- وزير الزراعة يوسف شرفة يؤكد على إحصاء الأراضي غير المستغلة وإسقاط حقوق المستفيدين الذين لم يستصلحوا الأراضي، في محاولة لمواجهة الاستحواذ غير العادل على أموال الدعم.
- الحكومة تدعم المزارعين المتضررين من الجفاف بتعويضات، توفير البذور والأسمدة مجاناً، وتأجيل دفع الإتاوات والقروض لثلاث سنوات مع تحمل الدولة لنسبة الفوائد لتخفيف الأعباء المالية.
تسعى الجزائر إلى إعادة تنظيم القطاع الفلاحي من خلال إقرار عدة إجراءات عاجلة قد تحرك عجلة القطاع الذي ظل عاجزا عن تخطي عتبة الـ10 في المائة كمساهمة في الناتج المحلي الخام الذي بلغ سنة 2023 قرابة 220 مليار دولار حسب الأرقام الرسمية، وسط شكاوى متواصلة من سيطرة البارونات من المتنفذين على الدعم المخصص للمزارعين.
ومن بين الخطوات الاستعجالية، قررت الحكومة الجزائرية إعادة رسم خريطة الأراضي الفلاحية التي لم تُستغل بعد، بالرغم من استفادة أصحابها من دعم الدولة، حيث كشف وزير الزراعة والتنمية الريفية الجزائري يوسف شرفة أن "الوزارة تقوم حاليا بإحصاء الأراضي الفلاحية والزراعية غير المستغلة عبر كامل التراب الجزائري"، مؤكدا أنه "سيتم إسقاط حقوق المستفيدين الذين لم يقوموا باستصلاح الأراضي التي استفادوا منها" .
وأضاف شرفة في رده على مساءلة برلمانية اطلعت عليها "العربي الجديد"، قائلا: "هناك عمل جار لإحصاء كل الأراضي غير المستغلة، وستتم دراستها حالة بحالة، والعملية انطلقت وسيتم اتخاذ قرار إسقاط حقوق المستفيدين الذين لم يقوموا بعملية الاستصلاح واسترجاع أراضيهم لمنحها من جديد لطالبين آخرين وفقا للقوانين المعمول بها".
وفي تعليقٍ على تصريحات وزير الفلاحة، اتهم الأمين العام لاتحاد المزارعين الجزائريين الأحرار قايد صالح، في حديث لـ"العربي الجديد"، "بارونات القطاع بالاستحواذ على أموال الدعم"، وقال قايد صالح إن "إعانات الدولة لا تجد طريقها إلى المزارعين البسطاء الذين يعانون من صعوبات كبيرة تجعل المواصلة في النشاط الزراعي مهمة صعبة، في ظل وجود الوسطاء الذين يعملون على صب أموال الدعم الزراعي في غير الوجهة التي أخرج من أجلها".
البارونات تسيطر على الدعم
وأكد المتحدث أن "البارونات" المعنيين معروفون، ويقومون بنشاطهم في ظل الممارسات المرتبطة بالرشوة والمحسوبية في توزيع أموال الدعم الزراعي، في غياب الرقابة الصارمة من طرف الجهات الوصية، وسط عدم فرض العقوبات المناسبة عليهم، مشيرا إلى أن "البعض من هؤلاء الوسطاء يعملون على استفادة أفراد من عائلاتهم وزوجاتهم من الأموال المخصصة لإعانة المزارعين".
ويتزامن إشهار الحكومة سيف الرقابة على قطاع الفلاحة مع تزايد نفور اليد العاملة من العمل في الحقول والمحاصيل، وهو ما خلق أزمة في قطاع تراهن عليه الحكومة كثيرا لإنعاش اقتصاد البلاد المتعثر والذي يحاول الخروج من مخلفات كورونا وأزمة النفط الممتدة بين 2014 و2021. من جانبه، أكد عبد اللطيف ديلمي، الأمين العام للاتحاد العام للفلاحين الجزائريين، أن "الاتحاد بادر عدة مرات بمطالبة الحكومة بفتح ملف الدعم الفلاحي وتتبع مسارات القروض الضخمة التي منحت لأشباه الفلاحين، ونحن مستعدون للعمل مع الحكومة لغربلة القطاع من الدخلاء ومنتحلي صفة الفلاحين".
وأضاف ديلمي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "السلطات استغلت سابقا الطفرة التي شهدتها عائدات النفط لشراء السلم الاجتماعي، وكان لقطاع الفلاحة حصة الأسد من خلال (قروض الدعم الفلاحي)، لكن للأسف مع الوقت اكتشفنا أن الوزراء ورجال الأعمال وبرلمانيين استفادوا من أموال الدولة، فيما بقي الفلاح الحقيقي يعاني وحده من نقص التمويل وغياب الاستثمارات وتغول المضاربين على القطاع، لذلك يحب أن تتوقف هذه الجريمة في حق أموال وقوت الجزائريين".
وحسب آخر الأرقام الصادرة عن الديوان الجزائري للإحصائيات، فإن قطاع الفلاحة يُشغل حالياً حوالي 1.2 مليون شخص، وهو ما يمثل 8.7 في المائة من اليد العاملة في البلاد، بعدما كان يُشغل 2.5 مليون عامل سنة 2013، منهم 1.9 مليون دائمون والباقي عمالة موسمية.
ويبلغ العجز الذي سجله قطاع الفلاحة في العام الماضي، حسب وزارة الفلاحة، حوالي 800 ألف من الأيدي العاملة، ما جعل أصحاب الأراضي والاستثمارات على وجه الخصوص في مواجهة أزمة حادة مع بداية كل موسم زراعي ونهايته، تحديدا عند غرس المحصول وجنيه.
وكانت الجزائر قد خصصت غلافا ماليا لامس 10 مليارات دولار لدعم المزارعين من خلال منحهم قروضا وإعانات مالية ومادية بالإضافة إلى قطعٍ زراعية ضمن ما سُميت بـ"عقود الامتياز"، إلا أن هذا البرنامج سرعان ما أثبت فشله بعدما بقيت الآلاف من المساحات الزراعية من دون استغلال حتى اليوم.
وأعلنت الحكومة الجزائرية في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي عن عدد من التدابير والإجراءات لفائدة المزارعين الذين مسهم الجفاف، تخص "تعويض الفلاحين عن إنتاج الحبوب المتضررة ودعمهم بالبذور والأسمدة مجانا"، وتأجيل دفع الإتاوة المستحقة على الأراضي الممنوحة بصيغة الامتياز، وتأجيل دفع القروض الفلاحية لمدة ثلاث سنوات مع تكفل الدولة بنسبة الفوائد".
جاء ذلك في أعقاب شكاوى المزارعين من تعرضهم لخسائر كبيرة نتيجة الجفاف خلال الموسم الزراعي المنقضي وحرائق الصيف والكوارث الطبيعية التي أتت على آلاف الهكتارات من الحقول والأشجار المثمرة، ومواجهتهم مصاعب مالية تعيقهم عن استئناف الزراعة في العام الحالي.