استمرت الليرة التركية في تراجعها بعد انتعاش كبير خلال الأسبوع الماضي، لتفتح اليوم على نحو 13 ليرة مقابل الدولار، قبل أن تتحسن ظهراً إلى 12.7، ومن ثم تتراجع إلى نحو 13.2 ليرة للدولار الواحد و14.7665 مقابل اليورو، وهو أدنى من السعر الذي حدده المصرف المركزي اليوم للإيداعات المحمية، وهو 12.61 ليرة للدولار الأميركي.
وخسرت الليرة التركية نحو 42% من قيمتها هذا العام، وقت لم يزد الدولار عن 7.4 ليرات مطلع 2021، رغم التعافي قبل أسبوعين وتحقيق قفزة بعد تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ووزير المال، نور الدين النبطي، حيث قفزت إلى نحو 10 ليرات للدولار بعد أن تعدت حاجز 18 ليرة، لتعاود منذ الأحد الماضي التراجع، وتتعدى اليوم حاجز 13 ليرة للدولار عن إقفال أمس الأربعاء، الذي لم يتجاوز 12.61.
وتستمر الحكومة التركية في التدخل عبر "دعم المدخرات"، إذ أصدر البنك المركزي التركي، أمس الأربعاء، قرارا بدعم إيداعات الليرة عند تحويل الذهب الذي أشار له الرئيس التركي خلال مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي: "يوجد 5 آلاف طن من الذهب بقيمة 280 مليار دولار تحت الوسائد في تركيا".
ووفق قرار المصرف المركزي الذي نشرته الجريدة الرسمية، فإنه عند تحويل حسابات الذهب إلى الليرة التركية، سيتم اعتبار سعر غرام الذهب الذي سيعلن عنه البنك المركزي في الساعة 11:00 من ذلك اليوم كأساس.
وأضاف: "سيكون للحسابات الجديدة التي سيتم فتحها بعد التحويل آجال استحقاق 3 و6 و12 شهراً، ولا يمكن أن تكون الفائدة التي سيطبقها البنك على الحساب أقل من سعر مزاد إعادة الشراء لمدة أسبوع واحد الذي يحدده البنك المركزي".
ويأتي هذا الضمان بعد أن أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن أداة مالية لحماية مدخرات الأتراك من العملة المحلية بالبنوك من تقلبات سعر الصرف، عبر ضمان حكومي للمودعين بالحصول على الفائدة المعلنة، يضاف إليها الفرق في سعر الدولار بين وقت الإيداع والسحب.
وأكد البنك المركزي التركي أنه سيستمر في زيادة احتياطياته إذا كانت ظروف السوق مناسبة، متعهدا بالحفاظ على نظام سعر الصرف العائم، موضحاً أن أسعار الصرف في تركيا تتشكل وفقا لميزان العرض والطلب، لافتا إلى أن هدف التضخم الذي يستهدفه على المدى المتوسط هو 5 بالمئة.
كما تستمر تركيا بمقايضة العملات الرسمية مع "دول حليفة"، وهو ما رآه الباحث الاقتصادي، يحي سيد عمر، إحدى صور تمويل المبادلات التجاريَّة الخارجية، إذ تبرم الحكومات هذه الصَّفقات مع الدُّول التي تربطها بها علاقات تجاريَّة واسعة، والهدف من هذه الصَّفقات "تخفيفُ الاعتماد على العُمُلات الدوليَّة، وبالتَّالي دَعْم العملة الوطنيَّة".
ويضيف الباحث سيد عمر من إسطنبول، لـ"العربي الجديد"، أن تركيا تُخطِّط لإنجاز صفقتي مقايضة عُملات مع أذربيجان ودول أخرى لم تَتحدَّد هويتها بعد، بهدف دعم قيمة العملات المحليَّة، وتسهيل عمليات الدّفع الخارجيّ مع الدُّول الموقَّع معها صفقات التَّبادل.
وحول مدى تأثير تلك الصفقات على سعر صرف الليرة التركية، يشير سيد عمر إلى أن مخاوف التأثير على سعر الليرة "غير مُبرَّرة"، فهذه الصَّفقات من شأنها دعم الليرة أو في الحد الأدنى دعم الاستقرار النقدي، معتبراً أن "آثار هذه الصفقات، تظهر في كونها تخفف الطلب الكُلِّيّ على الدولار، وتُقلِّل من عرض اللِّيرَة، وهو ما ينعكس إيجاباً على السِّعر التوازنيّ الذي يَفترض أن يقترب من قِيَم أكثر إيجابيَّة".
