التغييرات البيئية تدمر زراعة العراق: تقليص المساحة وتهاوي المحاصيل

08 مارس 2024
الجفاف هاجم مساحات زراعية كبيرة (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

تسببت التحولات البيئية جراء الجفاف بتراجع المساحات المزروعة في العراق إلى النصف. وفي حين تبلغ المساحات الصالحة للزراعة حالياً 14 مليون دونم، لن يتمكن العراق من زراعة سوى أقل من ثلث هذه المساحة فقط ضمن الخطة الزراعية الشتوية، وفق ما تذكر تصريحات رسمية.

وزارة الموارد المائية أكدت في بيان سابق أنها اتفقت على زراعة 5.5 ملايين دونم للموسم الشتوي المقبل 2023 - 2024، وهي تساوي المساحة المزروعة في الموسم الزراعي الشتوي الماضي 2022 – 2023. وتشمل زراعة 1.5 مليون دونم على المياه السطحية و4 ملايين دونم على المياه الجوفية، إضافة إلى الاستمرار بتأمين المياه للاحتياجات الأخرى بالنسبة للاستخدامات المدنية والبيئية وسقي البساتين بمساحة 1.1 مليون دونم.

يؤكد متخصصون أن الجفاف بالإضافة إلى أنه أدى إلى فقدان كبير في المساحات الصالحة للزراعة، تسبب أيضاً في تداعيات كبيرة بالتنوع البيولوجي الذي تعتمد عليه بشكل كبير النباتات لكي تواصل نموها وتكاثرها والحفاظ على سلالتها بشكل سليم.

وفق ما ذكرت لجنة الزراعة النيابية في تصريح سابق، فإن الأراضي الصالحة للزراعة في العراق انخفضت من 80 إلى 14 مليون دونم فقط.
عدة أسباب وراء حصول الجفاف في العراق، بحسب ما يذكر لـ"العربي الجديد" المهندس الزراعي جاسم الحسن، الذي ينشط في مجال البيئة ضمن فرق محلية مهتمة بتطوير الزراعة.

من أبرز هذه الأسباب على حد قول الحسن هي نقص الأمطار إذ تتراجع بشكل مستمر وخطورة ذلك تتمثل في أن الزراعة بالعراق باتت تعتمد بشكل كبير على الأمطار، لتعزيز وفرة المياه الجوفية، بعد أن جفت العديد من الأنهر وانخفضت كميات المياه في نهري دجلة والفرات الواردة من المنبع بنسب عالية.

وأشار إلى أن أي نقص في كمية الأمطار أو توزيعها على مراحل معينة من الموسم الزراعي يمكن أن يؤدي إلى جفاف الأراضي وتأثير سلبي على المحاصيل.

يضيف الحسن أن من الأسباب الأخرى هي التغييرات المناخية التي تسببت بارتفاع كبير في درجات الحرارة، لكن السبب الأبرز للجفاف على حد قوله يتمثل بـ"سوء إدارة الدولة للمياه"، لافتاً إلى وجود "مشاكل في إدارة المياه، سواء من ناحية توجيه الموارد المائية بشكل فعال أو منع التصرفات غير المستدامة في استخدام المياه".

ومن أضرار الإدارة السيئة للمياه الأخرى بحسب الخبير الزراعي، هي "نقص البنية التحتية المتعلقة بالري الزراعي، مما يؤثر على القدرة على توفير المياه بشكل فعال للمزارعين".

ويرى ضرورة مسايرة التطورات الجارية في العالم بمجال الزراعة الحديثة ووسائل الري المتطورة وغير التقليدية، التي توفر كميات كبيرة من المياه التي تهدر للإرواء بطرق قديمة، وتسمح بري أضعاف المساحات التي تروى بالوقت الحالي، على حد قوله.

ويؤكد الحسن أيضاً أن سوء إدارة المياه كان وراء ظاهرة التصحر التي تتسع عاماً بعد آخر، مؤكداً أن "التصحر يسبب فقدان التربة الصالحة للزراعة".

علاوة على هذا كله والحديث للحسن فإن "العراق يعدّ بلد مصب وغالبية أنهاره منبعها تركيا وإيران، والبلدان الجاران عمدا إلى بناء سدود وتغيير مجرى الأنهر، ما أثر بشكل كبير على تدفق المياه إلى البلد".

المياه، سواء كانت تتمثل بالأنهار أو البحيرات والمستنقعات وغيرها، تساهم بشكل كبير في التنوّع البيولوجي الذي بدوره يساهم في تطوير الزراعة وتحسين التربة والنبات والمحاصيل الزراعية، وفق ما يؤكد الخبير البيئي عصام النعيمي لـ"العربي الجديد".

