المخاوف من عودة التضخم تعطل خفض الفائدة في أميركا

24 فبراير 2024
هل يزور التضخمُ المرتفع أميركا مرة أخرى (Getty)
+ الخط -

ما زالت المخاوف من موجة جديدة من التضخم تعطل قرار صانعي السياسة النقدية في أميركا ببدء دورة خفض الفائدة، الأمر الذي ألقى بظلاله على أسواق الأسهم والسندات الأميركية، وعكّر صفو سماء الاقتصاد العالمي.

ومطلع العام الحالي، وفور إعلان بنك الاحتياط الفيدرالي "الانتصار على الارتفاع المفرط في الأسعار" في الولايات المتحدة، انهارت عوائد السندات توقعاً لتخفيضات عديدة في أسعار الفائدة، قبل أن يبدأ أغلب المستثمرين في التساؤل إذا ما كان هذا الرهان سابقاً لأوانه.

وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي، الذي يستثني أسعار المواد الغذائية والطاقة شديدة التقلب، بمعدل سنوي قدره 4%، ارتفاعاً من 2.6% في الأشهر الثلاثة حتى أغسطس/آب.

وارتفعت أيضاً أسعار المنتجين بصورة فاقت التوقعات، كما ارتفعت توقعات المستهلكين بشأن التضخم خلال العام المقبل، الأمر الذي أكد أن البنك المركزي الأكبر في العالم ربما يكون قد قطع شوطاً طويلاً في محاربة التضخم، وإبعاده عن ذروته التي اقتربت من 10%، إلا أنه لم يتمكن حتى الآن من القضاء عليه.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وعاودت سندات الخزانة الأميركية، الأكثر أماناً في العالم، ارتفاعها، ولا سيما سندات العشر سنوات، شديدة الأهمية للعديد من الأسواق الأميركية. ووفقاً لبيانات بلومبيرغ، يمكن الآن شراء سندات العشر سنوات بعائد يقترب من 4.25%، مقارنة بعائد 3.86%، كان أفضل ما يمكن شراؤه من الأسواق عند بداية العام.

ولم تكن أميركا وحيدة في حربها على هذا العدو الأخطبوطي، فقد كان التضخم أكثر شراسة في أماكن أخرى، إذ سجلت منطقة اليورو ارتفاعات كبيرة في الأسعار في يناير/كانون الثاني، وارتفع التضخم في السويد بصورة ملحوظة في الشهر نفسه، وحذر بنك الاحتياط الأسترالي مؤخراً من أن التضخم سيستغرق وقتاً قبل أن يصبح "منخفضاً ومستقراً باستدامة".

وفي كل مكان، خاصة في أميركا، تهدد اضطرابات البحر الأحمر، واضطرار السفن إلى التحول إلى طريق رأس الرجاء الصالح، مع ما يمثله ذلك من ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين والوقود والعمالة، باستعادة التضخم لسطوته، ومن ثم تأخير خفض أسعار الفائدة.

وفي حين أدت جائحة كوفيد-19 إلى ارتفاع التضخم، بعد المساعدات السخية التي قدمتها الحكومات للمواطنين، وسبّبت زيادة الطلب على السلع وإرباك سلاسل التوريد، جاء غزو روسيا لأوكرانيا ليرفع أسعار الطاقة والغذاء إلى عنان السماء. وخلال الفترة الأخيرة، ورغم تصاعد التوتر في الشرق الأوسط، واضطراب الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس، بقيت أسعار المواد الغذائية والطاقة معتدلة إلى حد كبير، بينما أصبح مصدر المشكلة الأساسي حالياً هو ارتفاع أسعار الخدمات العالمية.

ويرتبط التضخم في الخدمات بصورة وثيقة بالظروف المحلية، فإذا كان هناك نقص في مقدمي خدمات تصليح الأجهزة والسيارات، أو الأطباء، لا يكون من السهل زيادة العرض، وتصبح الزيادة في تكلفة الخدمات متوقعة.

وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، خلقت سوق الوظائف المزدهرة بأميركا ما متوسطه 289 ألف وظيفة شهرياً، أي أكثر من ضعف التقديرات للمعدل المستدام، كما نمت الأجور بمعدل سنوي يزيد على 4.5%. وارتفع الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بنسبة سنوية بلغت 4.1% في النصف الثاني من عام 2023، وتشير المؤشرات في الوقت الحالي إلى أن النمو خلال الربع الحالي يسير على الطريق الصحيح، الأمر الذي يمنح البنك الفيدرالي الفرصة للإبقاء على معدلات الفائدة المرتفعة، دون الخوف من الوقوع في براثن الركود.

وفي أوروبا، يبدو الوضع أكثر توازناً، فالبطالة منخفضة، ولكن النمو يبدو أقل قوة منه في أميركا، ومع ذلك، دخلت بريطانيا في حالة ركود في نهاية عام 2023، وتبدو الآفاق المستقبلية للشركات في منطقة اليورو قاتمة، إلا أن مخاوف عودة التضخم تبدو محدودة، بسبب الانخفاض الحاد في أسعار الغاز الطبيعي، وهو ما يكون عادة سبباً في تراجع التضخم، وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي المستدام غير التضخمي.

وعلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية، ما زال الاقتصاد الصيني يعاني حالة الفوضى، المرتبطة بسوق العقارات المترنحة، والتي تمس بصورة مباشرة وغير مباشرة ما يقرب من ثلث حجم الاقتصاد. وفي اليابان، لا تزال أسعار الفائدة أقل من الصفر، ويَثبُت تفوّق السياسات اليابانية إذا ظلت الضغوط التضخمية قوية بما يكفي للسماح للبنك المركزي برفع أسعار الفائدة.

وفي عددها الأخير، قالت مجلة "ذي إيكونوميست" إن أميركا هي المرشح الأكبر لاستقبال موجة ثانية مدمرة من التضخم، مشيرة إلى ما قد يسببه ذلك من تباين السياسات النقدية في الاقتصادات الكبرى. وقالت المجلة إن البنك الفيدرالي الأميركي قد يضطر إلى الإبقاء على معدلات الفائدة المرتفعة، بينما تقوم الاقتصادات الكبرى الأخرى بتخفيضها لإنعاش النمو.

وتمثل رؤية المجلة الشهيرة دعماً كبيراً لقيمة الدولار، الذي بدأ بالفعل في الارتفاع مقابل العملات الأخرى، خلال الأسابيع الأخيرة. فعندما تقدم أسواق المال الأميركية عوائد مرتفعة، مقابل قدر ضئيل من المخاطرة، فإن البلدان الفقيرة التي تكافح من أجل الاقتراض بالدولار تكون هي الأكثر معاناة.

وإذا لم تنخفض أسعار الفائدة فقد تكون هناك مفاجآت سيئة في وول ستريت أيضاً، إذ لا تبدو أسواق الأوراق المالية مقتنعة بالخطر المتمثل في بقاء السياسة النقدية متشددة لفترة طويلة من العام الحالي. وعبر التاريخ، وكما حدث في عامي 2022 و2023، كانت توقعات الفائدة المرتفعة كفيلة بإثارة موجات كبيرة من البيع للأسهم، كونها تسبب انخفاض القيمة الحالية للأرباح المتوقع تحقيق تلك الشركات لها، خلال السنوات المقبلة.

المساهمون