المحلة الكبرى شرارة الثورة المصرية... حيث بدأ كل شيء

25 يناير 2021
عمال المحلة وتاريخ من النضال (العربي الجديد)
+ الخط -

للمداخن الشامخة في قلب مدينة المحلة الكبرى مكانة كبيرة في قلب الثورة المصرية، فقد أشعلت مصانعها شرارة الاحتجاج العمالي مبكراً في ثلاثينيات القرن الماضي.

وفي الألفية الجديدة زرع عمال شركة الغزل والنسيج نبتة ثورية حين أعلنوا عن إضرابهم الشهير في 6 إبريل/ نيسان 2008، فكانت شرارة تلقفتها القاهرة ثم الإسكندرية، لتتحول المطالب العمالية إلى مطالب شعبية.

وفي 25 يناير/ كانون الثاني 2011 اشتعلت المدينة بعمالها وشعبها لتسجل ملحمة في تاريخها النضالي. كما أن هذا النفس الثوري لم يتأثر بعد انقلاب 2013 بحركة القمع الكبيرة، لتعلن في أكثر من مناسبة أن نار الثورة لا تزال مشتعلة تحت الرماد.
مدينة العمال 
توجد المدينة بوسط الدلتا وتبعد عن القاهرة بنحو 110 كم، وتتبع إدارياً محافظة الغربية. كانت تسمى منذ العصور الفرعونية "محلة دقلا"، وظلت مركزاً حضارياً مهماً في قلب الدلتا حتى العصر الروماني، وتحوّل اسمها إلى "محلة الكُبراء" لأنها كانت محل إقامة الأمراء والشيوخ وذوي النفوذ، ثم عُدّل الاسم بعد ذلك إلى "المحلة الكبرى".

منذ سنة 1927 تحوّلت المحلة الكبرى إلى مركز اقتصادي كبير، حين وقع اختيار طلعت حرب عليها لإنشاء مصنع مصر للغزل والنسيج. شيّد المصنع آنذاك على 100 فدان، برأس مال 300 ألف جنيه، ليصبح أكبر مصنع في الشرق الأوسط في هذا المجال.

ويعمل به الآن حوالي 27 ألف عامل وموظف. ومن النادر أن يوجد بيت في مدينة المحلة يخلو من عامل في مجال الغزل والنسيج ومستلزماتها والصباغة وتجارة الأقمشة ونحو ذلك.

تاريخ النضال

اتجه المصريون من كافة المحافظات للالتحاق بالمصنع الوطني الجديد، لكنهم بعد وقت قصير اصطدموا بواقع عُمّالي رديء؛ فالسكن غير ملائم، والتغذية غير كافية، ولا توجد رعاية صحية. تفاقم الوضع في يوليو/ تموز 1938 فبدأ العمال إضرابهم الأول احتجاجاً على تغيير نظام الورديات.

وفي 1947 قام العمال بإضراب كبير للمطالبة بزيادة الراتب واحتجاجا على المعاملة السيئة من قبل إدارة الشركة. وقامت الحكومة بمحاصرة المصنع بالدبابات وإخراج العمال من الشركة.

وفي 1953 تضامن عمال مصنع المحلة الكبرى مع عمال مصنع كفر الدوار في الانتفاضة التي اندلعت بعد إعدام العاملين المشاركين في الإضراب محمد خميس ومحمد البقري بعد محاكمة صورية أشبه بمحاكمة دنشواي.

وفي 1975 خرج حوالي 30 ألف عامل إلى الشارع، بعد محاصرة قوات الأمن للشركة، فانضمت إليهم الجماهير احتجاجاً على ثبات الأجور وارتفاع الأسعار.

وشهدت فترة رئاسة المخلوع حسني مبارك أعلى مستوى من احتجاجات العمال؛ فكانت هناك سلسلة من الإضرابات لأسباب متعددة في 1986 و1988 و2006 و2007، وصولاً إلى الإضراب الأكبر في 6 إبريل/ نيسان 2008 الذي يعد الأقوى تأثيراً في تاريخ الاحتجاجات العمالية.

6 إبريل

استعدت الحكومة جيداً لهذا الإضراب الذي أعلن عنه العمال، وانتشرت قوات الأمن في محيط الشركة وبداخلها، وقد ظنت الحكومة أنها نجحت في إنهاء الإضراب.

لكن المفاجأة أن التظاهرات تسربت إلى خارج الشركة، وطافت في أرجاء المدينة بهتافاتها المعادية لنظام مبارك، وقام المتظاهرون بتحطيم صور مبارك المعلقة في الميادين. وهو حدث يرى ناشطون أنه كان مقدمة تمهيدية لثورة يناير.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وعلى صعيد أوسع؛ وتضامناً مع هذا الإضراب، ظهرت دعوات في القاهرة والإسكندرية بأن يكون الإضراب عاما في مصر وليس للعمال فقط.

وتأسست على يد مجموعة من الشباب حركة 6 إبريل التي استثمرت مواقع التواصل الاجتماعي للدعوة إلى الإضراب العام تحت شعار "خليك بالبيت".

وقد نجح هذا الإضراب إلى حد كبير. وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2008 خرج العمال في مظاهرة ضخمة من أجل رفع الحد الأدنى للأجور لتتحول المطالب العمالية داخل الشركة إلى مطالب عامة لجميع العاملين من أبناء الشعب.

ثورة يناير

كانت المحلة الكبرى من المدن الأولى التي شهدت تحركاً شعبياً منظماً عشية الثورة، وساعدتها خبرتها في تنظيم الاحتجاجات في تبوؤ هذه المكانة كونها عاصمة العمال في مصر.

ويوثق كتاب "ثورة مصر" للدكتور عزمي بشارة التحركات الثورية في المدينة خلال أيام الثورة، عبر شهادات المشاركين فيها، من البداية حتى يوم التنحي وخروج الجماهير في ميدان الشون احتفالاً بانتصار الثورة.

بعد الانقلاب، لم تتوقف إضرابات عمال المحلة؛ ففي ديسمبر/ كانون الأول 2014 قاموا بإضراب من أجل صرف أرباحهم التي امتنعت الشركة عن تسديدها، وفي يناير/كانون الثاني 2016 تجددت الإضرابات من أجل صرف مستحقاتهم المتأخرة، والمطالبة بفتح ملفات الفساد في الشركة، وإعادة هيكلة الأجور.

وفي أغسطس/آب عام 2017 قاموا بإضراب كبير آخر، وقد تجمعوا في ميدان طلعت حرب المواجه للشركة، وتظاهروا وسط هتافات: "عاوزين حقوقنا يا حكومة"، و"علاوتنا حق ولادنا"، و"كلنا بنحب بلدنا" وغيرها.
     

المساهمون