الجفاف يشعل أسعار الأعلاف في تونس... الجوع يهدد الماشية

25 ابريل 2023
صغار المربين يشكلون أكثر من 80% من أصحاب مزارع الماشية (Getty)
+ الخط -

يدفع الجفاف ونقص المراعي الطبيعية أسعار الأعلاف نحو مستويات غير مسبوقة في تونس، بينما تغيب الحلول البديلة لتعويض مربي المواشي الذين يواجهون نقص الغذاء الحيواني وضغوط المحتكرين.

وتسبب نقص الأمطار هذا العام في ارتفاع قياسي في سعر الأعلاف المتأتية من الحبوب، التي يعتمد عليها المربون بنسبة لا تقل عن 50% في تغذية الأبقار المدرة للحليب والمنتجة للحوم الحمراء. ولأول مرة يتراوح سعر ما يعرف بـ "بالة التبن" بين 14 و20 ديناراً (الدولار= 3.13 دنانير).

ويقول عضو منظمة المزارعين المكلف بالزراعات الكبرى محمد رجايبية لـ"العربي الجديد" إن بلوغ أسعار الأعلاف مستويات قياسية أمر متوقع بسبب ندرة المرعى وتأثير الجفاف على مساحات الحبوب. ويضيف رجايبية أن سوق الأعلاف حرة يحددها العرض والطلب.

ولفت إلى أن فقدان أكثر من 75% من مساحات الحبوب وما تنتجه من أعلاف التبن والقرط تسبب في طلب كبير للتزود بما يعرف بالأعلاف الخشنة (الجافة).

ويرجح مواصلة الأسعار الصعود خلال الأشهر القادمة بسبب نقص المياه وغياب الاستراتيجيات الحكومية لتوفير المعروض من الأعلاف المستوردة، مضيفاً: "ما يحصل في السوق هو انعكاس لأزمة تتواصل منذ سنوات تسببت في خسارة أكثر من ربع قطيع الماشية، حيث يضطر المربون لبيع قطعانهم هرباً من جحيم أسعار العلف".

ويبلغ معدل مساحات الزراعات العلفية والرعوية في تونس قرابة 330 ألف هكتار (الهكتار يعادل 10 آلاف متر مربع) تساهم بحوالي 30% من تغطية احتياجات مربي المواشي. وأمام تفاقم أزمة الأعلاف، يضطر المربون إلى التفريط في قطعانهم دون سعر الكلفة أو عرضها للبيع على المسالك الحدودية الغربية والجنوبية للتخلص من ثقل كلفتها.

وتسيطر شركات كبرى على بيع العلف المستورد والمصنّع محلياً والمكون أساساً من "الصويا" و"الذرة "، إذ تستحوذ بالأساس هذه الشركات على نحو 80% من أنشطة إنتاج اللحوم الحمراء والبيضاء، ما يمنحها الصفة التفضيلية في التحكم في الأسعار فضلاً عن استفادتها من التكلفة المنخفضة لإنتاج اللحوم عبر احتكارها للأعلاف.

وتعاني تونس منذ سنوات من أزمة في الأعلاف ومشكلة توزيعها إضافة إلى ارتفاع كلفتها وتفشي الاحتكار وظهور سوق سوداء لتجارتها قبل أن تتصاعد الأزمة والغلاء هذا العام بسبب الجفاف. وعلى امتداد السنوات الماضية نفذ مربو المواشي والمزارعون في محافظات عديدة وقفات احتجاجية أمام مقرات السلطة المحلية للمطالبة بـ"عدالة" توزيع الأعلاف وزيادة حصص مادة السداري (نوع من الأعلاف) التي تدعمها الدولة.

وتشرف الدولة عبر ديوان الحبوب الحكومي على توزيع مادة السداري المدعومة، لكن توزيع هذه المادة يعرف فساداً كبيراً في غياب المراقبة على توزيع الحصص، وفق تقارير رسمية، إذ أكدت هيئة مكافحة الفساد في أكثر من مناسبة وجود شبهات تلاعب واضحة في مادة "السداري" المدعم، متهمة مسؤولين في جهات محلية ومشرفين على توزيع الحصص على المربين بالتورط في عمليات التلاعب هذه.

ويخشى المهنيون في تونس من آثار وخيمة لأزمة الأعلاف على قطعان الماشية، مطالبين بالتدخل الرسمي لإعادة حوكمة السوق والحد من تأُثيرات الجفاف على صغار المربين الذين يشكلون أكثر من 80% من الفئة المشتغلة في هذا القطاع. ويقدّر قطيع الماشية في تونس بنحو 5.4 ملايين رأس من أنثى الأغنام والماعز والأبقار بحسب بيانات رسمية لوزارة الزراعة بينما تقول منظمة المزارعين إن القطيع تراجع بنسبة تفوق 30% خلال العامين الماضيين.

وفي 2022، سجل قطيع الأبقار تراجعاً حاداً، ليبلغ نحو 445 ألف رأس بعد أن كان في حدود 685 ألفاً في 2016، فيما سجل قطيع الأغنام والماعز هو الآخر تراجعاً كبيراً بين سنتي 2018 و2022 بنحو 1.7 مليون رأس ليبلغ حوالي 5 ملايين رأس بعد أن كان 6.7 ملايين رأس في 2018 وفق بيانات رسمية لمعهد الإحصاء الحكومي.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويقول رئيس نقابة مخصبي الأبقار، وهيب الكعبي، إن الأعلاف في السوق المحلية ليست بعيدة عن تأثيرات أزمة الحبوب العالمية التي فاقمتها الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ نهاية فبراير/ شباط من العام الماضي.

وأشار إلى أن تونس لم تعوّل على إمكانياتها الذاتية في تطوير إنتاج أصناف من الأعلاف مقاومة للجفاف، بينما جرى التركيز على الأعلاف المتكونة من الذرة والصويا التي يتم توريدها بالعملة الصعبة، والتي تتأثر أسعارها بالبوصة العالمية.

ويضيف الكعبي لـ"العربي الجديد" أن " كل المؤشرات تؤكد أننا ماضون نحو مزيد من الزيادة في الأسعار" لافتاً إلى أنّ التغذية الحيوانية تمثل تقريباً 70% من كلفة الإنتاج سواء بالنسبة للتر الحليب أو الكيلوغرام من اللحوم، وبالتالي فإنّ كلّ زيادة في سعر الأعلاف الحيوانية تنعكس سلباً على كلفة الإنتاج، وتتطلب في المقابل زيادة في سعر الحليب واللحوم حتى لا يتضرر المربي.

ويرى خبراء اقتصاد أن أزمة الأعلاف وتراجع المساحات المخصصة لحاصلاتها، سينتهي بالبلاد إلى أزمة في قطاع اللحوم، ما سيضطرها إلى الاستيراد من الأسواق الأجنبية، معتبرين أنّ المحافظة على الاكتفاء الذاتي الذي حققته تونس في هذا المجال طيلة السنوات الماضية، مكسب وطني يتعيّن الحفاظ عليه وتنميته.

المساهمون