الصين أكبر الرابحين

23 مارس 2022
مصفاة نفط في الصين (Getty)
+ الخط -

في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، فرضت الولايات المتحدة والدول الغربية عقوبات اقتصادية على موسكو، قيل إنّ الهدف منها هو عزل روسيا، بحكومتها وبنوكها ومليارديراتها، عن النظام المالي العالمي، فمنعوها من استخدام نظم الدفع المعتادة، وخفضت الوكالات العالمية تصنيفها الائتماني.

كما أوقف ما يقرب من أربعمائة شركة أعمالها في روسيا، وتسابق المستثمرون على التخلص مما في حوزتهم من عملة وأسهم وسندات روسية، قبل أن يتم إيقاف التعامل على أغلبها في الأسواق العالمية.

اعترفت روسيا بالأضرار الاقتصادية التي لحقت بها، وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنّ الفترة القادمة تتطلب إعادة ضبط الاقتصاد في بلاده على الظروف الجديدة، التي قال إنّها ربما تتسبب في ارتفاع معدل التضخم والبطالة في بلده، إلّا أنّه أكد أنّ العقوبات لن تثنيه عن إتمام ما بدأه.

تعتمد روسيا في التعامل مع الكثير من العقوبات المفروضة عليها على علاقتها بالصين، وما يمكن للأخيرة توفيره من وسائل تسمح لروسيا بإيجاد مخارج من عزلتها المالية والاقتصادية والتجارية.

وعلى الرغم من إعلان العديد من الدول عدم مشاركتها في تطبيق العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على روسيا، تبقى الصين "الحلقة الأضعف" في الحصار المفروض على موسكو، وفي نفس الوقت تمثل "طوق النجاة" الذي يتشبث به البلد الغارق في العقوبات.

حظرت أميركا مشتريات النفط والغاز من روسيا، وحثت الدول الغربية على فعل الشيء نفسه، فلجأت روسيا، من قبل الحظر، وربما من قبل الغزو، إلى تحويل أغلب مبيعاتها إلى السوق الصينية.

وقبل شهور، وقعت روسيا والصين اتفاقات تجارية تقضي بزيادة التبادل التجاري بينهما، وتم إنشاء خط أنابيب جديد لتصدير الغاز الروسي إلى الصين، والعام الماضي ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى ما يقرب من 150 مليار دولار، وعلى الأرجح ستحصل الصين على احتياجاتها من مصادر الطاقة الروسية بتخفيض قد يزيد عن 10%.

منعت الدول الغربية روسيا من استخدام نظام الدفع الدولي سويفت أملاً في إيقاف تعاملاتها مع بنوك ودول العالم، فلجأت موسكو إلى نظام دفع مواز أنشأته الصين عام 2015، ويطلق عليه اسم CIPS.

وفي شهر يناير / كانون الثاني الماضي، وقبل شهر ونصف من غزو القوات الروسية لأوكرانيا، اتفقت روسيا والصين على تطوير هياكل مالية مشتركة لتعميق الروابط الاقتصادية بعيداً عن سيطرة الغرب، وأُعلن وقتها أنّ الغرض هو "تقليل تهديد الهيمنة الأميركية طويلة المدى على النظام المالي العالمي، والمدعومة بالاستخدام الواسع للدولار ووسائل تسويته، من خلال شبكة الدفع الدولية سويفت SWIFT".

ومع تلك البدائل، لا يزال لدى الحكومة والبنك المركزي الروسي والبنوك الروسية إمكانية فتح حسابات دولارية لدى البنوك الصينية المسموح لها بالتعامل من خلال نظام سويفت، لتقوم من خلاله بتسوية أي عملية تجارية تقوم بها.

جمدت البنوك المركزية في الدول الغربية ما تحت يديها من أرصدة مالية تخص البنك المركزي الروسي وتمثل نصف احتياطي النقد الأجنبي في البلاد وما يعادل أكثر من 300 مليار دولار، فلم يعد أمام الروس إلا الاعتماد على الجزء المتبقي، الذي يشكل اليوان الصيني أكثر من نصفه.

