الحرب السودانية تقطع أوصال البلاد: رحلات طويلة بكلفة عالية

21 يونيو 2024
بانتظار الباص في الخرطوم، 30 مايو 2023 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الحرب السودانية المستمرة منذ أبريل 2022 بين الجيش وقوات الدعم السريع تسببت في تحديات كبيرة في التنقل، مما أجبر المواطنين على استخدام الطرق الترابية والاعتماد على الدواب والسير لأيام لتجنب الاشتباكات.
- ارتفاع التكلفة والمسافات الزمنية للرحلات بشكل هائل، مع تضاعف المسافة الزمنية بين الخرطوم وبورتسودان إلى أكثر من ثلاثة أيام وزيادة قيمة التذاكر بأكثر من 400%.
- نزوح أكثر من 8 ملايين شخص وخروج 75% من شركات الباصات السفرية عن الخدمة بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل ونقص قطع الغيار، مما أدى إلى ظهور مبادرات مجتمعية لترحيل المواطنين مجانًا وخطر الانهيار التام لقطاع النقل.

ساهمت الحرب السودانية المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل/ نيسان من العام الماضي في صعوبة التنقل بين الولايات، حيث ارتفعت التكلفة وزادت المسافات أضعافاً مضاعفة تصل إلى أيام إضافية عن فترة الرحلة ما قبل الحرب، ما أعاق حركة انتقال المواطنين.

وتبعاً لذلك، تغيرت طبيعة الحركة من طرق معبّدة إلى طرق ترابية وعرة تنتقل فيها الدواب ويسير فيها المواطنون على أقدامهم لأيام هربا من الاشتباكات المسلحة والعصابات وقطاع الطرق، الذي انتشروا في كل مكان في ظل انفلات الأمن.

ومع تمدد الحرب في الولايات المختلفة زادت الأعباء على المواطنين، وتضاعفت المسافة الزمنية بين الخرطوم وبورتسودان من 10 ساعات إلى أكثر من ثلاث أيام بسبب صعوبة المرور عبر الطرق الأساسية نتيجة لإغلاقها وظهور العصابات والنهب المسلح.

وتضاعفت قيمة التذكرة أكثر من 400% من 40 ألف جنيه إلى أكثر من 300 ألف جنيه، من دون النظر إلى معاناة السكان في تحركهم. أما الطريق الواصل إلى ولايات كردفان ودارفور من وسط السودان فأصبح مغلقاً تماماً، حيث يتجه المواطنون إلى الولاية الشمالية ومن ثم يتوجهون غرباً إلى ولايات كردفان ودارفور عبر طريق ترابي رملي.

وكانت المسافة بين الخرطوم وولايات دارفور تبلغ حوالي 830 كيلومتراً وبين الخرطوم وكردفان 362 كيلومتراً، اصبحت الآن 1125 كيلومتراً حيث يعاني المواطن لمدة أربعة وخمسة أيام للوصول إلى دارفور.

صعوبة في التنقل بسبب الحرب السودانية

وفرّ أكثر من 8 ملايين شخص من مناطقهم منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023 بحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة، وبعد تمدد الحرب إلى الولايات الآمنة ازدادت حالات النزوح، ومع تمدد الحرب واتساع رقعتها أصبحت الوسيلة الوحيدة للتنقل بين مدن الولايات المختلفة هي "الكارو"، وهي عربة تعتمد على الدواب، حيث انعدمت وسائل المواصلات العادية نتيجة للسرقات التي طاولتها، إضافة إلى الانعدام التام للوقود في العديد من الولايات، خاصة الولايات الوسطى.

يقول المواطن دفع الله البشرى لـ "العربي الجديد" إنه يتواجد حاليا في قريته في ولاية الجزيرة (وسط السودان)، ويعاني من غياب وسائل المواصلات في المنطقة، حيث لا توجد أي وسيلة للتنقل في الولاية منذ أكثر من ثلاثة أشهر، والوسيلة المتبعة في التحرك هي الدواب والكارو أو يضطر بعض السكان إلى الذهاب سيراً على الأقدام، مضيفا أن وسائل المواصلات العادية مثل الباصات والتاكسيات وغيرها أصبحت معدومة في المنطقة التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.

ويضيف دفع الله أنه قطع مسافة 40 كيلومترا سيراً على الأقدام للوصول إلى أقرب منطقة آمنة وذلك بعد هجوم قوات الدعم السريع على منطقته، مبينا أن أسعار الترحيل بالدواب والكارو تصل إلى أكثر من خمسين ألف جنيه.

ومنذ بداية الحرب اضطرت أعداد كبيرة من المواطنين إلى النزوح من مناطقهم نحو المناطق الأكثر أمنا، فكان الكثير منهم يعتمدون على السير على الأقدام في رحلة قد تستغرق عدداً من الأيام، لا بل قد تتخطى الأسبوع، في ظل ارتفاع أسعار تذاكر الباصات السفرية وغياب وسائل المواصلات في معظم المناطق التي تكون المعارك فيها نشطة أو تعاني من الحصار.

وزادت المخاوف من انهيار قطاع النقل في السودان وتوقفه عن العمل بعد ارتفاع كلف التشغيل وانعدام قطع الغيار ورداءة الطرق، وكذلك انكماش حركة السفر إثر الزيادة الكبيرة في ثمن التذاكر بالنسبة إلى المواطنين في ظل استمرار الحرب.

