لطالما كان ضعف الدولار والدعم الذي يمكن أن يقدمه للمصدِّرين والمصنِّعين الأميركيين جزءاً من وصفة الرئيس دونالد ترامب لجعل أميركا "عظيمة مرة أخرى" وفق تعبيره. ولكن قد يكون خصمه، جو بايدن، هو من يحصل على دولار أقلّ قوة وسط تضاؤل الغنائم.
قبل وقت طويل من تفشي جائحة فيروس كورونا الجديد في الاقتصاد العالمي، كان الظلم المزعوم للعلاقات التجارية الأميركية مع بقية العالم حجر الزاوية في خطاب ترامب وأفعاله، وفقاً لتقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ" الأميركية.
كانت الاتهامات بالتلاعب بالعملة دعامة أساسية لسياسته، بقدر ما كانت التعريفات على عناصر تراوح من الألواح الشمسية إلى الغسالات رده على ما اعتبره ظلماً. وادعاء الظلم بشأن قوة الدولار، غالباً ما كان جزءاً من هجمات ترامب ضد الصين وأوروبا، وحتى الاحتياطي الفيدرالي للولايات المتحدة.
يُظهر مقياس الاحتياطي الفيدرالي للعملة الأميركية، أنّ الدولار كان في المتوسط أقوى منذ انتخاب ترامب مقارنة بأسلافه، وأعلى بنحو 18% مما كان عليه خلال السنوات الثماني التي أعقبت فوز باراك أوباما الأولى. يقول نيد رامبلتين، محلل العملات في "بنك تورنتو دومينيون": "قال ترامب إنه يريد دولاراً أضعف، لكن ما فعله يعني أنه أصبح أقوى".
القوة الاقتصادية النسبية للولايات المتحدة كانت جزءاً كبيراً من المعادلة على مدى السنوات الأخيرة، وما يعنيه ذلك بالنسبة إلى السياسة النقدية وعوائد المستثمرين.
في أعقاب أزمة عام 2008، كان توسع الاقتصاد في عهد أوباما وترامب، الذي كان الأطول على الإطلاق، وأدى بالبطالة إلى أدنى مستوى لها منذ نصف قرن، أقوى من التعافي في الدول الصناعية الكبرى الأخرى. على عكس نظرائه في أوروبا واليابان، تمكن البنك المركزي الأميركي، وإن كان لفترة وجيزة، من رفع أسعار الفائدة بعيداً عن الصفر، ما وفّر علاوة جذابة للمستثمرين الذين ساعدوا في دعم الدولار.
لعبت سياسات إدارة ترامب أيضاً دوراً بعدة طرق في تعزيز الدولار. ساعدت التغييرات الضريبية والتنظيمية على جذب أموال المستثمرين إلى الولايات المتحدة من خلال تعزيز ربحية الشركات.
في الوقت نفسه، أدى عدم استقرار السوق الناجم عن الحرب التجارية لترامب مع الصين إلى تغذية الطلب على الدولار، الذي كان يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه عملة ملاذ آمن. وبينما قد يؤدي تضخم عجز الميزانية في عهد ترامب إلى إضعاف الدولار، بدا المستثمرون على استعداد للتغاضي عن تراكم الديون المتصاعدة.
يقول جاك ماكنتاير، مدير الأموال في Brandywine Global Investment Management: "كان يُنظر إلى ترامب على أنه صديق للأعمال ومؤيد للنمو عبر خفض الضرائب، وهذا أمر جيد للدولار. ولكن ربما كان هيكل الأسعار في الولايات المتحدة أكثر أهمية بالنسبة إلى بقية العالم".
أثبتت قوة الدولار غير المسبوقة أنها نعمة للمستهلكين والشركات الأميركية التي تشتري المنتجات من الخارج، ولكن بالنسبة إلى المصنعين الذين يتنافسون مع المنافسين الدوليين في الداخل والخارج، أدى ذلك إلى ارتفاع التكاليف وإعاقة النمو. الآن هناك بعض المؤشرات على أن المد آخذ في الانعطاف.
