الخراب الاقتصادي لإسرائيل

29 نوفمبر 2023
أضرار كبيرة لمختلف الأنشطة الاقتصادية في إسرائيل بسبب الحرب (Getty)
+ الخط -

في أعقاب انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، وصف الصحافي الإسرائيلي المخضرم ناحوم بارنيا ما حدث في السابع من أكتوبر بأنّه "أسوأ يوم في تاريخ إسرائيل من الناحية العسكرية". أشار بارنيا إلى أنّ ما حدث في ذلك اليوم مثّل إذلالاً محضاً للجيش الإسرائيلي، وقال "في عام 1973 تعرضنا لهجوم من قبل أكبر جيش عربي، مصر، لكن هذه المرة، تم غزو إسرائيل في 22 موقعاً خارج قطاع غزة، بما في ذلك مجتمعات تصل إلى 15 ميلاً داخل إسرائيل، من قبل قوة عسكرية تابعة لـ "ما يعادل لوكسمبورغ"، ما أسفر عن وقوع أكثر من 1000 قتيل، وأسر أكثر من مئتي شخص، رغم أن الحدود المخترقة تكلفت ما يقرب من مليار دولار، ما مثل ضربة صادمة لقدرات الردع الإسرائيلية".

أشار الصحافي الإسرائيلي أيضاً إلى أن ما حدث كشف غطرسة الاستخبارات الإسرائيلية وسوء حكمها على الأمور. لكن التطورات التي حدثت خلال الأسابيع الثمانية التالية، والتي تابعها العالم كله، تؤكد أن الأمر لن يتوقف عند الفشل العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي، وإنما سيمتد إلى الاقتصاد، والذي يشهد حالياً مقدمات ما يشبه الخراب. وتوقع محافظ البنك المركزي الإسرائيلي أن تتكلف الحرب على غزة ما بين 51 إلى 60 مليار دولار إذا استمرت الحرب لمدة ثمانية أشهر، وهو ما يمثل نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

وخلال العقود الأخيرة، كان اقتصاد الاحتلال مدعوماً دائماً وبقوة من الولايات المتحدة والغرب، إما من خلال المساهمات المباشرة، أو الاستثمارات، أو كما في حالة واشنطن، ضمانات القروض أيضاً. كل هذا سمح للمحتل بالتفاخر بتصنيفه الائتماني القوي، الأمر الذي مكنه من اجتذاب بعض أكبر شركات التكنولوجيا، والمؤسسات المالية، للاستثمار في إسرائيل.

وعقب اندلاع الحرب على غزة نشرت وكالة ستاندرد آند بورز بعض الأخبار السيئة حول الاقتصاد الإسرائيلي، حيث توقعت انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5% في الربع الأخير من العام الحالي، على أساس ربع سنوي، بينما توقع بنك جي بي مورغان انكماش الاقتصاد بنسبة 11% خلال الربع نفسه، على أساس سنوي. ومع ارتفاع معدل التضخم في البلاد، خفضت الوكالة نظرتها المستقبلية لماليات حكومة الاحتلال من مستقرة إلى سلبية، وقالت إنه سيكون أكثر سلبية إذا استمرت الحرب في غزة.

أيضاً قدرت وكالة موديز انكماش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 1.5% العام المقبل، متوقعة أن يتسع عجز الموازنة إلى 3% هذا العام. وأدت التطورات أيضاً إلى قيام وكالة فيتش للتصنيف الائتماني بإجراء مراجعة سلبية للاقتصاد.

وقالت صحيفة فايننشال تايمز إن مشاكل إسرائيل الاقتصادية ستمتد إلى ميزانية العام المقبل، الذي توقعت أن يتضاعف العجز المالي فيه ثلاث مرات، حيث استدعت إسرائيل ما يقرب من 400 ألف جندي احتياطي للمساعدة في القضاء على المقاومة الفلسطينية. وتبلغ التكلفة المباشرة لهؤلاء الجنود، بحسب تقديرات حكومية، 1.3 مليار دولار شهرياً.

