الركود التضخمي يهدد روسيا بعد سنتين ونصف من الحرب في أوكرانيا

12 سبتمبر 2024
أمام محل صرافة في موسكو، 28 فبراير 2022 (Getty)
+ الخط -

يهدد الركود التضخمي روسيا، حيث ارتفع سعر الخبز في السنوات الأخيرة إلى حد بات أوليغ إيفانوفيتش مضطرا إلى الاستغناء عنه في بعض الأيام، لكنه يبدي استعداده للقيام بتضحيات، في وقت يواصل الجيش هجومه على أوكرانيا. ويقول المتقاعد البالغ 67 عاما لوكالة فرنس برس في موسكو: "إننا نتعايش مع هذا الأمر. وحين تنتهي العملية العسكرية الخاصة، ستعود الأسعار إلى مستواها الاعتيادي"، في إشارة إلى توصيف موسكو لهجومها على أوكرانيا المستمر منذ فبراير/شباط 2022.

والتضخم الحاد الذي تخطى 9% في أغسطس/آب هو من النتائج المباشرة لعسكرة الاقتصاد الروسي الذي بات خلال سنتين ونصف السنة يتوقف إلى حد بعيد على القطاع الدفاعي والعسكري. وأنفقت السلطات الروسية مليارات الدولارات على الجيش والجنود وعائلاتهم وشركات الأسلحة، ووظفت استثمارات طائلة سمحت لها حتى الآن بالحد من تبعات العقوبات الغربية التي فُرضت على البلاد بهدف تجفيف مصادر تمويل مجهوده الحربي.

غير أن البنك المركزي الروسي يتحدث حاليا عن خطر جديد يهدد الاقتصاد الوطني، وهو الركود التضخمي. وحذّرت مديرته إلفيرا نابيولينا في يوليو/تموز من أن "نقص (اليد العاملة) قد يقود إلى وضع يشهد تباطؤا في النمو الاقتصادي رغم كل الجهود المبذولة لتحفيز الطلب، وتؤدي فيه كل هذه التحفيزات إلى تسريع التضخم". وأضافت "إنه بشكل أساسي سيناريو ركود تضخمي لا يمكن وقفه إلا لقاء انكماش اقتصادي حاد".

تبعات الركود التضخمي

وفي حال تسجيل ركود تضخمي، وهو تعبير يشير إلى تضخم شديد بالتزامن مع نمو ضعيف أو حتّى منعدم، فسيطرح ذلك تحديا جديدا على الكرملين. ومذ أمر الرئيس فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا قبل أكثر من سنتين ونصف السنة، ارتفعت النفقات الفدرالية بحوالى 50%، متسبّبة بارتفاع في الأجور وإنفاق الأسر. وتراجعت البطالة إلى أدنى مستوياتها التاريخية، فيما ارتفعت ثقة المستهلك إلى أعلى نسبة منذ 15 عاما.

لكن مع هجرة عمال مهرة وغير مهرة فرّوا إلى الخارج هربا من التجنيد أو التحقوا بالجيش طلبا للأجور المغرية، باتت ملايين المناصب شاغرة. كما أن العقوبات التي حرمت روسيا من التكنولوجيا الغربية، انعكست سلبا على الإنتاجية وبلبلت سلاسل الإمداد.

وقال الأستاذ الروسي في مدرسة الاقتصاد في برشلونة روبن إنيكولوبوف لوكالة فرانس برس "على المدى البعيد، ستؤدي هذه العوامل الديمغرافية وهذه المسائل التكنولوجية إلى نمو ضعيف جدا". وتابع "من المحتمل جدا أن نشهد سيناريو ركود تضخمي عام 2025 وفي السنوات التالية". وأقر البنك المركزي الروسي بوجود "مؤشرات إلى تباطؤ النمو".

إلا أن معدل الفائدة الرئيسية وصل إلى 18%، ما يثير استياء أرباب العمل الذين يشكون من تزايد تكاليف القروض المصرفية، ما يعيق بشكل إضافي النمو في قطاعات غير مرتبطة بالجيش. وأوضح ماكسيم بويف، من معهد الاقتصاد الجديد في موسكو، أن روسيا عالقة في "حلقة مفرعة من التضخم والكينيزية العسكرية، بحيث إن التحفيزات تذهب إلى الحرب، فيما بقية الاقتصاد تسجل ارتفاعا في الأسعار".

ويؤكد بوتين من جهته أن الإنفاق العسكري يمثل "موردا كبيرا" يمكن أن يحرك النمو في روسيا، غير أن العديد من المراقبين يشكّكون في ما إذا كانت فوائد هذه الاستثمارات العسكرية كافية للتعويض عن التكاليف الباهظة.

وقال فلاديسلاف إنوزمتسيف، أحد مؤسسي مركز التحليل والاستراتيجيات في أوروبا، مكتب الدراسات المتخصص في شؤون روسيا، إن "الاقتصاد يتدهور، يبتعد عن النمط العصري". ولفت إلى أن السلطات "تعتمد الأنماط والمعايير والمناهج السوفييتية، التقدم التكنولوجي غائب.. والتطوير محدود جدا".

وفي هذه الأثناء، تملك موسكو الموارد لخوض نزاع طويل الأمد، فلديها حوالى 300 مليار دولار من الاحتياطات التي لم يجمدها الغرب، ونسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي متدنية بنسبة تقارب 15%، كما أعلن الكرملين زيادات كبيرة في الضرائب ستجني له عائدات إضافية بمليارات الدولار في السنوات المقبلة. وقال إنيكولوبوف: "ما زال هناك هامش كبير لإعادة توزيع الموارد، لن يوقفوا الحرب لنفاد الإمدادات".

ورأى إنوزمتسيف أن روسيا "قد لا تستمر إلى ما لا نهاية" في الحرب، "لكن لديها بالتأكيد المال والموارد الكافية لمواصلتها لسنوات عدة بالكثافة ذاتها التي هي عليها اليوم".

(فرانس برس)

المساهمون