العربي الجديد... يا لهاتيك العشرية!

03 سبتمبر 2024
الصحيفة اختارت الانحياز للمواطن وعيشه وكرامته منذ الانطلاقة (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- خلال الحروب والفساد، تتدهور أخلاق الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية، مما يؤدي إلى انحراف السياسة التحريرية وانتشار تزييف الحقائق، خاصة مع ثورات الربيع العربي.
- المهنية والمصداقية تبقى معايير النجاح في الإعلام؛ "العربي الجديد" مثال على مؤسسة إعلامية نجحت بفضل التزامها بالمهنية ونقل الحقائق بموضوعية.
- القسم الاقتصادي في "العربي الجديد" تميز بمواجهة التضليل وركز على قضايا مثل خصخصة القطاعات وتمكين المرأة، مما حافظ على ثقة القراء.

ليست "الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها" فقط، خلال الحروب والفساد والثورات المضادة، بل وأخلاق الإعلاميين والمؤسسات أيضاً، يلحقها شيء من المبالغة وأشياء من اللاموضوعية، فتغلب العاطفة والنفعية وتتفشى الرغبويات وتزييف الحقائق، ليغدو الانزياح سياسة تحريرية عامة بالمؤسسات الغائية، التي وجدت، لأدوار وظيفية محددة خلال الأزمات والحروب والاصطفاف.

لتغدو ثلاثية، الاستمرار والإقبال والمصداقية، فيصل نجاح المشروع. وتبقى حقوق المواطن بعيش آدمي ودولة ديمقراطية يتوسع فيها فيء مظلة القانون ليغطي الجميع، هي البوصلة التي لا تحيد أو تخيب، أياً تنمّرت "وسائل التواصل" ومهما تعاظمت طرائق الزخ الإعلامي أو اخترق حمى "صاحبة الجلالة" هواة أو متطفلون رأوا بالصحافة دابة قصيرة يمتطيها من يشاء. 

ويبقى في المقابل تراجع أدوار مؤسسات أو إغلاق الدكاكين الإعلامية التي استخدمت، ضمن أدوات التزييف والتخريف، لتشويه "المهنة" وتقزيم حقوق الشعوب ومطالبها، خلال العقد الأخير، عقد ثورات الربيع العربي على وجه الخصوص والتخصيص. هي أدلّ براهين البقاء للمهني صاحب المشروع والهدف، الذي اختار المواطن وعيشه وكرامته منذ الانطلاقة، وليس البقاء للأقوى أو الأكثر تمويلاً ونفوذاً، أو لذاك الذي وقف لجانب السلطة، ليبرر حيناً ويطبّل بقية الأحايين.

في هذه الفترة الحرجة، عشرية ثورات الربيع العربي وتكريس ملامح التحالفات والاصطفافات الدولية والإقليمية، تحضيراً لرسم جغرافيا وسياسة جديدتين، ولدت "العربي الجديد" في مثل هذا اليوم قبل عشر سنوات، فكان تحدي البقاء واستمرار المنافسة والسعي للتميّز، هدف القائمين على رسم سياستها، وتبقى ترجمة الخطط والأماني لأنواع صحافية وقصص من رحم الآمال والآلام، مسؤولية الصحافيين.

قصارى القول: بشكل عام، أنت ناجح وصلت إلى هدفك وتضمن الاستمرار بواقع احتدام المنافسة. أو أنت فاشل لم تعرف لغايتك سبيلاً، تبقى أحكام قيّمة إن لم تدعّم بحجج أو تقترن بوثائق، أو لم تقس على معايير متفق عليها، باتت، بحكم الاتفاق والتوافق، أقرب إلى القوانين.

