قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، السبت، إن إعادة إعمار قطاع غزة المتاخم للحدود مع بلاده يحتاج إلى 90 مليار دولار، مدافعا في الوقت ذاته عن قرار تحرير صرف (تعويم) الجنيه الذي سبق ورفضه.
وأكد السيسي خلال ندوة للجيش المصري، أنه "طلب تقديرا (من مؤسسات الدولة المصرية) لتكلفة إعادة إعمار قطاع غزة، جراء ما شهده من القصف الإسرائيلي"، مؤكدا أنها "تحتاج 90 مليار دولار".
وأشار إلى أن "ما حدث في غزة تحد لمصر وللمنطقة بأكملها"، مشددا على أن "معبر رفح مفتوح على مدار 24 ساعة، ونحرص على إدخال المساعدات إلى قطاع غزة".
وتابع: "نقوم بإسقاط المساعدات على قطاع غزة جوا، بسبب الصعوبات التي تواجه عمليات إدخالها برا".
وأضاف أن " العالم يشهد منذ أشهر مأساة كبرى بجوارنا في فلسطين العزيزة، حيث يسقط آلاف الشهداء في القطاع، ويتعرض الأحياء منهم إلى معاناة إنسانية غير مسبوقة".
وأكد السيسي، أننا "نبذل أقصى ما نستطيع من جهد وطاقة لحماية الفلسطينيين وإغاثتهم، والعمل على وقف إطلاق النار وإنفاذ المساعدات لهـم".
وقال إننا " نتوجه إلى الشعب الفلسطيني المرابط على أرضه، والصامد فوق ترابها، بتحية تقدير وإجلال، ونقول له: "إن مصابكم مصابنا، وألمكم ألمنا، ومصر لن تتوقف عن مواصلة العمل لوقف إطلاق النار وإغاثة المنكوبين من هذه الكارثة الهائلة".
ونوه أن "البعض يقول كان يمكن أن تستضيف مصر أهالي القطاع البالغ عددهم مليوني نسمة، خاصة أن مساحة الأرض في شبه جزيرة سيناء كبيرة. لا يمكن أن نخون هؤلاء الذين يضحون بدمائهم، أو أن نفرط في حقهم وأرضهم، وحق الشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته المستقلة".
وجراء الحرب وقيود إسرائيلية، بات سكان غزة، ولا سيما محافظتي غزة والشمال، على شفا مجاعة، في ظل شح شديد في إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود، مع نزوح نحو مليوني فلسطيني من سكان القطاع الذي تحاصره إسرائيل منذ 17 عاما.
الصبر على الأوضاع الاقتصادية
وطالب السيسي المصريين بالصبر على الأوضاع الاقتصادية في الداخل، بقوله: "الدول تحتاج إلى سنوات كثيرة من أجل البناء والتقدم، ومصر تحركت في مسار الإصلاح الاقتصادي حتى يمكن التحرك بفعالية وقوة".
وأضاف أن " التاريخ سيحكي كيف كان العبور بمصر إلى بر الأمان صعباً وقاسياً، ولن يمضي وقت طويل حتى ينعم المصريون بحصاد جهدهم وصبرهم"، على حد تعبيره.
وزاد السيسي: "أبذل أقصى ما عندي من جهد، وأقول للمصريين: لا تديروا ظهوركم لبلدكم، لا سيما أن الأمور بدأت في التحسن، وكل ما تم عمله على أرض مصر يمكن للجميع رؤيته. لا بد من دفع بعض الأثمان حتى تستمر الدولة، وتظل آمنة، وصفحات التاريخ ذاخرة بأيام تشهد على قصة كفاح الشعب المصري".
وأكمل السيسي: "الأزمة الكبيرة التي نعيشها منذ أكثر من 4 سنوات، على خلفية جائحة كورونا والحرب الروسية ثم الأزمة في قطاع غزة، مثلت تهديداً وتحدياً كبيراً لنا".
وقال " أقدر الضغوط التي تعرض لها المصريون وتحملوها، والتي زادت في السنة الأخيرة بسبب ارتفاع الأسعار، ولا أقول ذلك حتى يتحملوا أكثر، أو أن يبذلوا جهداً أكبر، ولكن حتى يأخذوا في الاعتبار مصلحة بلدهم في المقام الأول".
دفاعاً عن تعويم الجنيه
ودافع السيسي عن قرار تعويم الجنيه للمرة الخامسة في عهده والرابعة منذ مارس/آذار الماضي، رغم رفضه للقرار العام الماضي، معتبرا إياه تهديدا للأمن القومي المصري.
وقال الرئيس المصري، إن "توفر الأموال التي حصلت عليها مصر مؤخراً يسهم في تطبيق سعر صرف مرن للجنيه مقابل الدولار، وبغير ذلك كنا سنواجه مشكلة أكبر".
وأضاف أنني " لم أعاتب رجال الأعمال الذين سعروا بضائعهم على سعر 70 و80 جنيهاً للدولار، وقت أن كان في البنك بأقل من 31 جنيهاً، ولا طالبت الحكومة وأجهزة الدولة بالتدخل لاتخاذ إجراء حاد ضد أحد، لأن الدول يجب أن تدار بالأنظمة والقوانين".
واستطرد السيسي: "اتخاذ إجراءات في مثل هذه الأزمة كان من الممكن أن يعقد الأمور، وأقول للتجار إن ما جمعته بالحلال سينفعك، وما جمعته بشيئ آخر سيكون ناراً عليك، إذا كنت تؤمن بأن هناك حساب، وأن لهذا الكون صاحب".
