتد على مسافة 1300 كيلومتر، منها 540 كيلومترا على التراب الوطني المغربي، وهو ما يخول للمغرب الحصول على حقوق المرور بواقع 7% من الكمية المتدفقة في الأنبوب، ما يوازي 700 مليون متر مكعب كمتوسط سنوي، أي نحو 65% من احتياجات المغرب من الغاز البالغة 1.3 مليار متر مكعب سنوياً، الأمر الذي وضع البلاد أمام أزمة إثر نقص الغاز في الوقت الراهن.
ويبلغ استهلاك المغرب من الغاز الطبيعي نحو مليار متر مكعب سنوياً، بينما يبلغ الإنتاج المحلي نحو 110 ملايين متر مكعب سنوياً فقط، وهو ما يجعل الغاز المحلي يلبي 11% فقط من إجمالي الاستهلاك، كما يتوقع أن تتضاعف احتياجات المملكة من الغاز الطبيعي إلى 3 مرات بحلول عام 2024، إذ ستصل إلى نحو 3 مليارات متر مكعب.
وعلى الرغم من الأخبار غير المؤكدة حول اتجاه إسبانيا لتوريد الغاز للمغرب بشكل عكسي عبر الأنبوب المغاربي، وهو الأمر الذي نفته الصحف الإسبانية والتي أكدت أنّ الغاز التي تحصل عليه المغرب مجهول المصدر، فإنّه من المؤكد أنّه طبقاً للوضع الحالي أو للتقديرات خلال الأعوام القليلة المقبلة فإنّ الأمن الطاقوي في المغرب عرضة لمخاطر متعددة.
وربما يؤكد ذلك المحاولات الحثيثة للحكومة المركزية في البحث والتنقيب عن الغاز الطبيعي، والتي كشفتها وزيرة الانتقال الطاقي المغربية، ليلى بن علي، قائلة إنّ "الجهود المغربية للبحث عن النفط والغاز تكللت بمنح رُخص لمجموعة من الشركات الأجنبية"، مضيفة أن "السبب هو نتائج الدراسات والأبحاث الجيولوجية والجيوفيزيائية التي أظهرت وجود نتائج مشجّعة لوجود موارد محتملة من الغاز الطبيعي في عدد من المناطق في المغرب".
وكشفت بعض التقارير الصحفية نقلاً عن مسؤولين في المكتب الوطني للهيدروكربونات والمعادن، أنّه "على مدى الـ22 عاماً الأخيرة حُفرت 67 بئراً، أسفرت 40 منها عن وجود كميات من الغاز الطبيعي" وأنّه "توجد 11 شركة تقوم بالاستكشاف في الفترة الحالية وأنّ بعضاً من تلك الحقول ذو جدوى اقتصادية كبيرة".
وطبقاً لبيانات حكومية فان شركة ساوند إنرجي تسعى إلى تسليم أول إنتاج من الغاز من حقل تندرارة شرقي المغرب نهاية 2023، فيما تُعدّ شركة "شاريوت" بدء إنتاج الغاز المكتشف في حقل "إنشوا 2" بالمنطقة البحرية ليكسوس قبالة العرائش (غرب) بحلول عام 2024.
الحكومة في مرمى الاتهامات
في أواخر عام 2015، رفعت الدولة المغربية يدها عن تحديد أسعار الوقود، وهكذا أصبح البنزين والديزل خارج المواد التي يدعمها صندوق المقاصة الذي يعمل كضامن للأمن الاجتماعي، وبررت الحكومة حينها القرار بأنه ضروري من أجل تخفيف العبء على خزينة الدولة، لكن قرار التحرير تسبب في التهاب الأسعار، خصوصاً أنّ معظم النفط المكرر أصبح يأتي من خارج البلاد بعد إيقاف تشغل محطة التكرير "سامير" المفلسة منذ 2015، وهو الأمر الذي فاقم ارتفاع الأسعار التي أصبحت تحت رحمة تقلبات الأسعار العالمية.
ورغم أنّ قطاع الطاقة بات خاضعاً لقانون السوق الحرة منذ عام 2015، إلّا أنّ العديد من المتابعين لهذا الملف وجه أصابع الاتهام نحو محتكري السلعة من شركات المحروقات، خصوصاً في ظل ما تم تداوله من مراكمتها لأرباح تفوق 45 مليار درهم (4.5 مليار دولار) منذ التحرير حتى نهاية 2021، وهي الأرباح التي وصف بالفاحشة بالمقارنة مع الهوامش التي كانت محددة قبل التحرير.
ويدعم المنتقدون آراءهم بالقفزة الكبيرة لثروة رئيس الوزراء الحالي والتي تبلغ حاليًّا قرابة 2.2 مليار دولار، حسب تقديرات مجلة فوربس الأميركية، مقارنة بنحو 1.2 مليار دولار فقط ما بين 2020 و2022، لا سيما أن تلك الزيادة الكبيرة تعود إلى حصته في مجموعة "أكوا" التي طورت عملها وأصبحت تشمل نشاطات عدة على غرار المحروقات عبر شركة "أفريقيا غاز" للمحروقات، ومجال الصحة عبر شركة "مغرب أوكسجين"، وفي مجال الإعلام والعقارات والسياحة كذلك.
عموماً وبغض النظر عن أسباب الأزمة والاتهامات المتبادلة بين الحكومة ومعارضيها تجدر الإشارة إلى الأوضاع المعيشية السيئة التي يعانيها المغاربة الذين يرزح ما يزيد عن 12.1% منهم تحت أزمة البطالة، وما يقارب 20% تحت خط الفقر، ونحو 2% تحت خط الفقر المدقع، وكلها مؤشرات تزيد الأعباء على كاهل الحكومة المغربية التي من الواجب أن تزيد من جهودها لمواجهة الأزمة الحالية، مع تغليب مصالح المواطنين وإن لبعض الوقت على حساب بعض المؤشرات الاقتصادية وفي مقدمتها عجز الموازنة العامة.