الضرائب في الجزائر: ضغوط على الأسر وكبح للاستثمارات

26 يونيو 2023
ارتفاع الأسعار يرهق المواطنين (Getty)
+ الخط -

يجد المواطن الجزائري نفسه في مواجهة ضغط كبير، نتيجة انتهاج الحكومة سياسة توسيع الوعاء الضريبي في السنوات الماضية، لتعويض الخسائر التي خلّفها تراجع مداخيل النفط.

إذ ارتفعت الرسوم والضرائب بين عامي 2016 و2021، في مقدمتها الضريبة حول القيمة المضافة من 17 إلى 19 في المائة، مع فرض ضريبة على بيع العقارات وتأجيرها بنسبة 5 في المائة.

يضاف إلى ذلك رفع الضريبة المفروضة على الآلات الكهرومنزلية المستوردة التي تستهلك الكثير من الطاقة.

وتحتل الجزائر المرتبة 138 عالمياً في الضغط الضريبي، حسب آخر تقرير حول التنافسية في العالم الصادر عن المنتدى الاقتصادي.

ويلفت مراقبون لـ "العربي الجديد" إلى أن الجزائر أصبحت من بين أكثر الدول ارتفاعا في نسبة الضرائب المفروضة على المواطنين وقطاع الأعمال على المستوى العربي وحتى الدولي، وهو ما يجعل الاستثمار في الصناعة أو المقاولات أمرا غير مشجع، في وقت تعيش فيه البلاد ظروفا اقتصادية متعثرة بعد جائحة كورونا.

وحسب المستشار السابق في وزارة المالية الجزائرية عمر آيت حداد، فإن "النظام الضريبي المطبق في الجزائر يمتد من الفترة الاستعمارية، حيث نجد الكثير من الرسوم غير مطبقة اليوم إلا في فرنسا التي كانت قد فرضتها في الجزائر إبان احتلالها البلاد".

ويضيف حداد لـ "العربي الجديد" أن "تخفيض معدل الضغط الضريبي في الوقت الراهن أمر لا بد منه، لامتصاص الآثار التي ترتبت على انخفاض قيمة العملة الجزائرية والتي تسببت بشكل آلي في رفع الأسعار داخلياً، ما دمنا دولة تستورد كل سلعها تقريباً من الخارج، ما أدى إلى زيادة معدلات التضخم التي انعكست على القدرة الشرائية للمواطن وبالتالي، خفض الضغط الضريبي سيعمل على تقليص الأسعار".

ويتابع: "السياسات المالية والنقدية وجدت من أجل معالجة الاختلال الكلي الذي قد يطرأ على الاقتصاد، إلا أنها تبقى في الجزائر مجرد حلول ترقيعية، ولا يمكن أن تقدم دفعاً قوياً لإخراج الاقتصاد الوطني من المستنقع الذي يعيش فيه، فهي تشبه المهدئات وأدوية تخفيض الحمى. والأصح أن يلجأ المسؤولون عندنا إلى معالجة مكامن الداء الذي تسبب في الحمى".

ويرى كثير من المراقبين أن الضغط الضريبي والجبائي في الجزائر، وإن كان سيساعد الحكومة في توسيع دائرة المداخيل المالية، فهو يحمل الكثير من السلبيات، منها إثقال كاهل المستهلكين في البلاد، خاصة الطبقة المتوسطة، والأهم من ذلك تشجيع الاقتصاد الموازي.

وفي السياق، يقول الخبير الاقتصادي جمال نور الدين إن "الضغط الضريبي ارتفع كثيرا في الجزائر بعدما أصبحت الإيرادات الجبائية تمثل حوالي 25 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، وهو من بين الأعلى بين دول المنطقة خلف المغرب وتونس اللتين تملكان عملة قوية مقارنة مع الجزائر".

ويضيف نور الدين، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الجزء الأكبر من الضغط الضريبي والجبائي يقع على كاهل المستهلكين أولا، لأنهم يتحملون ثلث الضغط، ثم المؤسسات سواء كانت صناعية أم خدماتية".

ويعتبر الخبراء في مجال الجباية في الجزائر، أن مشكل النظام الضريبي يتمثل في عدة نقاط، منها وجود ضرائب "غير معللة"، بالإضافة إلى عدم مساهمة جميع المكلفين بدفع الضرائب بسبب تعدد الإعفاءات أو التهرب أو التملص، مما يرفع الضغط على المستهلكين والعمال وعدد قليل من الشركات.

يرى كثير من المراقبين أن الضغط الضريبي والجبائي في الجزائر، وإن كان سيساعد الحكومة في توسيع دائرة المداخيل المالية، فهو يحمل الكثير من السلبيات


وفي السياق، يعتبر مالك العوفي، وهو مدير شركة متخصصة في صناعة الدهان، وعضو في فيدرالية المؤسسات الجزائرية (تكتل يضم أرباب العمل) أن "المؤسسات والشركات في الجزائر تدفع كثيرا من الرسوم غير المعللة، والتي يكون لها أثر على سعر منتجاتها أو خدماتها في الأخير".

ويذكر العوفي، على سبيل المثال "الرسم على النشاط المهني، وهو مفروض على رقم الأعمال المسجل دون احتساب الرسوم الضريبية بـ1% للمنتجين و2% لشركات الخدمات، وهي ضريبة لا تشجع النشاط الإنتاجي ولا نرى جدوى من فرضها منذ خروج فرنسا من الجزائر قبل أكثر من نصف قرن، وبالتالي فإن القاعدة المالية تقول كثير من الضرائب يقتل الضرائب، أي لا أحد سيدفع حينها".

ويقول العوفي لـ "العربي الجديد" إن "النظام الضريبي في الجزائر لا يزال حبيس البيروقراطية، التي شجعت على استفحال التهرب أو العمل في الاقتصاد الموازي، وفي الأخير المواطن هو من يدفع الفاتورة غاليا، لأنه الحلقة الأخيرة والأضعف في السلسلة".

يُذكر أن التهرب الضريبي في الجزائر تعدى عتبة 9200 مليار دينار، أي حوالى 9 مليارات دولار، كضرائب غير محصلة وفق الأرقام الرسمية، وقررت الحكومة استحداث آليات جديدة لتحصيل هذه الديون، من خلال وضع جداول دفع وخصم بعض الديون المستحقة.

كما نجحت الجزائر في رفع صادراتها خارج المحروقات، منذ سنة 2021، لتنتقل هذه الصادرات إلى 7 مليارات دولار في السنة الماضية، مقابل أرقام تتراوح بين 1.3 و1.8 مليار دولار سنوياً خلال العقود السابقة، حسب تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون الأخيرة.

المساهمون