العالم يترقب صفقة مصيرية لرفع سقف الدين الأميركي... تسوية "ساعة الصفر"

17 مايو 2023
بايدن سيعقد اجتماعاً آخر مع مكارثي للتوصل إلى تسوية بشأن رفع سقف الديون (Getty)
+ الخط -

يتسرب القلق حيال احتمال تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها، إلى قادة الاقتصادات الكبرى وصناع المال حول العالم، حيث لم تعد المعركة الدائرة بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن والجمهوريين في الكونغرس شأنا داخلياً، وإنما تجاوزت الحدود لتفرض نفسها على نقاشات اجتماعات وزراء مالية مجموعة السبع التي تمهد لقمة قادة الدول التي تستمر ثلاثة أيام بدءاً من غد الجمعة في هيروشيما غرب اليابان.

أيام قليلة تفصل العالم عن احتمال تخلف أكبر اقتصاد في العالم عن سداد ديونه، وفق تحذيرات وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، في رسالة بعثت بها إلى الكونغرس، مساء الإثنين الماضي، لتعد الثانية من نوعها في غضون أسبوعين، حيث أكدت أنه من غير المرجح أن تفي الوزارة بجميع التزامات ديون الحكومة الأميركية بحلول الأول من يونيو/ حزيران المقبل، مما يؤدي إلى تخلّف الولايات المتحدة عن السداد لأول مرة في تاريخها.

وحذرت يلين مراراً وتكراراً من أن عدم رفع الكونغرس سقف الدين الفيدرالي البالغ 31.4 تريليون دولار، قد يؤدي إلى "أزمة دستورية"، وسيطلق العنان "لكارثة اقتصادية ومالية" للولايات المتحدة والاقتصادات العالمية. كما قال مكتب الميزانية في الكونغرس، الأسبوع الماضي، إن الولايات المتحدة تواجه " مخاطر كبيرة" تتمثل في التخلف عن سداد التزاماتها خلال الأسبوعين الأولين من الشهر المقبل دون رفع سقف الديون.

وسقف الدين هو الحد الأقصى للمبلغ الذي يمكن للحكومة الأميركية اقتراضه للوفاء بالتزاماتها المالية. وعند وصول الديون لهذا الحد، لا يمكن لوزارة الخزانة إصدار ديون إضافية للوفاء بالتزاماتها المالية دون موافقة الكونغرس على رفع سقف الدين أو تعليقه.

وعلى الرغم من أن رفع سقف الدين أو تعليقه يعتبر إجراءً روتينياً، فإنه في بعض الأوقات يتحول لأزمة اقتصادية ذات طابع سياسي، في ضوء اختلاف وجهات النظر بين الرئيس الديمقراطي والجمهوريين الذين يحظون بالأغلبية في مجلس النواب، بشأن التعامل مع ملفي النفقات العامة والديون، كما حدث في عام 2011. ووفقاً لبيانات وزارة الخزانة، رفع الكونغرس سقف الدين 78 مرة منذ عام 1960، منها 49 في ظل رؤساء جمهوريين، و29 تحت رئاسة ديمقراطية.

لكن أزمة الاتفاق بين الحزبين على رفع سقف الدين تبدو مختلفة هذه المرة، إذ تأتي في خضم صراع انتخابي داخلي وصعوبات اقتصادية كبيرة تدفع الولايات المتحدة نحو ركود مخيف، فضلاً عن سباق يجري على الأرض من قبل اقتصادات كبرى من شأنه تقويض الهيمنة الأميركية وخشية حلفاء واشنطن من صدمات ارتدادية تضرب اقتصاداتهم.

تهديد مدمر للاقتصاد العالمي

وبدا القلق ظاهراً على صانعي السياسات المالية في دول مجموعة السبع الصناعية. إذ أكد جيريمي هانت، وزير الخزانة البريطاني، خلال تواجده في اليابان في وقت سابق من الأسبوع الجاري، أن أزمة الديون الأميركية تمثل "تهديداً خطيراً للاقتصاد العالمي"، مضيفا أنه سيكون الأمر مدمراً تماماً إذا خرج الناتج المحلي الإجمالي الأميركي عن مساره بسبب الفشل في التوصل إلى اتفاق، لا سيما أن الولايات المتحدة تعد من أكبر محركات الاقتصاد العالمي.