ويساعد التنوع البيولوجي على تلقيح النباتات، وتنقية المياه والهواء، وتكوين التربة، ومكافحة الآفات والأمراض، والتكيف مع التغيرات المناخية، بحسب النعيمي الذي يؤكد أن الحفاظ على التنوع البيولوجي في العراق أمر بالغ الأهمية للحفاظ على صحة النظم البيئية واستدامتها؛ حيث يحسن الإنتاجية الزراعية عن طريق تعزيز التلقيح الطبيعي وتحسين صحة التربة والحفاظ على التنوع الوراثي للمحاصيل والسلالات المحلية التقليدية، وتوازن النظم البيئية.

النعيمي يحذر من "مستقبل خطير يواجه الزراعة العراقية"، لافتاً إلى أن "الجفاف تسبب بفقدان كبير للتنوع البيولوجي الذي يساهم بالحفاظ على نوعية المحاصيل الزراعية وليس فقط كميتها".

مساحات شاسعة في محافظة ديالى شرقي العراق، تصل إلى ما يزيد عن 300 دونم (الدونم العراقي يعادل 2500 متر)، تعدّ من أفضل الأراضي الزراعية الخصبة التي كانت لعقود طويلة توفر دخلاً لعدد كبير من المزارعينـ باتت مهجورة منذ سنوات وتشققت تربتها نتيجة الجفاف.

أحد ملاك هذه الأرض، خالد عواد، الذي تحدث لـ"العربي الجديد" يقول إنه يملك 25 دونماً، ضمن الحقل الزراعي الواسع، الذي يعود لأقاربه.

أراضٍ قريبة أخرى ما زالت خضراء يقول عواد إنها لأفراد من أقاربه أيضاً، ولن تستمر خضراء إذا استمر الحال على ما هو عليه، مبيناً أن "الزراعة في العراق تعاني كثيراً بسبب الجفاف وهذه الأراضي كانت منتجة قبل سنوات لكنها أخذت تدريجياً تتحول إلى أرض غير منتجة بسبب الجفاف ولن يطول الوقت كثيراً حتى تنضم أراضٍ أخرى في منطقتنا إلى قائمة الأراضي غير المنتجة".

يعتقد عواد أن بإمكان الجهات الحكومية إيجاد حلول باعتماد مشاريع حديثة تدعم إدامة الزراعة في البلاد، على الرغم من ضعف واردات المياه وشحة الأمطار.

مسؤول في وزارة الزراعة العراقية أكد أن العراق يمكنه التغلب على مشكلة الجفاف حتى مع الخفض الكبير في تدفق المياه إلى الأنهار العراقية من قبل دول المنبع؛ وذلك من خلال استخدام أمثل لما هو متوفر من مياه الأنهر وإنشاء السدود في عدد من المحافظات، وإنشاء مشاريع لاستغلال مياه الأمطار والسيول في فصل الشتاء.

المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه قال لـ"العربي الجديد" إن "ما يقف حائلاً بين تنفيذ المشاريع الحقيقية التي تعيد الحياة للأراضي الزراعية مشكلة المحاصصة الطائفية والسياسية التي تعاني منها جميع مفاصل الدولة وتتسبب ليس فقط في تدهور الزراعة بل مختلف القطاعات".

وساد العرف أن يكون إسناد المناصب بجميع مفاصل الدولة وفقاً للمحاصصة المبنية على الطائفة الدينية والعرقية والسياسية، التي "من خلالها باتت المسؤوليات تناط بغير الكفوئين، ما تسبب بفساد كبير في منظومة الدولة"، بحسب المسؤول الذي يؤكد أن "تدهور الزراعة يصب في صالح تجارة استيراد المحاصيل والمنتجات الزراعية التي يحتكرها تجار مرتبطون بمنظومة الفساد، لذلك فإن أي عملية إصلاحية وعمل حقيقي لدعم الزراعة بالبلد سيواجه من قبل هذه المنظومة".

يؤكد المهندس الزراعي ياسين مهدي الذي تحدث لـ"العربي الجديد" أن تقلص النطاق الزراعي في العراق يعمق الخطر على التربة الزراعية التي بدورها تعمق الخطر على البيئة، مؤكداً أن "الزراعة والبيئة ترتبطان بعلاقة طردية إحداهما يحسن الأخرى كلما اتسع نطاق الأراضي المزروعة والعكس صحيح أيضاً".

يشير مهدي إلى أن "الأراضي الزراعية كلما أُهملت ولم تزرع كلما أصبح تأهيلها مكلفاً وصعباً، أما في حال الجفاف فإن صعوبة إعادة تأهيلها تتضاعف لكون أن الجفاف يساهم أيضاً في إنهاء حياة العديد من الكائنات الحية التي تساهم في تنشيط التربة".

المساهمون