في العراق، وصلت عصابات الفساد إلى سوق العملة، إذ نشط المضاربون والمهربون بصورة كبيرة فيه ما أشعل السوق السوداء للدولار الذي شهد قفزة كبيرة أمام الدينار. ورغم حزم المعالجات الواسعة للبنك المركزي العراقي وارتفاع مبيعاته من العملة الصعبة، ما زال سعر صرف الدولار مُحلقاً في السوق الموازي وبفارق يصل إلى 200 دينار عن السعر الرسمي.
وسجلت الأسواق العراقية أسعارا متفاوتة للدينار أمام الدولار في السوق السوداء خلال اليومين الماضيين، إذ بلغت 1520 دينارا للدولار في بغداد، وفي مدن أخرى نحو 1530 دينارا، رغم بسط البنك المركزي القيمة الرسمية وهي 1320 دينارا منذ نحو أسبوع.
ويقول مصدر مسؤول في البنك المركزي العراقي، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "البنك أطلق في الفترة القصيرة الماضية حزمة ثانية من الإصلاحات لدفع الدولار إلى التراجع مقترباً من السعر الرسمي، وركزت على تسهيل تمويل التجارة من الصين من خلال المنصة الإلكترونية، وكذلك تضمنت تسهيل الحوالات المالية إلى الولايات المتحدة وأوروبا وكذلك تسهيل تحويل المواطنين للأموال عبر الشركات العالمية (ويسترن يونين وموني غرام) ولأغراض متعددة".
وأضاف أن "هناك قرارات أخرى تضمنتها الحزمة الجديدة لم تُعلن حالياً وبانتظار توضيحها ببيان رسمي، تتضمن تعميم قائمة (سوداء) بأسماء المصارف وشركات محال الصرافة التي لم تلتزم بالسعر الرسمي 1320 دينارا في تعاملاتها رغم التعميمات الرسمية لمنع طلباتها بشراء الدولار وحجب وصوله إليها".
وتابع: "كذلك تتضمن القرارات فتح منافذ جديدة لبيعه إلى المواطنين بصورة مباشرة لأول مرة بكميات مُحددة بإجراء غير مسبوق حتى وإن لم يكن طلبهم للدولار بداعي السفر ما سيوفره بكميات تلغي حاجتهم للذهاب إلى السوق الموازي لأن العملة الأجنبية ستتوفر لدى وكلاء معتمدين وفي كافة مناطق بغداد والمحافظات وبالسعر الرسمي".
وقال المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي مظهر محمد صالح، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن "الخيارات المتاحة أمام السلطة النقدية للسيطرة على سعر الصرف تسير باتجاهين، الأول: تحرير بقايا فقرات الحساب الجاري لميزان المدفوعات والتي تخص تحويل أرباح المستثمرين وعوائد العمل وتجارة الخدمات والحقوق المتعلقة بتحويل قيمة الإرث للمقيمين أو المغتربين العراقيين في الخارج والتي كانت جميعها غامضة سابقا وتخضع للاجتهادات البيروقراطية قبل إطلاق الحزم الأخيرة للبنك المركزي العراقي في مجال التحويلات".
وأضاف أن "الاتجاه الثاني هو وجود ملامح إيجابية في تحرير جانب من الحساب الرأسمالي أو المالي لميزان المدفوعات العراقي وربما إلى مدى أوسع وفي مقدمتها على سبيل المثال موضوع السماح بالتحويل الخارجي لشراء عقار أو الاستثمار بعقار خارج البلاد، وهنالك حزمتان أولى وثانية مرنتان أطلقتا وسمحتا باستخدام شركات التحويل المالي العالمية كوسائط للتحويلات المتعلقة بالتجارة الصغيرة بغية تجنب الإخفاقات المصرفية المحلية إلى حين تكييفها لمتطلبات منصة الامتثال".
وتابع صالح: "أرى أن السياسة النقدية ستزيد من الانفتاح في التحويلات كافة مع تطور الأدوات المصرفية التي تعتمد قواعد الامتثال الدولي في حوكمة تمويل المعاملات التجارية وهناك دور سيكون للمصرفين الحكوميين الكبيرين الرافدين والرشيد في المستقبل القريب بتسهيل تمويل التجارة الخارجية للقطاع الأهلي وعلى وفق قواعد الامتثال الدولية".
ويقول الخبير الاقتصادي أدهم الفخار إن التباين الحالي في سعر الصرف بين ما الرسمي والموجود في السوق الموازي يرجع إلى تراكمات نتيجة سياسات نقدية خاطئة منذ تسعينيات القرن الماضي. ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "النظام المصرفي في العراق يعمل بعيداً عن الأنظمة العالمية منذ فرض الحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي وكذلك تأسيس نافذة بيع العملة في البنك المركزي ما بعد عام 2003 التي كان لها الأثر السلبي الذي منع بناء نظام مصرفي يقدم الخدمات المتعارف عليها وإبقاء أغلب المصارف الأهلية تمارس دور الصرافة وليس تقديم الخدمات المصرفية كنتيجة طبيعية سلبية لنظام نافذة بيع العملة الذي أبخس دور المصارف في البناء الاقتصادي".
وأضاف أن "سعر الصرف حسب توقعاتنا سيستقر في وقت لاحق ليكون موازياً للسعر الرسمي بعد الإجراءات الأخيرة للبنك المركزي". وأجرى مراسل "العربي الجديد"، جولة ميدانية على مكاتب وشركات الرصافة ببورصات بغداد في منطقتي الحارثية والكفاح للاطلاع على أسباب الارتفاع المستمر بسعر صرف الدولار أمام الدولار في السوق الموازي.
يقول صاحب شركة صرافة في منطقة الحارثية، محمد جعفر، إن "المصارف التي نتعامل معها لشراء الدولار والتي تتعامل بدورها مباشرةً مع البنك المركزي ما زالت تشتكي بطء النظر بطلبات الشراء التي تقدمها للبنك وتأخر صرف الأموال الذي يصل إلى فترة تتراوح ما بين 10 إلى 14 يوماً من تاريخ تقديمها للطلب وبكميات محدودة لا تزيد عن 100 ألف دولار بكل طلب ولا تتجاوز 200 ألف دولار شهريا ولا تغطي حاجة السوق الذي يشهد طلباً كبيراً على الشراء".
ويشير المواطن عمر صائب إلى أنه يضطر لشراء الدولار بسعر السوق الموازي والذي يصل أحيانا إلى 1570 دينارا للدولار الواحد بهدف شراء البضاعة في محله الكائن بمنطقة المنصور لأن التجار يرفضون بيعه بالدينار العراقي.
أما "علي ع ف" صاحب شركة صرافة في منطقة الكفاح، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه كاملا، فيقول لـ"العربي الجديد" إن "هنالك أشخاصاً يجوبون بورصات بغداد لشراء أية كميات متاحة للدولار ويدفعون أعلى سعر ونحن نبيع لهم بسبب هامش الربح العالي وهم حقيقة السبب الرئيس وراء استمرار ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازي لأنهم يشترون بأي سعر".
ويضيف إن "البنك المركزي العراقي ما زال عاجزاً عن توفير حاجة السوق، وبالتالي مع وجود أشخاص يشترون بسعر عالٍ سيبقى السعر مُحلقاً وربما يرتفع أكثر إن لم تصل الأجهزة الأمنية لهؤلاء". وتؤكد الأجهزة الأمنية العراقية أن هؤلاء مضاربون ومهربون للعملة الأجنبية وإنها تواصل ملاحقتهم وتعتقل يومياً عدداً منهم وتضبط كميات كبيرة من الدولارات المعدّة للتهريب.