البريطانيون يتحولون للغذاء الأرخص... وأعباء السكن تتصاعد وسط التضخم

20 أكتوبر 2022
الغلاء يغير الأنماط الاستهلاكية للبريطانيين (فرانس برس)
+ الخط -

تتعمق أضرار التضخم المتصاعد في بريطانيا لتصل إلى حد تقليص الأسر الإنفاق على الغذاء، بينما لا تلوح في الأفق بوادر انفراجة، ما يضع البلاد في بؤرة اضطرابات مالية واجتماعية ويزيد من مأزق رئيسة الوزراء ليز تراس التي باتت مهددة بالرحيل.

وتسارع التضخم على أساس سنوي في سبتمبر/ أيلول الماضي إلى 10.1%، وفق بيانات صادرة، أمس الأربعاء، عن مكتب الإحصاءات الوطنية، ليسجل بذلك أعلى نسبة منذ أربعين عاماً في الدولة وكذلك بين دول مجموعة البلدان الصناعية السبع الكبرى.

وشكلت أسعار الغذاء والمشروبات غير الكحولية أكبر محفز لارتفاع التضخم، إذ زادت بنسبة 14.5%، وهي أكبر قفزة منذ إبريل/ نيسان 1980.

وستزيد هذه الأرقام من الصعوبات التي تواجهها رئيسة الوزراء ليز تراس التي تكافح من أجل بقائها السياسي بعد خطة اقتصادية كارثية أشعلت النار في الأسواق المالية وأجبرتها على إقالة وزير المالية كوارتنغ من منصبه يوم الجمعة الماضي، وإلغاء أجزاء من برنامجها الاقتصادي في محاولة للنجاة سياسياً بعد أقل من 40 يوماً من توليها المنصب.

مساعدة الفئات الأكثر هشاشة

ووضع التضخم الحالي سيصعب على جيريمي هانت، وزير المالية الجديد، الذي تولى منصبه قبل أقل من أسبوع، استعادة الاستقرار المالي بعد أن أدت الخطة الاقتصادية للحكومة إلى اضطراب الأسواق المالية خلال الشهر الماضي. وصرح هانت، أمس، بأن "الحكومة ستمنح الأولوية لمساعدة الفئات الأكثر هشاشة وضعفاً مع توفير استقرار اقتصادي أكبر".

وكانت تراس عينت هانت بعد الفشل الذريع في خطة ميزانيتها التي جمعت بين تخفيضات ضريبية شاملة ودعم هائل لفواتير الطاقة، والتي كان من المقرر تمويلها فقط من خلال تصاعد معدلات الديون.

وفاقمت الحرب الروسية في أوكرانيا من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة في جميع أنحاء العالم، مع تعطل شحنات النفط والحبوب وزيوت الطهي، ما تسبب في تزايد موجات ارتفاع الأسعار التي بدأت العام الماضي، حين كان الاقتصاد العالمي يتعافى للتو من جائحة فيروس كورونا.

وأجبر الغلاء المتواصل المتسوقين في بريطانيا على تبني استراتيجية جديدة في محاولة للحفاظ على قدراتهم الشرائية، عبر التحول إلى شراء السلع المجمدة طويلة الأمد الأقل كلفة وتقليص شراء السلع الطازجة، وفق ما نقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية عن مسؤولين في سلاسل تجارية كبرى.

وقال ريتشارد ووكر، العضو المنتدب في "أيسلندا فودز"، وهو متجر يبيع بأسعار رخيصة: "الأفراد مدركون تماماً للقيمة.. الأطعمة المجمدة أرخص، ويوجد إهدار أقل، والميزانيات ضيقة للغاية الآن". وارتفعت مبيعات الخضروات المجمّدة بنسبة 10% على أساس سنوي متجاوزة نسبة 6% من الخضروات الطازجة، وفقاً لبيانات من شركة التحليلات "كانتار".

