التضخم يهدد الاقتصاد الأميركي

27 مايو 2022
رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي جيروم باول يؤدي القسم لدورة ثانية في الرئاسة (getty)
+ الخط -

أظهر محضر اجتماع بنك الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، الذي عقد في مطلع الشهر الحالي، وأُفرج عنه يوم الأربعاء، اتفاق معظم مسؤولي البنك على وجود حاجة لاتباع سياسة تقييدية، تشمل رفع معدل الفائدة على أموال البنك بنصف نقطة مئوية في كل من الاجتماعين المقبلين، من أجل منح صانعي السياسة النقدية بعض المرونة لتخفيف السياسات لاحقًا إذا لزم الأمر، قبل نهاية العام الحالي، من أجل تجنب دخول الاقتصاد في ركود.

وعاني الاقتصاد الأميركي خلال الشهور الأخيرة من ظاهرة غير مألوفة، حيث اجتمع معدل تضخم شديد الارتفاع، بالمقاييس الأميركية، ومعدل بطالة شديد الانخفاض، بالمقاييس الأميركية والعالمية، الأمر الذي زاد من صعوبة المهمة التي تقع على عاتق البنك الفيدرالي، وهي تحقيق ما يطلق عليه اسم الهبوط الآمن، أي القضاء على التضخم دون التسبب في حدوث ركود اقتصادي.
وبينما أظهرت بيانات الشهر الماضي استمرار تحليق التضخم السنوي الأميركي، مقاساً بمؤشر أسعار المستهلكين الأكثر تعبيراً عن التضخم وفقاً للبنك الفيدرالي، فوق مستوى 8%، أكدت وزارة العمل قبل ثلاثة أسابيع بقاء معدل البطالة بالقرب من أدنى مستوياته في أكثر من نصف قرن، مسجلاً 3.6%، هو الأقل منذ شهر فبراير/ شباط من عام 2020، الذي شهد بداية انتشار فيروس كوفيد 19 في الأراضي الأميركية، وفرض إغلاق الشركات وتسريح ملايين الموظفين في محاولة، ثبت فشلها في ما بعد، للحد من انتشاره.
وفي أغلب الأحوال، يتعامل المحللون الاقتصاديون مع معدلات البطالة المنخفضة على أنها ظاهرة إيجابية لأي اقتصاد، إلا أن معدل التضخم المرتفع حالياً في الولايات المتحدة ينذر بتداعيات سلبية على الاقتصاد إذا تسبب انخفاض معدل البطالة في تسابق الشركات على تعيين العمالة بأجور مرتفعة، حيث يؤدي ذلك إلى حدوث ارتفاعات جديدة في تكاليف الإنتاج، ويتسبب في مزيد من الضغوط التضخمية.
ومع توجه الفيدرالي خلال الشهور الأخيرة نحو رفع سعر الفائدة، واتباع المزيد من السياسات التقييدية، تكون النتيجة في أغلب الحالات انكماش الاقتصاد، ومن ثم ارتفاع نسبة البطالة.
ولا يعدّ السيناريو الاقتصادي الحالي مألوفاً على الأراضي الأميركية، حيث لم يحدث أن اجتمع على الاقتصاد الأميركي منذ عام 1951 معدل تضخم فوق 8% ومعدل بطالة أقل من 4% في الوقت نفسه.

ومع استمرار تأزم الموقف غير المعهود في الاقتصاد الأميركي، أكد العديد من الاقتصاديين، بمن فيهم الاقتصادي المصري الأميركي محمد العريان، والرئيس التنفيذي لبنك "جي بي مورغان تشيس"، وهو أكبر البنوك الأميركية، جيمي دايمون، والرئيس التنفيذي لشركة برشينج سكوير كابيتال وبيل أكمان، أن البنك الفيدرالي تأخر كثيراً في رفع منحنى العائد على الدولار، وأنه يتعين عليه في الفترة المقبلة التصرف بشكل أكثر قوة، من أجل منع التضخم المتفجر من الخروج عن السيطرة.
ومطلع الأسبوع الحالي، تناولت وسائل الإعلام بعض الكلمات التي قالها لورانس سومرز، وزير الخزانة الأميركي السابق، والتي جاء فيها أنه "في كل مرة ارتفع فيها معدل التضخم فوق 4%، وكان معدل البطالة أقل من 5% خلال 75 عاماً مضت، وقع الاقتصاد الأميركي في براثن الركود خلال فترة لا تتجاوز العامين".
ومع تحقق المفارقة التاريخية خلال الفترة من شهر سبتمبر/ أيلول الماضي وحتى الآن، لا يبدو البنك الفيدرالي مهيأ لتجنب ركود الاقتصاد في خضم محاربته للتضخم، الأمر الذي دفع رئيسه جيروم باول في أحد الحوارات الصحافية الحديثة لتأكيد أنه "لا يعد بتحقيق هبوط آمن ينخفض فيه معدل التضخم إلى 2% بينما تبقى سوق العمل على قوتها الحالية".
وفي مقال حديث لها، أكدت ليزلي ليبشيتز، المسؤولة السابقة بمعهد صندوق النقد الدولي لتنمية القدرات، أن رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي وزملاءه في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة "يحاولون تعديل السياسة النقدية في مهمة تشبه في صعوبتها عبور شلالات نياغارا على حبل مشدود"، مشددة على "ضرورة قيام من يراهنون على نجاحهم بفحص المؤشرات للمستقبل القريب بأفضل طريقة ممكنة".
وفي تحليلها للعوامل المتسببة في ارتفاع معدل التضخم خلال الأشهر الأخيرة في الولايات المتحدة، أشارت ليبشيتز إلى أن "السياسات التي تخلق تحفيزًا كبيرًا للطلب في اقتصاد قريب بالفعل من الإمكانات الكاملة لا بد أن تؤدي إلى زيادة التضخم بدلاً من الناتج"، مؤكدةً تسبب صدمة كوفيد في تقييد قدرة العرض بقدر ما تسببت في تقييد الطلب، قبل أن تأتي الحرب في أوكرانيا أخيراً لتجهز على إمكانات الإنتاج المحتملة في العديد من قطاعات الاقتصاد.
وعلى هذا الأساس، خلصت ليبشيتز إلى أن "السياسة المالية استنزفت بقدر كبير خلال الفترة الماضية، فأصبحت قدراتها الاحتياطية قليلة للغاية، وهو ما ألقى بالمزيد من القيود على العرض في الاقتصاد الأميركي"، وأضافت: "تجاوزت السياسة النقدية في الشهور الأخيرة مجرد تحويل هذا الإسراف المالي إلى نقود، لتزيد من اشتعال التضخم في أسعار الأصول، وانهيار عوائد السندات، وتخفيض معامل المخاطر"، مشيرة إلى أن هذه هي أسباب الوقوع في المأزق الحالي، الذي يتميز بارتفاع التضخم، وانخفاض النمو، وتدهور أسعار الأصول المالية.

المساهمون