وعن المستجدات بالسوق، يقول الباحث سيد عمر: "في ظل التطورات الأخيرة والمتسارعة التي شهدها الاقتصاد التركي، بدءاً بتخفيض معدل سعر الفائدة، مروراً بسياسة التدخل الحكومي الأخيرة، وليس انتهاء بصفقات مقايضة العملات بين تركيا وبعض الدول، تبدو الليرة التركية متذبذبة للغاية بين ارتفاع وانخفاض".
فبعد أن وصلت الليرة سابقاً لقيم قياسية متدنية بلغت أكثر من 18 ليرة للدولار الواحد، تحسنت لاحقاً كنتيجة مباشرة للتدخل الحكومي التركي المتمثل بتقديم ضمانات للمستوردين والمصدرين وللمودعين بالليرة التركية، وهو ما أدى إلى تحسن واضح في قيمة الليرة.
واستدرك بأن "الواقع يحتم الاعتراف بأنه، وعلى الرغم من بعض الخسائر التي شهدتها الليرة في اليومين السابقين، إلا أن سياسة الدعم الحكومي ما زالت تترك أثرها على الليرة، فعلى الرغم من هذه الخسارة، إلا أن قيمة الليرة ما تزال مقبولة بالنسبة للقيم المتدنية الحادة التي بلغتها سابقاً".
وما يتعلق بأسباب تراجع سعر صرف العملة التركية، يرى الباحث أنها "تعود لكون بعض كبار المضاربين، لدوافع اقتصادية وسياسية، يسعون لتفريغ سياسة الدعم الحكومية من جدواها، وذلك لإظهار الحكومة التركية في مظهر العجز عن ضبط قيمة الليرة، وفي ذات الوقت العودة لمحاولة تأجيج الشارع على سياسة خفض سعر الفائدة، لا سيما أن بعض التقارير الغربية تروج أن الحكومة التركية قامت سراً بالتدخل في سوق صرف الليرة من خلال ضخ 6 مليارات دولار، وأن التحسن في الحقيقة لا يعود لبرنامج الدعم الحكومي، بل يعود لتدخل سري، وكبار المضاربين يسعون لدعم هذه الفرضية من خلال الضغط على الليرة لتخسر بعض مكاسبها".
وتوقع أن "سعر الصرف على المدى القريب على الأقل سيبقى مرهونا بردات فعل المضاربين وسياسة الحكومة التركية المالية والنقدية".
من جهته، يقول وزير الخزانة والمالية التركي، نور الدين نباتي، إن التقلبات الحالية في الليرة لا تبعث على القلق، و"ستعود إلى المستويات العادية"، كاشفاً خلال تصريحات أن السلطات التركية تلاحق الذين يزعمون أن العملة سترتفع مرة أخرى، وأن هيئة أسواق المال قد تقدمت أيضاً بشكوى جنائية ضدهم.
وحول تراجع نسبة التضخم الرسمية 12.3 ومستوى ارتفاع الأسعار، يضيف الوزير التركي: "من المتوقع أن يكون التضخم مرتفعاً في ديسمبر/كانون الأول الجاري، ولكن هذا الارتفاع سيتحول إلى منحنى سلبي في وقت قصير، وسيبدأ نضالنا الصعب ضد هذا التضخم"، وأنه "تم تضمين التسعير في أول 20 يوماً من الشهر في حساب التضخم".
وأكد في الوقت ذاته أن "الأسعار ستعود إلى مستوياتها الطبيعية على أساس شهري، وسيكون لذلك أيضاً تأثير إيجابي على معدلات التضخم، فضلاً عن تأثير انخفاض أسعار الصرف".
وعن توقعاته للعام الجديد الذي سيبدأ بعد غد، يشير الوزير النبطي: "سيكون عام 2022 عاماً مستقراً، وسنشعر تدريجاً بتخفيضات التضخم اعتباراً من يناير/كانون الثاني المقبل، وسنرى التخفيضات على أساس شهري حتى عام 2023".
أضاف: "مع دخولنا العام الجديد لن تكون هناك ظاهرة تضخم، لأننا دخلنا في حلقة مفرغة إيجابية، سيكون هناك تصحيح وانتعاش في العام المقبل، في يناير/ كانون الثاني 2023 سنرى جميعاً أن هذه الأشياء قد وصلت إلى نقطة جيدة جداً".