استمع إلى الملخص
- التمويل الحكومي غير الكافي يبرز كعائق رئيسي أمام تطور الجامعات في العالم العربي والإسلامي، بينما الجامعات الغربية تستفيد من استثمارات ضخمة.
- تبعية الجامعات للحكومات في العالم العربي والإسلامي تحد من استقلاليتها وقدرتها على تطوير البحث العلمي، عكس الجامعات الغربية ذات الاستثمارات المالية الكبيرة.
فقر متعدد الأبعاد تعانيه الجامعات في الدول العربية والإسلامية، كشفت عنه حرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل على غزة، منذ ما يقرب من تسعة أشهر، تحت سمع وبصر العالم، وفي ظل انحياز ودعم كاملين من أميركا ودول غربية لصالح ما تمارسه دولة الاحتلال من حرب إجرامية في غزة.
أبعاد الفقر الذي تعانيه الجامعات في الدول العربية والإسلامية، تمثل في حالة الصمت شبه المطبق الذي عم تلك الجامعات، فلم تتحرك الشبيبة الطلابية، لتعبر عن غضبها تجاه الممارسات الإسرائيلية من قتل الأطفال والنساء وهدم البيوت وتجريف الزرع وغيرها من سياسة الأرض المحروقة في غزة، بينما جامعات عدة في أميركا وأوروبا وآسيا، خرج طلابها في مظاهرات احتجاجية، تعددت مظاهرها، لتعكس صورة كاشفة لزيف الإعلام الصهيوني والأميركي، وأحدثت مظاهرات طلاب الجامعات بأميركا والغرب، حالة من الحراك السياسي الداخلي بهذه الدول، كان من نتيجته إحداث حالة من الوعي بالقضية الفلسطينية، لدى جزء كبير من شعوب هذه الدول.
ولم يكن حراك الجامعات قاصراً على الطلاب، بل شمل الأساتذة، وتصاعد الحراك ببعض الجامعات، إلى أن طالب بعض الأساتذة بسحب الثقة من تولي نعمت شفيق رئاسة جامعة كولومبيا، وقد شارك الأساتذة الطلاب في مطالبهم الاحتجاجية، سواء على ممارسات إسرائيل، أو تقديم الدعم الأميركي لها، أو وجود استثمارات لتلك الجامعات في إسرائيل، أو في شركات تدعم إسرائيل.
ومن الأبعاد الأخرى التي أظهرت فقر الجامعات العربية والإسلامية، حديث طلاب أميركا، عن استثمارات جامعاتهم، وأنه لا بد من عدم مساهمتها في دعم اقتصاد دولة تمارس القتل والإبادة، وهنا يكمن الشاهد محل مقارنة الجامعات في الدول العربية والإسلامية من جهة، وجامعات أميركا والغرب من جهة أخرى.
للأسف الجامعات في الدول العربية والإسلامية تعتمد بشكل رئيس على التمويل الحكومي، والذي عادة ما يكون غير كاف، ويقتصر بنسبة كبيرة على رواتب الأساتذة والكوادر الإدارية المساعدة، وقلما تجد جامعة لديها وقفًا يمكنها من خلاله أن تنفق على أبحاثها العلمية، أو يمكنها توظيفه بشكل أكبر في استثمارات خارجية، تدر عليها ربحًا أفضل، تستطيع من خلاله الاستمرار في أداء رسالتها.
حتى الجامعات في الدول العربية والإسلامية التي أنشئت في بداية القرن العشرين أو أواخر القرن التاسع عشر، وكانت لها أوقاف تساعد في استقرار قرارها العلمي والإداري والسياسي، سيطرت عليها حكومات ما بعد النصف الأول من القرن العشرين، بما يضمن تجريد هذه الجامعات من أي موارد مالية ذاتية، وبما يجعل تلك الجامعات في حالة تبعية حتمية للحكومات، بينما الأخبار التي حملتها لنا العديد من وكالات الأنباء ووسائل الإعلام، عن استثمارات الجامعات الأميركية التي شهدت احتجاجات على الحرب الإسرائيلية على غزة، وتمسك طلابها بسحب استثمارات جامعاتهم من الشركات الإسرائيلية، أو الشركات الداعمة لإسرائيل، كانت بحدود ألف مليار دولار.
مثلًا، جامعة كاليفورنيا لديها أصول مالية تقدر بنحو 175 مليار دولار، توظف 20% منها في إسرائيل أو شركات داعمة لدولة الاحتلال، وكذلك جامعة كولومبيا لديها استثمارات بنحو 32 مليار دولار، منها نسبة أقل من 10% مستثمرة في إسرائيل أو شركات داعمة لها، أما جامعة هارفارد التي تعتبر نموذجًا بارزًا للاستثمار الوقفي في تمويل الجامعات فلديها استثمارات تزيد عن 50 مليار دولار. ويلاحظ أن استثمارات جامعات أميركا لدى إسرائيل أو الشركات الداعمة لها، تتركز في مجال السلاح والتكنولوجيا، وهي أمور مهمة جدًا، ليس فقط لعائدها المالي، ولكن لدورها في تطوير التكنولوجيا في إسرائيل، وكذلك امتلاكها أحدث الأسلحة.