ويراقب العالم المحادثات الأميركية عن كثب، حيث أطلع مسؤولو وزارة الخزانة اليابانية، الأسبوع الماضي، الحلفاء على وضع المفاوضات بين البيت الأبيض والجمهوريين في الكونغرس بشأن رفع سقف الدين. وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، أمس، في مقال بعنوان "قادة العالم يتابعون بقلق المواجهة الأميركية بشأن الديون"، أن المأزق في واشنطن يلوح في أفق اجتماعات مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى هذا الشهر.

ونظرا لأن المستثمرين في جميع أنحاء العالم ينظرون إلى ديون الحكومة الأميركية على أنها أصول آمنة، فإن إخفاق الولايات المتحدة في دفع الفائدة على ديونها في الوقت المحدد قد يكون له تداعيات عالمية. وإذا بدت سندات الخزانة الأميركية محفوفة بالمخاطر وأدت إلى عمليات بيع، فقد تنتشر الفوضى في الأسواق المالية العالمية.

ودخل الرئيس جو بايدن والجمهوريون في الكونغرس في مواجهة حول رفع سقف الدين، حيث يطالب قادة الحزب الجمهوري بوعود حول تخفيضات في الإنفاق في المستقبل قبل الموافقة على رفع هذا السقف، في حين يصر بايدن على زيادة السقف وإبقاء محادثات الميزانية منفصلة.

ولم يحرز بايدن وزعيم الأغلبية الجمهورية كيفن ماكارثي، تقدماً في الاجتماع الذي عقد قبل أيام، ويخطط الجمهوريون والبيت الأبيض لبدء محادثات أخرى خلال اليام المقبلة. ووصلت حكومة الولايات المتحدة إلى الحد الأقصى القانوني للاقتراض في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، ومنذ ذلك الحين تستخدم وزارة الخزانة إجراءات غير عادية لتمكين الحكومة من توفير السيولة النقدية ودفع فواتيرها.

وحثت وزيرة الخزانة الأميركية في رسالتها الأخيرة إلى الكونغرس، على التحرك في أسرع وقت ممكن. وقالت: "لقد تعلّمنا من مأزق سقف الدين السابق أن الانتظار حتى اللحظة الأخيرة لتعليق أو زيادة حد الدين يمكن أن يتسبب في ضرر جسيم للأعمال وثقة المستهلك، ويرفع تكاليف الاقتراض قصير الأجل لدافعي الضرائب، ويؤثر سلباً على التصنيف الائتماني للولايات المتحدة".

وأضافت: "إذا فشل الكونغرس في زيادة حد الدين، فسوف يتسبب ذلك في معاناة شديدة للأسر الأميركية، ويضر بمكانتنا القيادية العالمية، ويثير تساؤلات حيال قدرتنا على الدفاع عن مصالح أمننا القومي".

أسعار فائدة أكثر ارتفاعاً

وقبل أيام حذر صندوق النقد الدولي من تداعيات خطيرة إذا تخلفت الولايات المتحدة عن سداد ديونها، مع اقتراب المهلة النهائية لرفع البلاد سقف الدين أو تعليقه. وصرحت جولي كوزاك، المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، في إحاطة صحافية، الخميس الماضي، بأن العواقب المحتملة لتخلف الولايات المتحدة عن السداد، ستشمل أسعار فائدة أكثر ارتفاعاً، وحالة من عدم الاستقرار واسعة النطاق.

وقالت إن ذلك من شأنه أن يضيف إلى الصدمات التي شهدتها السنوات الأخيرة، بما في ذلك جائحة "كوفيد-19"، والحرب في أوكرانيا، مضيفة أن "المناقشات في الولايات المتحدة تجري في وقت عصيب على الاقتصاد العالمي. تقييمنا أنه ستكون تداعيات خطيرة للغاية، ليس فقط على أميركا ولكن أيضاً على الاقتصاد العالمي، إذا حدث تخلُّف عن سداد الديون. ونحثّ بشدة الأطراف في الولايات المتحدة على العمل معاً للتوصل إلى إجماع لمعالجة هذه المسألة عاجلاً".