وتأتي المهنية، من أبرز معايير النجاح والفشل، حينما نتناول الوسائل الإعلامية أو نحاول تقييمها، لأن تضارب المصالح وغيوم الاختلاط، تكسو الموضوعية والحيادية بضبابية التشويش وترخي على الحقائق، معالم التبدّل والبراغماتية، فتغدو وللأسف، ثنائيات، العين والخرز، الحي أفضل من الميت ومن على شاكلتهما، مواضع هروب وتهرب، تسلكها هذه الوسيلة وتعتمدها تلك السياسة التحريرية، لتمرر غايات الساسة وتدوس أطراف الشعوب، بذريعة البقاء وتخويف "لم نمت لكننا رأينا من جازف ومات".

كما بالبقاء إلى جانب المواطن بتحصيل حقوقه، وكشف ما يحاك جراء الخطط أو التلويح بالتجويع والهلاك، أهداف سامية، لا يسلك طرقها الوعرة، إلا الإعلام الموضوعي صاحب الأهداف النبيلة والرؤية البعيدة، الإعلام الذي لا يأخذ من "الشارع عاوز كده" أو "أتتنا الأوامر من فوق" ذرائع لانزياحاته أو مبررات لتحوّله أداة بيد السلطة أو بوقاً لتمرير كوارث تقزيم السياسة وتهديم الاقتصاد بعد إيهام الإنسان، حامل وهدف التنمية، بمخاطر المواجهة. 

وفي السياق، ولا أظن ذاك من الأنا أو النرجسية بشيء، أذكر أن "العربي الجديد"، وبالقسم الاقتصادي على وجه التحديد، قادت حملات مواجهة لخصخصة قطاعات ريادية بإنتاجها واستيعابها للعمالة، وتصدت لأوهام الاستدانة من المؤسسات الدولية المالية، بعد أن كشفت غاياتها وبرامجها ووضّحت شروطها قبل التكبيل بالقروض، ووقفت ولم تزل على تمكين المرأة ودورها وعند حقوق المستهلك، آخذة من بطن الجائع، المؤشر الفيصل على نجاعة الخطط، ومن الكفاية واستقلالية القرار، المؤشر على حقيقة النمو وحقائق التنمية. 

القسم الاقتصادي أفرد ملفاً أسبوعياً لقضايا ساخنة ومخاطر محدقة، ليكون حالة تميّز، تضاف إلى المواكبة ومواجهة حملات التضليل والرهن والارتهان، التي تفشت وتتعاظم باقتصادات المنطقة، ولتأكيد أن "اقتصاد الناس" هو البوصلة نحو غاية حقوق المستهلكين ورفاهيتهم.

نهاية القول: يتداول بحقل الإعلام وأوساط العاملين فيه، أن مجد الصحافي مهما بلغ، فهو ليوم واحد، إذ سيأتي باليوم التالي، مجد لصحافي آخر، يكتب أو يحلل أو يحقق سبقاً، فتقلب صفحة الأول وينشغل الشارع بالثاني، الذي سيتهاوى مجده بعد يوم، بسبق وخبطة لصحافي ثالث.

بيد أن المصداقية، هي السمة الأبرز والمجد الأدوم، ليس فقط للصحافي الذي يزيّن اسمه ويعتز به، بل وللوسيلة برمتها، لأن فقدان ثقة المتلقي بالصحافي أو التشكيك بمصداقية الوسيلة الإعلامية، يُذهب عنها الاقبال والاحترام... وتعيش الوسيلة ومن فيها في محاولة استرداد تلك الثقة.

وفي "العربي الجديد"، وبعد عشر سنوات من الصدور المنتظم لسبعة أيام للورقي، وعلى مدار اللحظة بالموقع الإلكتروني، لا أذكر أن تكذيباً طاول قصة أو تشكيكاً لحق بخبر أو اتهام بغائية أسند إلى خطة، ما يعني، مع تكرار ليس من الأنا والنرجسية بمكان، أن الجريدة والموقع على سكتهما الصحيحة والالتزام بأخلاق المهنة ومعاييرها، ليبقى تقييم الناجح أو الفاشل من صلاحيات القراء.

المساهمون