لكن هذا مجرد جزء من التكلفة الحقيقية، فهؤلاء الجنود لاعبون أساسيون في الاقتصاد، وخاصة قطاع التكنولوجيا، الذي يعتمد في الغالب على العمال الأصغر سناً، والذين يخوضون الآن حرباً لا أحد يعرف مداها في غزة.

وأشارت التقديرات الإسرائيلية إلى أن الخسائر الأسبوعية لاقتصاد الاحتلال، الناتجة عن غياب الجنود عن أعمالهم الأساسية، تقدر بنحو 1.2 مليار دولار.

ولهذا السبب بالتحديد ذكرت هيئة الإذاعة الإسرائيلية مؤخراً أن تل أبيب بصدد تسريح الآلاف منهم، حتى يتمكنوا من العودة لإنقاذ الاقتصاد المتدهور. وبعد ذلك بيوم، قالت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية إن الجيش سرّح بالفعل الآلاف من جنوده وضباطه، لكن دون إعلان رسمي.

وبالإضافة إلى ذلك، توجد التكلفة الفعلية للحرب، والتي تقدر بنحو 260 مليون دولار يومياً. وذكرت وكالة بلومبيرغ أن هذه التكلفة تتزايد باستمرار، الأمر الذي سيزيد الضغط على الميزانية الإسرائيلية. من جانبها، أجرت قناة الجزيرة عملية حسابية بسيطة، قالت فيها إن ما بين 10 إلى 12 مليار دولار قد تم إنفاقها بالفعل، ضمن التكلفة العسكرية للحرب.

واقترضت إسرائيل مبلغاً يتراوح بين 6 إلى 8 مليارات دولار لتغطية العجز في ميزانيتها، الذي وصل إلى 6 مليارات دولار في شهر أكتوبر/ تشرين الأول وحده، في زيادة قدرها 400% على أساس شهري. ومن المتوقع أن تقترض حكومة الاحتلال المزيد من الأموال لتغطية العجز المتزايد في الميزانية في الأسابيع والأشهر المقبلة.

فقدت حكومة الاحتلال القدرة على التلاعب بالأرقام، حتى إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير ماليته بتسلئيل سموتريش ناقشا تعديل ميزانية 2023، وبالفعل صادقت الحكومة الإسرائيلية أمس على موازنة ملحقة "غير مسبوقة" بقيمة 8 مليارات دولار لتلبية احتياجات الحرب، على الرغم من أن بضعة أسابيع فقط تفصل بينها وبين نهاية السنة المالية.

ويشعر البنك المركزي هو الآخر بالذعر، حيث يدرك جيداً أن عجز الميزانية سيلحق المزيد من الضرر بالعديد من القطاعات الاقتصادية الرئيسية في البلاد، والتي سيكون منها قطاعات التصنيع والسياحة والطيران والطاقة.

ولا تنتهي الأخبار السيئة هنا، لأن الاقتصاد الأضعف يعني فرصاً مالية أقل واستثمارات خارجية أقل، وهو ما ستكون له انعكاسات على الحساب الجاري، والعملة، وسوق الأوراق المالية. وبالتأكيد سيكون لذلك تأثير سلبي على قدرة الاحتلال على الوصول إلى سوق السندات، أو الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وربما لم يعلم القائمون على الأمر في حكومة الاحتلال، وفي جيشه، أن الحرب المدمرة على غزة سيكون لها مثل هذا التأثير الكارثي على الاقتصاد. وربما كانوا يعلمون ذلك، ولكن مهما كانت الأسباب السياسية، فقد شعر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بأنه ليس لديه خيار آخر، لمحو الآثار المادية والمعنوية لما حدث في السابع من أكتوبر.

لم تكشف "طوفان الأقصى" حقيقة القدرات العسكرية والاستخباراتية لدولة الاحتلال، بعيداً عن الدعم الأميركي، فقط، وإنما أكدت أيضاً أن اقتصاده أوهن من بيت العنكبوت، حيث أخفى تطور بنيته اعتماده على قطاعات قليلة، تديرها قوة عمل محدودة نسبياً، وهو ما يبشر بتحولات كبيرة، ربما تفوق ما خططت له جماعات المقاومة الباسلة.

المساهمون