التمييز الاجتماعي وسوق العمل في ظل كورونا

14 يناير 2021
منظمات خيرية توزع الوجبات على الفقراء في القاهرة (Getty)
+ الخط -
اتخذت مصر، ضمن الاستجابات العالمية لجائحة كورونا، برنامجا اقتصاديا شمل تخصيص 100 مليار جنيه، خلال مارس/آذار الماضي. وتلا ذلك الاقتراض من هيئات دولية، منها صندوق النقد والبنك الدوليين، بجانب تعزيز التعاون مع هيئات المجتمع المدني، وفرض ضريبة على العاملين بأجر قيمتها 1 بالمائة.
لكن ورغم هذه المساعي، شكلت السياسات الاقتصادية انعكاسا لواقع الانحياز الطبقي، ومسرحا لمجموعات المصالح لتعويض خسائرهم.ويشكل واقع التمييز الاجتماعي والتفاوت الطبقي مع ارتفاع معدلات الفقر، أحد التحديات الأخطر في ظل جائحة كورونا.
فهو بجانب أنه يعمق مستويات الظلم الاجتماعي، يحد أيضا من إمكانات مواجهة الوباء، وترتبط خطورته في الظرف الراهن على قضايا الصحة والمرض للمجتمع ككل، وعمقت السياسات الاقتصادية التي من المفترض أن تعالج الأزمة، أوجه التمييز الطبقي.
ويرجع ذلك في جانب منه إلى مكونات السلطة وعلاقاتها بالطبقات الاجتماعية، التي تحاول بدورها أن تصب السياسات والقرارات الحكومية في تحقيق مصالحها، وفي هذا السياق، تحليل لبعض آثار السياسات الاقتصادية طبقيا، وتأثيراتها على سوق العمل ومجتمع الأعمال.
أولا: الإجراءات الاقتصادية للحد من آثار كورونا اقتصادياً
انطلق الخطاب الرسمي للمجموعة الوزارية الاقتصادية، مؤكدا على أن إجراءات مواجهة الأزمة تستهدف كافة الفئات والقطاعات الاجتماعية، وتركز على القطاعات المتضررة. لكن تأمل ما طبق، يكشف انحيازيات السياسة الاقتصادية طبقيا وقطاعيا، غير خلل في الأولويات.
ففي الوقت الذي من المفترض أن يوجه جزء مناسب من مخصصات (100 مليار جنيه) لهدف الحماية الاجتماعية للأكثر احتياجا في سوق العمل، ومن بينهم ذوو الدخول المنخفضة، والعمالة غير المنتظمة، وجهت مساعدات مالية كبيرة لقطاع النقل والطيران والسياحة، ضمن دعم مجتمع الأعمال، بالإضافة إلى إعفاءات ضريبية وامتيازات اقتصادية، وإن كان الهدف المعلن تنشيط السوق والحفاظ على نسب التشغيل (السياسات الاقتصادية والمالية) فإن الحكومة لم تشترط مقابل المساعدات تعهد الشركات بالحفاظ على العمالة.
وشهدت شركات في القطاع الخاص حالات تسريح وتخفيضا للأجور. وبهذا، عوّض مستثمرون جزءا من أرباحهم من موازنة الدولة، وخسر في الوقت نفسه عمال وظائفهم، كما تلقى رجال أعمال مساعدات حكومية شملت تخفيض أسعار الغاز والكهرباء للقطاع الصناعي بتكلفة بلغت 10 مليارات، غير إعفاء من الضريبة العقارية للمنشآت، وحصل المصدرون على 28 مليارا ضمن متأخرات لهم.
وبالمقارنة بحجم المساعدات الموجه لقطاع العمالة غير المنتظمة (سياسات الحماية الاجتماعية) يظهر حجم التفاوت، وجهت الدولة حسب بيانات وزارة المالية 2.6 مليار جنيه خلال عام 2020 إلى 1.6 مليون عامل.
وطبقا لبيانات وزارة القوى العاملة، سجل أكثر من 6 ملايين عامل بياناتهم لصرف الإعانة، لكن الوزارة رأت عدم استحقاقهم، بينما هناك تقديرات غير رسمية حول عدد العمالة غير المنظمة تتجاوز ضعف هذا العدد. وهذا المشهد يظهر ضعف آليات الاستجابة للأزمة لقطاع ضخم من العاملين، فضلا عن أنهم من الفئات الأكثر تضررا.
وقياساً بإجراءات شهدتها بلدان أخرى، فإن حجم المساعدات التي قدمتها الحكومة لا تتناسب مع ضغوط الجائحة، ولا حجم الضرر. حسب تقرير لمنظمة العمل الدولية صدر نهاية إبريل 2020، قدمت تايلاند تحويلا نقديا قدره 153 دولارا أميركيا لثلاثة أشهر إلى 10 ملايين مزارع و16 مليون عامل لا يغطيهم برنامج الضمان الاجتماعي، وبالقياس بحجم سكان تايلاند (70 مليونا حسب بيانات 2019) مقارنة بحجم السكان في مصر (103 ملايين) وقوة العمل، يمكن معرفة الفوارق والتوجهات فيما يتعلق بسبل الحماية الاجتماعية في حالة الطوارئ، مع الأخذ في الاعتبار، تفاوت مستويات الفقر بين البلدين، يقارب مؤشر الفقر في تايلاند حسب بيانات البنك الدولي 10 بالمائة، مقابل 32 بالمائة في مصر.