وقد تلقى القطاع ضربات موجعة بسبب الحرب مما تسبب في خروج 75% من شركات الباصات السفرية عن الخدمة نتيجة مشكلات وأزمات عدة تحاصرها منذ ما قبل الحرب، من بينها الديون الضخمة وارتفاع أسعار المحروقات المستمر.

النهب طاول الباصات

وتشكل الباصات السفرية عصب حركة نقل الركاب في السودان، إذ تسهم بنقل 90% من الركاب، إلا أنها تواجه أخطار النهب والسلب في الطرق الرئيسية في كل ولايات البلاد، ما فاقم أزمة السفر وزاد القلق من انعكاسات الأزمة على القطاع الذي يشغل الآلاف من السائقين.

يقول رئيس الغرفة القومية للباصات السفرية أحمد الطريفي لـ "العربي الجديد" إن هذه الزيادة في قيمة التذاكر ترجع إلى الظروف التي تعيشها البلاد من حرب قضت على الأخضر واليابس، ويضيف أن الرحلات السفرية تسلك طرقا غير معبدة وداخل الأحياء والمناطق السكنية لانفراط الأمن على الطرق القومية المعروفة مما تسبب في زيادة استهلاك الوقود وقطع الغيار. ويتابع الطريفي أنه للمحافظة على سلامة المسافرين بسبب الحرب "نزيد زمن الرحلة التي كانت تقطعها الباصات من ساعات إلى أيام، وهذا يعني أيضا زيادة في التكلفة".

ويقول إنهم في الغرفة القومية وعضويتها يحرصون على تأمين سلامة المواطنين المسافرين مما يؤدي إلى مضاعفة إهلاك الباصات السفرية وزيادة التكلفة على المسافرين. ومع استمرار التحديات التي تواجه السودانيين جراء استمرار الصراع في عددٍ من ولايات في البلاد، وفقدان الكثير لوظائفهم، وغياب وسائل المواصلات، قام عدد من الخيرين وأصحاب المبادرات المجتمعية بترحيل المواطنين مجانا من عدد من المناطق وإليها، مما يسر عليهم الانتقال إلى وجهتهم وأسقط عنهم ارتفاع التكلفة، ومن تلك المبادرات، مبادرة للعودة الطوعية لسكان مدينة أم درمان القديمة.

المواطن محمد خالد يفيد بأنه نزح من ولاية الجزيرة بعد استيلاء الدعم السريع عليها إلى مدينة بورتسودان من وسط البلاد إلى شرقها، في رحلةٍ استغرقت خمسة أيام وذلك بسبب نقاط التفتيش، بالإضافة إلى أن أصحاب الباصات السفرية يعملون على تقسيم خط الرحلة من منطقة إلى منطقة وبرسوم مختلفة.

ويضيف محمد أن أسعار التذاكر زادت بسعر جنوني حيث تجاوزت الزيادة 400% عن السعر الحقيقي في الوضع الطبيعي. خروج عن الخدمة وقبل شهر اعتزمت هيئة السكة حديد بالسودان إعادة تشغيل خط القطار بين مدينتي وادي حلفا وعطبرة، بعد توقفٍ دام أكثر من أربع سنوات في خطوة تعيد الحياة للمدينتين الواقعتين شمال البلاد. وفى السنوات الأخيرة تعرضت حركة القطارات في السودان إلى إهمال كبير بسبب الأزمة الاقتصادية وارتفاع تكاليف قطع الغيار إلى جانب الاضطرابات السياسية والحرب التي اندلعت قبل أكثر من عام.

ولكن الأمين العام لغرفة الباصات السفرية أحمد علي نابكو يرى أن مستقبل قطاع النقل يواجه الانهيار التام والتوقف الكامل نتيجة أزمة قطع الغيار بسبب عمليات السلب التي تعرضت لها معظم المحال التجارية التي توفر أدوات التشغيل خلال الاشتباكات المسلحة في الخرطوم والتي لا تزال مستمرة، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها إلى ثلاثة أضعاف، فضلا عن انعدامها في الأسواق المحلية ولجوء الكثيرين إلى الاستيراد من دول الجوار بالعملات الأجنبية.

ويقول إن الحرب أسهمت في تفاقم أوضاع قطاع النقل خاصة الباصات، وخرجت على أثر ذلك 80% من الشركات عن الخدمة، فيما استمرار الوضع الحالي يلحق دمارا شاملا بالقطاع، ويتجه به إلى التوقف عن العمل بشكل كلي، على الرغم من دوره الاستراتيجي والخدمي وأهميته البالغة. الخبير الاقتصادي محمد الناير يقول لـ "العربي الجديد" إن هنالك عوامل كثيرة أدت إلى زيادة أسعار تذاكر السفر بين الولايات وحتى داخل الولاية الواحدة.

ويضيف أن التراجع في قيمة العملة الوطنية من أهم الأسباب التي أدت إلى زيادة التكاليف في قطاع النقل، خاصة بعد انعدام توفر المحروقات وقطع السيارات. ويشير إلى أن كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى ارتفاع تكلفة النقل بسبب الحرب.

ويشرح أنه يجب أن تكون هنالك مراعاة من قبل القائمين على قطاع النقل لظروف المواطن المعروفة، بالإضافة إلى إحداث التوازن بين تغطية التكاليف وتحقيق هامش ربح معقول، خاصة أن قطاع النقل يعاني من مشاكل أهمها رداءة الطرق.