وبالفعل بدأت أجواء الخوف من تداعيات الأزمة تنعكس على أسواق المال والعملات، إذ استمر الضغط على الدولار، أمس الثلاثاء، تحت وطأة خطر تخلف واشنطن عن سداد ديونها، بينما تراجع مساء الإثنين من أعلى مستوى له في خمسة أسابيع ليخسر 0.26%. كذلك استمرت حركة الأسهم الأميركية في نطاق ضيق. ووجه مايك ويلسون المحلل في بنك الاستثمار العالمي "مورغان ستانلي" تحذيراً بشأن الموعد النهائي لسقف الديون، مشيراً وفق وكالة بلومبيرغ، إلى أن عملاء البنك قالوا إنهم لا يرجحون حل المشكلة دون بعض التقلبات على المدى القريب.

وحذر بعض المتداولين الأكثر خبرة في "وول ستريت" من تداعيات "لا تخطر على بال" على المدى الطويل من تعثر واشنطن في سداد ديونها. وفي خطاب لوزيرة الخزانة قال قادة حاليون وسابقون من اللجنة الاستشارية لاقتراض الخزانة، إن تكاليف الجمود الحالي حول سقف الدين تمتد إلى ما هو أبعد من الأسواق، وإلى الوقت الذي ستضطر الشركات المالية إلى أن تقضيه للاستعداد لتعثر محتمل.

وكتبت المجموعة المكونة من 17 شخصاً، بينهم المديرون التنفيذيون في "غولدمان ساكس"، بيث هاماك وأشوك فارادهان، ورئيس العمليات السابق في "جيه بي مورغان تشيس آند كو"، مات زيمز: "التداعيات قصيرة الأجل للمفاوضات المطولة مكلفة، أما عواقب التعثر فلا تخطر على بال، وحجم التداعيات السلبية من المفاوضات المطولة أو التعثر لا يمكن قياسه".

وطالبت المجموعة، وفق وكالة بلومبيرغ برفع سقف الدين بالسرعة الواجبة وإيجاد حل دائم لهذه المشكلة، ووقع على الرسالة رؤساء ونواب رؤساء اللجنة الاستشارية؛ وهي لجنة خارجية تقدم المشورة لوزارة الخزانة بشأن الاقتراض منذ عام 1998.

الدولار الأميركي يواجه الخطر

وقالت هاماك، الرئيسة المشتركة للتمويل العالمي التي ترأست اللجنة الاستشارية لما يقرب من نصف عقد في مقابلة مع تلفزيون بلومبيرغ، الثلاثاء الماضي: "يخضع الدولار الأميركي لخطورة حقيقية في ظل هذا الوضع".

غير أنّ محللين ماليين أشاروا إلى أن وزارة الخزانة يمكن أن تستمر حتى أغسطس/ آب دون أن تتخلف عن السداد، إذا تمكنت من جمع إيرادات الضرائب ربع السنوية في 15 يونيو/ حزيران، والوصول إلى إجراءات الاقتراض الجديدة التي تصبح متاحة في 30 يونيو/حزيران المقبل.

في الأثناء رجحت مصادر تحدثت لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، الإثنين، توصل البيت الأبيض والجمهوريون إلى صفقة في الساعات الأخيرة قبل اندلاع أزمة التخلف عن السداد مطلع الشهر المقبل. وقال نيل برادلي، كبير مسؤولي السياسات في غرفة التجارة الأميركية، "لا يبدو أنه من المستحيل حل أي من المشكلات. وهذا يضعك حقا على طريق إبرام صفقة".

وأرسل برادلي مذكرة إلى الشركات الأعضاء في الغرفة، يوم الجمعة الماضي، توضح كيف يمكن أن تبدو التسوية، وقال "أعتقد أن هناك رغبة من كلا الجانبين في الوصول إلى رفع ناجح لحد الديون والحصول على صفقة"، معربا عن اعتقاده بأن الخطر الأكبر هو أن يكون هناك سوء تقدير للوضع الحالي.

وذكرت الصحيفة أنه بالنسبة للديمقراطيين، فإن الأولوية هي التأكد من عدم التضحية بأي من إنجازاتهم السياسية الكبيرة خلال العامين الماضيين، أو أنهم مجبرون على قبول مستوى من التقشف من شأنه أن يعيق الاقتصاد. كما يريدون الحفاظ على المبدأ القائل بوجوب فصل مفاوضات حد الديون عن محادثات الإنفاق حتى لو حدثت على مسارين متوازيين.

المساهمون