تتصاعد المواقف الرافضة لبنود موازنة تونس للعام القادم، وسط تهديد الاتحاد العام التونسي للشغل باللجوء إلى الشارع من أجل الدفاع عن لقمة عيش التونسيين ومنع تنفيذ خطة رفع الدعم والزيادة في الضرائب.
ورغم التحذيرات السابقة من مخاطر زيادة الضغط الضريبي وتقليص الدعم على السلم الاجتماعي مضت حكومة نجلاء بودن في تنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي، التي تواجه انتقادات حادة من قبل الشارع والمختصين بالشأن الاقتصادي.
وفي أول ردة فعل رسمية على قانون الموازنة قال الأمين العام لاتحاد الشغل التونسي نور الدين الطبوبي، أمس الأول الإثنين، إن منظمته لن تتردد في تنظيم احتجاجات حاشدة واحتلال الشارع قريبا رفضا لموازنة التقشف للعام القادم.
ولوّح الأمين العام للمنظمة النقابية الأكثر تمثيلا باللجوء إلى كل وسائل الدفاع المتاحة من أجل حماية مصالح التونسيين، بحسب قوله.
كذلك أصدرت الندوة الوطنية للفروع الجهوية للمحامين بيانا شديد اللهجة عبرت فيه عن رفضها القاطع لمخرجات مرسوم المالية لسنة 2023، محمّلة السلطة القائمة كامل المسؤولية المترتبة عن تداعياته السلبية على المقدرة الشرائية للمواطنين.
وقال البيان الصادر الأحد إن قانون الموازنة يفتقر لرؤية استراتيجية للنهوض الاقتصادي ويعمّق التداين الخارجي وارتهان استقلالية القرار الوطني ويحدّ من حق المواطنين في النفاذ للعدالة.
والاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يضم في عضويته أكثر من مليون عضو، قادر على تعطيل العجلة الاقتصادية بالإضرابات في قطاعات حيوية من أهمها النقل الذي تسيطر فيها النقابات القطاعية على أهم مؤسسات النقل الحكومية برا وبحرا وجوا.
ويرجح الخبير المكلف بمخبر الدراسات الاقتصادية لدى الاتحاد العام التونسي للشغل عبد الرحمان اللاحقة أن تتهاوى القدرة الشرائية للتونسيين بنحو 30 بالمائة العام القادم، مدفوعة بارتفاع نسبة التضخم والزيادات المرتقبة في كل المواد الأساسية.
وقال اللاحقة في تصريح لـ"العربي الجديد": "خسر التونسيون خلال سنة 2022 أكثر من 20 بالمائة من القدرة الشرائية وسيخسرون 10 بالمائة إضافية عام 2023 مع بدء تنفيذ ما يسمى بالإصلاحات الاقتصادية".
وأشار المتحدث إلى أن الحكومة لا تريد تنفيذ إصلاحات تشمل مسالك التوزيع وقانون التجارة بما يساهم في خفض الأسعار. في المقابل، تهرب نحو الضغوط الجبائية التي تعرقل حركة النمو الاقتصادي وتزيد من تفقير المواطنين والمنتجين في قطاعات حيوية تؤمن الغذاء.
واعتبر اللاحقة أن الحكومة بقراراتها الجديدة تريد دفع التونسيين نحو الاكتفاء بحقوقهم الدنيا، وهي الأكل والشرب فقط نتيجة عدم قدرتهم على مجابهة أي مصاريف أخرى أو التمتع بحقوق مكفولة في الدستور من بينها حق السكن.
وأكد الخبير الاقتصادي في سياق متصل أن اتحاد الشغل قدم مقترحات لتعبئة مواد مالية والتخفيض من اللجوء إلى الاقتراض الخارجي، غير أنها تعتمد حلولا سريعة تزيد من المديونية العامة للبلاد وتكثف الضغط الجبائي وترهق جيوب المواطنين.
والإثنين، بشّر وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيّد التونسيين في مؤتمر صحافي بسنة صعبة، مؤكدا أن التضخم سيرتفع إلى حدود 10.5 بالمائة.
كما سترفع تونس الضرائب على شاغلي عدد من الوظائف مثل المحامين والمهندسين والمحاسبين من 13 بالمائة إلى 19 بالمائة.
في المقابل، قالت وزيرة المالية سهام بوغديري نمصية، خلال ذات المؤتمر، إن قانون الموازنة يسعى للمحافظة على التوازنات المالية، خاصة أنّ الدولة لديها تعهدات داخلية من أهمها رواتب الموظفين والاستثمارات العامة، وهو ما يتطلّب تعبئة موارد ضريبية.
الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يضم في عضويته أكثر من مليون عضو، قادر على تعطيل العجلة الاقتصادية بالإضرابات في قطاعات حيوية
ومنذ أشهر برزت داخل الأحياء الشعبية التونسية بوادر تشكّل كتلة غضب تتمثل في احتجاج المواطنين أمام الدوائر الرسمية، مطالبين بتحسين وضعهم المعيشي وتوفير الخدمات الأساسية ومنها النقل والتعليم والصحة.
وحذّر نشطاء مدنيون وخبراء اقتصاد من مخاطر تنامي الغضب الشعبي وعواقب نزول التونسيين إلى الشوارع مع بداية العام القادم.
ورجح وزير التجارة السابق والخبير المالي محسن حسن أن تواجه السلطة هزات اجتماعية، إذا لم تتمكن الحكومة من الحد من تداعيات الإجراءات الموجعة التي تضمنها قانون الموازنة. ووصف حسن في تصريح لـ"العربي الجديد" الضغط الجبائي المسلط على الأفراد والمؤسسات بـ"المهول"، منتقدا زيادة جباية الضريبة على القيمة المضافة على المهن الحرة من 13 إلى 19 بالمائة.
وأضاف أن كل زيادة في الضرائب سيتحملها المواطنون سواء بزيادة في أسعار المنتجات أو الخدمات، وستؤدي إلى تراجع الدخل الصافي للأفراد وبالتالي تراجع مقدرتهم الشرائية.
وتوصلت تونس إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي من أجل حزمة إنقاذ تبلغ قيمتها 1.9 مليار دولار مقابل إصلاحات لا تحظى بتأييد شعبي، منها خفض دعم الغذاء والوقود وإصلاح شركات القطاع العام.