ومع تضييق الخناق على الأرصدة المالية الروسية، ستوفر العملة الرقمية الصينية، التي تم إطلاقها أول شهور العام الحالي، ملاذاً آمناً وبديلاً مقنعاً للمدفوعات الروسية للعديد من الجهات حول العالم.

قررت الدول الغربية حرمان روسيا من منتجات التكنولوجيا المتقدمة التي تنتجها، وعلى رأسها رقائق الحاسب الآلي، فتحولت روسيا لشرائها من الصين.

وفي الوقت الذي تبحث فيه أربعمائة شركة غربية عن مشتر لأصولها في روسيا، قبل أن تستولى عليها الحكومة الروسية، تتحين الشركات الصينية الفرصة لاقتناء تلك الأصول، والتي يتوقع أن يقدم مالكوها "خصماً" ضخماً عند تقييمها لأقرب مشتر.

وفي أكثر من مناسبة، دعت الحكومة الصينية إلى تسوية سلمية للصراع، معربة عن دعمها لوحدة أراضي أوكرانيا، إلا أنها امتنعت عن انتقاد الغزو الروسي.

وتعتبرُ بكينُ روسيا شريكاً استراتيجياً، حيث وقعت الدولتان، على هامش افتتاح الدورة الأولمبية الشتوية، بياناً تاريخياً في نحو ست عشرة صفحة، قدمتا فيه نفسيهما باعتبارهما قوتين عالميتين، وطرحتا رؤيتهما للنظام العالمي في مواجهة الرؤية الأميركية

. وبعد الغزو وفرض العقوبات الغربية، انتقدت الصين العقوبات الاقتصادية، بشكلٍ عام، وتحديداً ما يخص العقوبات المفروضة على روسيا، باعتبارها تؤدي إلى نتائج عكسية.

في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتي تظهر فيها الولايات المتحدة والدول الغربية، والدول الشرقية المنضمة لحزب شمال الأطلنطي، باعتبارها لاعباً أساسياً، لم يتأكد أحد من وجود منتصر بخلاف التنين الصيني، والذي أصبح خلال السنوات الأخيرة يمثل التهديد الوحيد الحقيقي للولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في العالم.

نجحت الصين إلى حد كبير قبل الغزو الروسي لأوكرانيا في منافسة الولايات المتحدة في عدة ساحات، وأظهرت قوتها الناعمة في العديد من المناطق حول العالم، إلا أن النظام المالي العالمي، الذي أسسته الدول الغربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وعدلت قواعده الولايات المتحدة قبل أكثر من نصف قرن، بقي عصياً على بكين، التي لم تتمكن من منافسة الدولار وسطوته حول العالم، كما نظم الدفع التي تسيطر عليها الدول الغربية.

لكن بعد الغزو الروسي، وفي أقل من شهر، وجدت الصين عملتها محط أنظار العالم، تطلب روسيا، الاقتصاد رقم 11، وصاحبة رابع أكبر احتياطي نقد أجنبي في العالم، الاحتفاظ بأغلب هذا الاحتياطي بها، وتضطر إلى تسوية مدفوعاتها من خلالها، وتتشجع السعودية بالإعلان عن تفكيرها في تسعير صادراتها من النفط بها، ويزداد الطلب أيضاً على عملتها الرقمية، وعلى نظام تسوية المدفوعات الخاص بها، لتوفر سنوات وربما عقودا من الجهد المطلوب للإطاحة بالدولار الأميركي، بينما تتوفر لها إمدادات ضخمة من النفط والغاز، والقمح والشعير والحديد والنيكل وغيرها إن أرادت، بتكلفة أقل من السعر العالمي. فهل تخرج الصين من الأزمة الأوكرانية قوة عظمى جديدة رسمياً؟

المساهمون