وقال" حين تحدثت عن صعوبة تعويم الجنيه منذ عدة أشهر، وقلت إنه يمس الأمن القومي، كان القصد من وراء كلامي أنه يجب جمع مبلغ معتبر أولاً من الدولار لتنظيم السوق، ثم بعد ذلك يحدث التعويم!".
وأضاف: "الآن لدينا مبلغ يتراوح ما بين 45 و50 مليار دولار، هي مجموع أموال صفقة مشروع رأس الحكمة مع دولة الإمارات، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وبعض اتفاقيات التمويل الأخرى مع الاتحاد الأوروبي".
وأردف السيسي: "لا يمكن أن تأخذ بلد مثل مصر مكانها بين الأمم في 10 سنوات فقط، وأقول للمفكرين والمثقفين إن الدول تحتاج إلى 75 عاماً حتى تصبح ذات شأن".
وأكد " عمري ما وعدت المصريين بأن الموضوع سينتهي في عام أو عامين أو حتى 10 أعوام، فمصر دولة كبيرة يتواجد بها 106 ملايين نسمة، بالإضافة إلى عدد كبير من الضيوف بواقع 9 ملايين (وافد)، كما أن الأزمات حولها من كل مكان في منطقتنا، وكل هذه تحديات ومشاكل لها تأثير كبير علينا، خصوصاً أننا دولة مقوماتها الاقتصادية ليست ضخمة".
وواصل قائلاً: "أنا لم أغامر بكم يا مصريين، أو اتخذت قراراً الهدف منه إضاعة مصر، لا عن هوى أو فهم خاطئ أو تقدير منقوص. نحن لسنا فاسدين، ولم نأخذ أموالكم لنهدرها بفساد أو استهتار، لا أنا ولا الحكومة. كل الأموال أنفقت على أرض مصر، وأنتم من قلتم لي تعالى وتحمل المسؤولية، وقلت لكم: تعالوا ونتحمل المسؤولية سوياً!".
وختم السيسي: "قالوا إن هناك 10 أو 12 مليار دولار خرجت من البلاد، لأن بعض المسؤولين في الدولة استولوا عليها، وهذا لم يحدث بفضل الله، وكل الجهد والإمكانيات موجودة على أرض مصر. وفي الحرب الأخيرة ضد الإرهاب واجهنا فكراً منحرفاً ومتطرفاً، استباح دمائنا ومستقبلنا، وأكرر هذا الحديث حتى نعرف أننا دفعنا ضريبة غالية من دماء جنود الجيش والشرطة، حتى تظل الدولة المصرية آمنة ومستقرة".
وأعيد انتخاب السيسي (70 عاماً)، قبيل نهاية العام الماضي، لفترة ولاية ثالثة حتى عام 2030، بموجب تعديلات الدستور التي سمحت بزيادة فترته الثانية من 4 إلى 6 سنوات، ومنحه حق الترشح لولاية تالية، في وقت بلغ فيه التضخم والغلاء والفساد مستويات غير مسبوقة بعهده، نتيجة التوسع في الاقتراض من الخارج لإقامة مشاريع "ترويجية" عملاقة يشرف على تنفيذها الجيش وحده بمنأى عن الرقابة، على غرار العاصمة الإدارية الجديدة والقطار السريع والمونوريل.
وارتفعت ديون مصر الخارجية من 45.2 مليار دولار عند تولي السيسي السلطة عام 2014 إلى 164.5 مليار دولار، في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، أي بزيادة نسبتها 264%، في حين تواجه الحكومة نقصاً متزايداً في العملة الأجنبية منذ قرابة عامين، دفعتها إلى طرح أصول مهمة للدولة للبيع أمام مستثمري الخليج، والتوسع في الاقتراض من الخارج لسداد أعباء الديون.
وتتعرض الطبقة الوسطى إلى ضغوط شديدة، دفعت قطاعاً كبيراً منها للانحدار إلى الفقر، إذ قفز عدد الفقراء في مصر إلى نحو 60 مليوناً من أصل 106 ملايين نسمة في الداخل، وفق تقديرات البنك الدولي، وسط توقعات بارتفاع العدد مع الزيادات المستمرة في أسعار السلع الأساسية، بأضعاف ما كانت عليه قبل سنوات قليلة.
وأقر البنك المركزي المصري خفضاً جديداً للجنيه أفقده 60% من قيمته، منذ ظهر الأربعاء الماضي، بالتزامن مع إعلان الحكومة توقيع قرض جديد مع صندوق النقد الدولي بقيمة 9.2 مليارات دولار، مع وعود بتدفق مزيد من قروض البنك الدولي، وحصيلة بيع أصول عامة، في محاولة لإخراج البلاد من أسوأ أزمة اقتصادية تمر بها منذ عقود.
وتسعى مصر أيضا للحصول على 1.2 مليار دولار من صندوق الاستدامة البيئية التابع لصندوق النقد لصالح البلدان الضعيفة ذات الدخل المنخفض أو المتوسط.
كما وقّعت مصر صفقة رأس الحكمة مع صندوق الإمارات السيادي، بقيمة 35 مليار دولار، تتضمن الحصول على دفعة أولى بلغت 10 مليارات دولار، إضافة إلى 5 مليارات دولار من الديون الإماراتية.
وتسبب التعويم الجديد في تراجع القوة الشرائية للجنيه بنسبة 60%، دفعة واحدة، ويدور سعر صرف الدولار رسميا حول 49.5 جنيها مصريا منذ قرار التعويم الأخير الأربعاء الماضي، من نحو 30.95 جنيها قبل القرار مباشرة.