البنك المركزي السوري يفاقم خسائر الليرة.. وارتفاع الأسعار يزيد الفقر

04 مايو 2023
هبوط مستمر في سعر الليرة (Getty)
+ الخط -

ساهم مصرف سورية المركزي، برأي اقتصاديين، في تسارع تراجع سعر صرف الليرة السورية من خلال تعديل السعر المستمر، الأمر الذي زاد من فقدان الثقة بالعملة السورية لتسجل، اليوم الخميس، أدنى سعر على الإطلاق بعد أن تجاوز سعر صرف الدولار في دمشق 8500 ليرة، وتجاوز 9 آلاف ليرة في المناطق المحررة، شمال غربي إدلب، بحسب تصريح صاحب شركة الصرافة عبد القادر درويش لـ"العربي الجديد".

وبدأ مصرف سورية المركزي منذ مطلع العام الجاري التخلي عن التسعير المثبت، أو دعم الليرة، عبر جلسات تدخل مباشرة يبيع خلالها الدولار عبر شركات الصيرفة، بل لحق أسعار السوق، كما يقول المراقبون، ليتخلى عن دوره ويسعّر الليرة بحسب تقلبات أسعار السوق السوداء بذريعة كسب التحويلات الخارجية المقدرة بنحو 5 ملايين دولار يومياً، والتي كانت تذهب إلى أسواق الدول المجاورة وتعود بالليرة إلى السوق الداخلية.

وعدّل مصرف سورية المركزي، مطلع عام 2023، سعر صرف الدولار خلال النشرات الخاصة بالحوالات، رافعاً بتاريخ 2-1-2023 سعر صرف الدولار بنسبة 50% من 3015 إلى 4522 ليرة، ليتبعه بنشرة 2-2-2023 بتعديل ثان رافعاً سعر تصريف الدولار بنسبة 47% من 4522 إلى 6650 ليرة، بيد أن تلك التعديلات لم تجذب الحوالات الخارجية وأبقت على الخلل بين السعر الرسمي وأسعار السوق، ما دفع المصرف المركزي، الخميس الفائت، إلى رفع ثالث لسعر الدولار من 6650 إلى 7500 ليرة.

ويرى الاقتصادي السوري حسين جميل أن هذا "التعويم المتدرج" مضر بالعملة السورية وبأسعار السوق والمستهلكين، لأنه يدلل على عجز المصرف المركزي عن ضبط السعر وحماية الليرة، ولو عبر طرائق تقليدية سواء برفع سعر الفائدة أو بيع الدولار بالسوق.

ويضيف جميل لـ"العربي الجديد" أن أخذ المصرف المركزي دور المضارب أفقد ثقة السوريين بعملتهم، خاصة بعد عدم الاستجابة لأسعار المركزي، بل رأينا التسابق شديداً، فكلما اعترف المركزي بسعر جديد، يهوي سعر السوق، بدليل اقتراب الدولار اليوم من 8500 ليرة، وهو أدنى بألف ليرة من سعر دولار الحوالات والمصارف الخاصة.

ويشير الاقتصادي السوري إلى أن للتداعيات السياسية الدور الأبرز بتهاوي سعر صرف الليرة، فغياب الحلول السياسية واستمرار الضغط الأمني وابتزاز التجار عبر الاستيراد والإتاوات، زادت من فقدان الثقة، معتبراً، في الوقت ذاته، أن لعرج الميزان التجاري واستنزاف ما تبقى من عملات أجنبية في استيراد المحروقات والحبوب ومستلزمات الإنتاج الصناعي أسباباً إضافية مهمة بتراجع سعر صرف الليرة السورية.