بينما استعانت دول أخرى بقواعد بياناتها لتقديم المساعدات المباشرة، اعتمدت فيتنام (يبلغ عدد سكانها 96 مليونا) على البيانات الخاصة بالمرافق العامة لتقديم تحويلات نقدية للأسر التي يعمل أفرادها في القطاع غير الرسمي والعاملين لحسابهم، ذلك على الرغم من أن إجمالي الناتج المحلي لفيتنام يبلغ 261 مليارا، بينما في مصر 303 مليارات دولار (وفقا لبيانات 2019) أي أنه رغم انخفاض معدلات الناتج المحلي في فيتنام، إلا أنها حاولت إقرار مبادئ العدالة وتيسير وصول المساعدات إلى مستحقيها بشكل يحفظ كرامتهم.
وركزت ماليزيا على الدعم الموجه للمشروعات الصغيرة (يعمل بها أقل من 5 عاملين) بشكل أكبر من دعم رؤوس الأموال والشركات الضخمة. ورغم ارتفاع مخصصات مواجهة كورونا في مصر قياسا بالدول العربية، حيث تبلغ 12.3 بالمائة من الناتج المحلي، إلا أنه من المهم فهم أين ذهبت هذه المخصصات ومن استفاد منها، وكيف تم تقسيمها ما بين سياسات الحماية الاجتماعية والصحة ورؤوس الأموال والشركات الضخمة.
ثانيا: توزيع الأعباء الاقتصادية بين العمال ورجال الأعمال:
فرضت الحكومة المصرية ضريبة استثنائية على الدخل للمساهمة في أعباء مواجهة آثار كورونا، وهذه الضريبة على محدوديتها، إلا أنها لا تراعي الأوضاع الاجتماعية للعاملين بأجر، وانخفاض رواتبهم، التي غالبا لا تسد احتياجاتهم.
وحتى وقت قريب، كان الحد الأدنى للأجور أقل من ألفي جنيه، ومتوسط الأجور منخفضا نسبيا (4416 جنيها)، وكان الأولى هنا أن تفرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية.
لكن على العكس من ذلك، استمرت سياسات التمييز الاجتماعي، وغيبت قواعد العدالة الضريبية، وتناسب الضريبة مع الربح ومستوى الدخل. وليس أدل على ذلك من تخفيض الضرائب على أرباح البورصة بنسبة 50% كنموذج للانحياز لمجتمع الأعمال والمضاربات، بينما لم يحظ أصحاب المشروعات الصغيرة بنفس الامتيازات التي حصلت عليها الشركات الضخمة.
اقتصاد عربي
التحديثات الحية
رغم الإعلان المتكرر عن توجه الحكومة في خلق توازن بين الحفاظ على صحة المواطن واستمرار النشاط لاقتصادي، إلا أن الموجة الثانية لم تشهد إجراءات احترازية، من ضمنها إعادة تنظيم الأنشطة التجارية والإنتاجية، وفرض ساعات عمل وإغلاق محددة.
والإجراءان السابقان كانا ضمن تدابير سابقة خلال المرحلة الأولى لكورونا. لكن ضغوط رجال الأعمال ومطالبتهم بعودة عجلة الإنتاج والتشغيل الكامل، ومن دون أي إجراءات تقيد حركتهم، بالإضافة إلى تخوف الحكومة من آثار ارتفاع معدلات البطالة، سيد منطق الربح على حساب صحة المجتمع، وتراجعت ظروف وشروط العمل بشكل عام في ظل الجائحة.
وهذا يكشف علاقات التشابك بين مجتمع السياسة ومنفذي السياسات الحكومية وجماعات الضغط المقربة من السلطة (الغرف التجارية ووسائل الإعلام وغيرها) وكيف حققت رؤوس الأموال مكاسب، في ظل الأزمة عبر خطوات تكتيكية استباقية، ليس لتعزيز أرباحهم وحسب، ولكن لتلافي أن يتم تحميلهم جزءا من تبعات الأزمة.
عملياً، أصبح العاملون بأجر يدفعون ضرائب أعلى (ضريبة الدخل وضريبة كورونا) بينما حصل رجال الأعمال على امتيازات دعم للطاقة وقروض ميسرة واستثناء من الضريبة، ولم يغير المشهد دعوات انطلقت بداية يناير/كانون الثاني الجاري عن مساهمة رجال أعمال في صندوق تحيا مصر لمواجهة تداعيات كورونا، وربما تستخدم تلك كغيرها من دعوات كأداة ضغط طالما لم يتم تقنينها قانونيا، وتتخذ طابعا عموميا، وتطبق ضمن قواعد تناسب المساهمة أو الضريبة مع قدر الأرباح والثروة، وهي أبسط قواعد العدالة في توزيع أعباء الأزمة.
المساهمون