ينقلنا واقع الاستثمارات في الجامعات الأميركية، إلى أسئلة مهمة تتعلق بحالة الفقر والتخلف التي تعيشها جامعاتنا، وإن كانت الجامعات الأميركية لا تعتمد فقط على التمويل الوقفي، أو التبرعات، ولكنها تحصل كذلك على دعم حكومي. على الجانب الآخر، فالجامعات العربية والإسلامية، مكبلة بقوانين، للتصرف فيما يتكون لديها من فوائض مالية، بأن تلزم هذه الجامعات باستثمار تلك الفوائض، إن تحققت، في أذون وسندات الحكومات.
وعلى كل يمكننا أن نسأل: كم من الجامعات العربية والإسلامية، تعلن عما لديها من أصول مالية، وما هو موقف صناديقها الاستثمارية إن وجدت، وكيف يتم التصرف فيها، أو في الأرباح التي تتحصل عليها؟ أذكر أن تجربة إحدى الجامعات في دولة عربية، كان لها نشاط تجاري في عسل النحل، وتم القبض على رئيس الجامعة الذي روج لمشروع العسل بجامعته، بقضية فساد كبيرة. وبين مشروعات العسل، أو الأمن الغذائية، أو مشروعات التعليم المفتوح، نجد استثمارات الجامعات الأميركية والغربية في مجال التكنولوجيا والسلاح!
هل تمتلك إحدى الجامعات العربية والإسلامية، استثمارات تؤثر كمًا ونوعًا على مقدرات دول أو شركات، كما هو واقع الجامعات الأميركية؟ لنتخيل لو أن إحدى الجامعات العربية والإسلامية تمتلك استثمارات بمليارات الدولارات في دولة أو شركة لها موقف معادٍ لدولة إسلامية، وبخاصة إذا كانت هذه الاستثمارات في مجالات السلاح والتكنولوجيا، بلا شك أن وجود مثل هذه الحالة يمثل ورقة ضغط قوية يمكنها إحداث تغيير حقيقي في واقع السياسة والحرب.
فحسب احصاءات عام 2021، فإن العالم العربي يمتلك 1340 جامعة، وهو عدد يمثل نسبة تقترب من 50% من جامعات أميركا، بغض النظر عن العدد، فإن الكيف في هذا المضمار، هو المعول عليه، فالجامعة يجب أن تكون ثرية، ماديًا وعلميًا، حتى تمثل مركز ثقل في محيطها الجغرافي القُطري، بل والإقليمي والعالمي. ورأينا الواقع المر في الجامعات العربية والإسلامية، من حيث عزلها عن الشركات وقطاعي الصناعة والزراعة، فلا يوجد رابط بين تلك الجامعات والاحتياجات العلمية لتطوير إنتاج قطاعات استراتيجية مثل الصناعة والزراعة.
فغالبية هذه القطاعات تعتمد على استيراد احتياجاتها من مستلزمات الإنتاج، أو من العدد والآلات وقطع الغيار، ومن هنا تكرس الفقر المالي والعلمي بالجامعات العربية والإسلامية، حتى أن خريجي هذه الجامعات، يعانون من قلة فرص التدريب في سنواتهم النهائية، عندما تشترط بعض الكليات خضوع خريجيها لبرامج تدريبية بالشركات.
إن الفقر المالي والعلمي الذي تعانيه الجامعات العربية والإسلامية، للأسف صاحبه فقر في رأس المال البشري، من حيث التفاعل السياسي، وربط الشباب واهتماماتهم بالبيئة السياسية، وتأصيل قضايا الأمن القومي في نفوسهم. نعم قد يكون لدى شباب الجامعات الرغبة الكبيرة للمشاركة، ولكن سياسة البطش والاستبداد التي تمارسها الحكومات في المحيطين العربي والإسلامي، جعلت شباب الجامعات شبه معزولين عن واقع أمتهم وقضاياها، فأنى لنا بمقارنتهم بما كان عليه أداء الطلاب في أميركا والغرب؟
لا نحسب أن الجامعات العربية والإسلامية تعيش حالة اختيارية من جعلها مجرد أبنية بلا دور، ولكن سياسة الإفقار التي تتبعها الحكومات خلقت هذا الواقع المرير، فهي حكومات لا تعرف الأثر الممتد لدور الجامعات في إطار القوى الناعمة، سواء على الصعيد العلمي أو المالي. فالنظم الاستبدادية العربية والإسلامية، تعتمد سياسة السيطرة على مقدرات السلطة والثروة ومنع مؤسسات المجتمع من أن يكون لديها من الثروة أو السلطة، أو الاثنين معًا، ما يمكنها من ممارسة دور، تكون نتيجته محاسبة الطلاب للأساتذة وكيفية إدارة الجامعة، وبالتالي محاسبة الحكام.