وقدر مركز "قاسيون" في دمشق، اليوم الخميس، نسبة خسارة الليرة السورية أمام الدوﻻر بنحو 109.78% منذ بداية العام، مستنداً إلى نشرات الصرف الصادرة عن مصرف سورية المركزي. وأن تتالي صدور النشرات التي تحمل مزيداً من التراجع في قيمة الليرة، وصولاً إلى انخفاض قيمتها بالنسبة الكبيرة، يتبين أنه لم تتحقق الغايات المعلنة من المصرف المركزي، لا على مستوى التوازن ولا على مستوى الاستقرار ولا على مستوى تقريب الفجوة، ولا على مستوى قطع الطريق على المضاربين.

ويشير المركز خلال تقرير إلى أن الانعكاسات السلبية لخسارة قيمة الليرة أمام الدولار على المستوى الاقتصادي أصبحت أكبر من أن تحصى، لكن أهمها وأسوأها على الإطلاق هو انخفاض القيمة الشرائية لليرة بأثرها الكارثي على معيشة المواطنين وخدماتهم.

في المقابل، وفي ظل استمرار تهاوي سعر صرف الليرة وفقدان الثقة باستقرار سعرها، زاد إقبال السوريين على شراء الذهب كملاذ آمن من الخسائر التي يمنى بها المكتنزون بعملة تقترب من الانهيار.

يقول رئيس جمعية الصاغة في دمشق غسان جزماتي إن أسعار الذهب مرتبطة بسعر الأونصة عالمياً والتي بلغت اليوم 2017 دولاراً، مسجلة 30 دولاراً زيادة عن الأمس، ما ينعكس بشكل ملحوظ على أسعار الذهب محلياً بعلاقة طردية.

ورغم اعتراف جزماتي بزيادة مبيع الذهب محلياً "إقبال شديد رغم ارتفاع الأسعار"، فإن ذلك، وفق تصريحاته اليوم، لا يؤثر أبداً على مخزون المصرف المركزي من الذهب، موضحاً أن نسبة 65 بالمئة من عمليات الشراء تكون ليرات ذهبية وأونصات، وما تبقى تكون مشغولات وأغلبها عيار 21.

وارتفع سعر غرام الذهب بنحو 20 ألف ليرة خلال 24 ساعة، ليسجل سعر غرام الذهب من عيار 21 قيراطاً اليوم الخميس، في دمشق، 487 ألف ليرة، في حين تعدى سعر الغرام من عيار 22 قيراطاً نصف مليون ليرة لأول مرة بالسوق السورية، وسجل اليورو 9350 ليرة في أسواق دمشق.

ويلفت علي الشامي من دمشق إلى أن "الذهب لا يشغل السوريين بل يشغلهم الخبز وتأمين وجبة غذائهم" رغم أن الذهب المؤشر الأصدق على تهاوي سعر الصرف، لأن أكثر من 95% من السوريين تحولوا بواقع ارتفاع الأسعار إلى فقراء لا يستطيعون تأمين غذائهم واحتياجات حياتهم الأساسية.

ويضيف المحلل السوري عبر اتصال مع "العربي الجديد" أن الأجر الشهري للموظف السوري لم يعد يشتري كيلوغراماً لحماً أو ثلاثة كيلوغرامات جبنة، مؤكداً استمرار ارتفاع أسعار المنتجات الأساسية باضطراد نظراً لتهاوي سعر الليرة وربط الأسعار بالدولار على اعتبار أن معظم المواد الأولية مستوردة.

وحول ما يقال عن استغلال التجار تقلبات سعر الصرف ورفع الأسعار، يشير الشامي إلى أن التجار والصناعيين "يتكبدون بالمقابل خسائر"، فالركود وتراجع حركة الأسواق، بسبب ضعف القدرة الشرائية، يلحقان الخسائر بالتجار أيضاً، معتبراً أن "القصة حلقة متكاملة ودوام رأس المال أهم عامل استقرار للتجار"، لكن ارتفاع أسعار الطاقة وتوقعات تلف بعض المواد تدفع التجار لزيادة "نسبة أمان وتفادي خسائر"، فالجميع برأيه في سورية يعاني الخسائر والتجويع، لكن المستهلك ذا الدخل الثابت بنحو 100 ألف ليرة هو أتعس السوريين.

المساهمون