لا يزال الدولار قريباً من متوسطه في عهد ترامب، لكنه انخفض بأكثر من 8% من ذروته في وقت سابق من هذا العام، ومن المتوقع أن يضعف أكثر. تقلصت العلاوة التي توفرها سندات الخزانة الأميركية على الديون المماثلة من الاقتصادات الكبرى مثل ألمانيا، حيث تراجع بنك الاحتياطي الفيدرالي عن أسعار الفائدة المرتفعة.
يعتزم صانعو السياسة في الولايات المتحدة الحفاظ على أسعار الفائدة بالقرب من الصفر لسنوات قادمة لتشجيع الأفراد والشركات على الخروج من الركود، وهو الموقف الذي يؤثر عادةً في عملة الدولة. قد يدفع الوباء إلى المزيد من التيسير النقدي.
التقدير المتوسط في استطلاع "بلومبيرغ" لاستراتيجيي العملات، أنّ مؤشر الدولار الذي يُراقَب على نطاق واسع ينخفض بنسبة 3% تقريباً من الآن وحتى نهاية عام 2021.
رئاسة بايدن، ولا سيما إذا اقترنت بـ "الموجة الزرقاء" التي تمنح الديمقراطيين السيطرة على الكونغرس، لديها القدرة على تسريع انزلاق العملة الأميركية. صاغ الحزب حزمة إغاثة من فيروس كورونا، من شأنها زيادة الاقتراض الحكومي الكبير بالفعل بتريليونات الدولارات.
بصفتها مُصدِّر العملة الاحتياطية الأولى في العالم، تتمتع الولايات المتحدة بمزايا فريدة. سيكون هناك دائماً مستوى معيَّن من الطلب على العملة الأميركية، ومن غير المرجح أن تتخلف الدولة عن السداد. ومع ذلك، إن أي تصور بأن الدين الأميركي يخرج عن نطاق السيطرة قد يغذي المخاوف بشأن تقييم الدولار.
يقول عبد الحق أدجريو، مدير الأموال في شركة American Century Investments، إنه مع ارتفاع الديون الأميركية، سيضعف الدولار على المدى الطويل بغضّ النظر عمّن سيفوز. في ظل حكم بايدن، يمكن أن يحدث هذا الانخفاض في القيمة "بسرعة كبيرة"، كما يقول، لأنّ الديمقراطي قد يحاول تقليل العجز من طريق زيادة الضرائب.
يمكن أن توفر حزمة التحفيز المالي أيضاً دفعة، إذا شجعت المستثمرين على إعادة توجيه الأموال إلى الأصول ذات المخاطر العالية، فقد يؤدي ذلك إلى استنزاف بعض الطلب على الدولار الذي يأتي من مستثمري الملاذ الآمن.
ستكون علاقة الولايات المتحدة مع الصين أساسية للحفاظ على أي انخفاض في الدولار. أدت اتفاقية المرحلة الأولى التي أبرمها البلدان في يناير/ كانون الثاني إلى انفراج في حرب ترامب التجارية مع بكين. لكن السلام بعيد كل البعد عن الأمان، خاصة أن الرئيس الأميركي يتطلع إلى إلقاء اللوم على جائحة كوفيد- 19 على عاتق حكومة شي جين بينغ. تشير خطة بايدن إلى أنه لن يتساهل مع الصين، وهو يفكر في فرض عقوبات ضريبية على الشركات التي تنقل المصانع في الخارج.
ومع ذلك، ينظر الكثيرون إلى بايدن على أنه أقل مواجهة من ترامب وأكثر انفتاحاً على العمل مع الدول الأخرى. قد يساعد هذا المزيج، جنباً إلى جنب مع التوقعات بحدوث طفرة كبيرة في التحفيز المالي، بالإضافة إلى الزيادات المحتملة في الضرائب والتنظيم في إدارة بايدن، في إحداث تأثير سلبي بالعملة الأميركية القوية.
على الجانب الآخر، قد يؤدي فوز ترامب والهيئة التشريعية المنقسمة إلى تمديد الجمود الحالي بشأن التحفيز المالي، ما يعزز الحاجة إلى معدلات فائدة منخفضة للغاية تؤثر بالعملة. ثم هناك المجهول الكبير: خطر الانتخابات المتنازع عليها. شهور من عدم اليقين من المحتمل أن تغذي الطلب على الدولار كملاذ آمن.