وأشار فريزر ماكيفيت، رئيس قسم البيع بالتجزئة والاستهلاك في "كانتار"، إنه قد يكون هناك "مزيد من التوجه" نحو الأطعمة المجمدة في المستقبل، مضيفا: " يمكن للناس الشراء بكميات كبيرة دفعة واحدة ولا يحتاجون إلى التخلص من أي منها".

تغيير الأنماط الاستهلاكية

ويغير الغلاء من الأنماط الاستهلاكية للبريطانيين، الذين كانوا من الناحية التقليدية، لا يقبلون على شراء السلع المجمدة، على عكس المستهلكين في فرنسا حيث توفر سلسلة الأطعمة المجمدة "بيكار" المواد الغذائية.

في حال استمر هذا الاتجاه، فمن غير المرجح أن تزيد المتاجر الكبرى المساحة التي تخصصها للبضائع المجمدة. ولا يقتصر الأمر على جني الكثير من هوامش ربحها في البدائل المبردة، ولكن في الوقت الذي تتضخم فيه تكاليف الطاقة، فإن تشغيل المزيد من الثلاجات سيكون مكلفاً أيضا ما ينعكس لاحقا على أسعار السلع.

ولم تعد تداعيات التضخم تقتصر على تغيير أنماط الغذاء وإنما تطاول السكن أيضا. إذ أن القفزة الأخيرة في مؤشر أسعار المستهلكين تدعم التوقعات بأن بنك إنكلترا المركزي سيرفع أسعار الفائدة بشكل أكبر وأسرع، إذ يكافح لإعادة التضخم إلى الهدف المحدد له، وهو نسبة 2%، بينما سياسة رفع أسعار الفائدة تزيد في المقابل من أعباء الأسر في الإنفاق على بنود غالباً ما تكون إجبارية مثل قروض الرهن العقاري.

وتواصل تكاليف الرهن العقاري الارتفاع، حتى بعد إلغاء وزير المالية الجديد جيريمي هانت الخطة الاقتصادية المثيرة للجدل التي أدت إلى ارتفاع معدلات فائدة قروض الإسكان إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من عقد.

فقد قفز متوسط تكاليف القرض العقاري ذي الفائدة الثابتة لمدة عامين إلى 6.53%، يوم الثلاثاء الماضي، ليتجاوز بذلك أعلى مستوى في 14 عاماً والذي وصل إليه خلال الأسبوع الماضي، بحسب مجموعة "موني فاكتس غروب" المالية. وزاد متوسط سعر الصفقة ذات الفائدة الثابتة لخمسة أعوام إلى 6.36% بعد أن تجاوز حاجز الـ6% لأول مرة منذ عام 2008 قبل أسبوعين.

وفي ظل تجاوزه 6%، فإن الرهن العقاري ذا الفائدة الثابتة لمدة عامين سيكلف نحو 10 آلاف جنيه إسترليني (11309 دولارات) إضافية خلال المهلة المحددة مقارنة بنفس المنتج الصادر في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما كانت المعدلات تقدر بنحو 2.34%، بحسب بيانات "موني فاكتس" وهذا المثال يعتمد على رهن عقاري بقيمة 200 ألف جنيه إسترليني مقترض لمدة 25 عاماً.

وتنذر الضغوط المالية المتزايدة على الأسر باضطرابات اجتماعية، إذ تتزايد الإضرابات والتظاهرات المطالبة بزيادة الأجور وإيجاد حلول لكبح الغلاء. وأمس الأربعاء، أعلن الاتحاد الوطني لعمال السكك الحديدية والبحرية والنقل، عن إضرابات جديدة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، إثر خلافات مستمرة بشأن الأجور.

وكان الاتحاد رفض مقترح الشبكة المشغلة للسكك الحديدية زيادة الأجور 8%. وقال الاتحاد في بيان، إن شبكة السكك الحديدية "نكثت بوعودها بشأن تحسين عرض الأجور، وسعت إلى تقليل الوظائف وزيادة ساعات العمل".

المساهمون