الاحتجاجات تخيف الحكومة الجزائرية: قانون لكبح الإضرابات

30 ديسمبر 2022
تدهور المعيشة أرض خصبة لزيادة الاحتجاجات الشعبية (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

تتجه الحكومة الجزائرية إلى فرض المزيد من الضوابط والخطوط الحمراء حول العمل النقابي، لكبح الحركات العمالية الاحتجاجية التي تتزايد مؤشرات اندلاعها مع تواصل غلاء المعيشة وارتفاع مستويات البطالة، وتفادي تكرار سيناريو "احتجاجات 2017" الذي سبق ورافق تعديل نظام التقاعد، وأدى إلى ميلاد تكتل نقابي مستقل عن الاتحاد العام للعمال الجزائريين الموالي للحكومة.

وحسب مشروع قانون العمل النقابي والوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها، الذي صادق عليه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون واطلعت عليه "العربي الجديد"، فإن "فكرة الحق في الإضراب كحق أساسي يمارس في ظل احترام حقوق جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك حقوق مرتادي المرافق العمومية الأساسية"، قصد وضع حد للاستعمال غير القانوني لهذا الحق وإبعاد عالم الشغل عما سمته الحكومة "دوامة الإضرابات العشوائية والمفاجئة التي لها عواقب ضارة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد".

وأكدت الوثيقة التي تتحفظ عليها النقابات، أن "ممارسة الإضراب يجب أن تكون متطابقة مع متطلبات المؤسسة واستمرارية الخدمة العمومية، بمجرد استنفاد وسائل تسوية النزاع الاتفاقية أو القانونية، ويترتب على ذلك أن أي توقف جماعي عن العمل لا ينطبق عليه التعريف سالف الذكر، يعتبر إضرابا غير قانوني".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويتابع مشروع القانون المنتظر عرضه على البرلمان شهر يناير/كانون الثاني 2023، أنه "يعد الإضراب غير قانوني إذا كان يهدف إلى تلبية مطالب سياسية لمدة غير محددة، أو له غرض أجنبي عن المصلحة المهنية للعمال، أو الذي تتم ممارسته من دون احترام للإجراءات القانونية والاتفاقية، أو إذا تبعته أعمال عنف واعتداءات وتهديدات ومناورات احتيالية بهدف المساس بحرية العمل، أو تحريض العمال الأجراء غير المضربين على الانضمام إلى توقف عن العمل متفق عليه".

من جانبه، قال النقابي حمو برنان لـ "العربي الجديد" إن "تكتل النقابي المستقل سيسمع صوته عبر رفع المقترحات إلى البرلمان، لأن الكثير من الشروط التي اقترحتها الحكومة تعجيزية، ولا يمكن قبولها بالوجه الذي جاءت به، العمل النقابي نضال مستمر، سنواصل نضالنا وسنسمع صوتنا بكل الطرق الممكنة".

وأضاف نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أن "الإضراب يعتبر من الحقوق العمالية الأساسية ولا يمكن تقويضه أو تكبيله بالقوانين، إلا بشرط التبليغ المسبق، الذي لا يجب أن يكون محددا بجملة من الشروط الإدارية التي تؤخره وتعطله، ويجب أن يبقى القضاء خارج النازعات العمالية، ولا يمكن إدخاله كطرف، رأينا قبل سنتين الإضراب الذي دخل فيه القضاة من دون إنذار مسبق، فهل هو حلال عليهم وحرام على العامل البسيط."

ويواجه العمال أوضاعاً معيشية خانقة في ظل أزمات اقتصادية ومالية تعاني منها البلاد وأدت إلى تهاوي الدينار وضعف القدرة الشرائية.

وحسب الديوان الجزائري (حكومي) بلغت نسبة التضخم 9.7% نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. كما فقد الدينار سنة 2022 قرابة 37% أمام الدولار والعملة الأوروبية الموحدة، الأمر الذي فاقم من معيشة المواطنين.

ووضعت وزارة العمل الجزائرية التي اقترحت القانون الجديد المنظم للعمل النقابي والوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها، شروطا جديدة للدخول في إضراب عن العمل، إذ تنص الشروط الجديدة على أن "قرار الإضراب يجب أن يُتخذ عن طريق التصويت السري، بالأغلبية المطلقة للعمال الحاضرين في جمعية عامة تضم ثلثي العمال الذين يتكون منهم العمال المعنيون على الأقل، على أن يثبت بمحضر قضائي وبحضور ممثلي المستخدم أو السلطة العمومية المختصة".

أما عن الإشعار المُسبق عن الإضراب من طرف العمال، فمضمونه يجب أن "يتضمن الإشعار، لاسيما اسم المنظمة النقابية التمثيلية أو ممثلي العمال المنتخبين في حالة عدم وجود تمثيل نقابي، وكذا لقب واسم وصفة عضو هيئة القيادة أو الإدارة للمنظمة النقابية التمثيلية أو ممثل العمال المنتخب الموقّع على الإشعار، ومدة الإضراب وسببه ومكانه وتاريخ الشروع فيه وتوقيته".

ودافعت وزارة العمل الجزائرية عن مشروع القانون المثير للجدل قائلة في باب "عرض الأسباب" إنه "يندرج في إطار تنفيذ توجيهات رئيس الجمهورية التي أسداها خلال اجتماعات مجلس الوزراء التي انعقدت في الثالث من يوليو/تموز الماضي والثالث والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث طلب تحديد مفهوم الإضراب في مجال العمل، وتحديد شروطه ومعاييره القانونية من خلال ضبط آليات أكثر مرونة للحوار الاجتماعي".

قال النقابي حمو برنان لـ "العربي الجديد" إن "تكتل النقابي المستقل سيسمع صوته عبر رفع المقترحات إلى البرلمان، لأن الكثير من الشروط التي اقترحتها الحكومة تعجيزية

وقالت الوزارة إن "المشروع يتضمن تدابير تشجع على التسوية السلمية للنزاعات الجماعية عبر تدعيم أنظمة المصالحة والوساطة والتحكيم، إضافة إلى تعزيز الثقة بين الشركاء الاجتماعيين وتحسين الظروف لصالح ورشة الإصلاح الاجتماعي الكبرى، مع مراعاة الانشغالات التي سجلها المجتمع وآثار النزاعات الجماعية للعمل المتعددة على الاقتصاد الوطني والسلم الاجتماعي".

وفي السياق، أكد النائب البرلماني عن جبهة التحرير الوطني صاحب الأغلبية، زهير ناصري لـ "العربي الجديد" أن "البرلمان سيناقش الوثيقة بكل مسؤولية وشفافية، وسيتم الاستماع لممثل الحكومة وأيضا للنقابات سواء اتحاد العمال أو النقابات المستقلة، للخروج بوثيقة تحمل أكبر قدر من التوافق، خدمة للمواطن الذي يعد في الأخير هو العامل والمنتفع من المرافق العمومية والفضاء العام في نفس الوقت".

وينص الإطار القانوني الجديد للحق النقابي، أنه "يعد باطلا وعديم الأثر، أي إشعار لمنظمة نقابية لم يتم إثبات وجودها القانوني أو تمثيليتها، ويبدأ الإشعار من تاريخ إيداعه لدى المستخدم ومفتشية العمل المختصة إقليميا".

ومما ورد في النص الجديد، أن "حق الإضراب لا يكفل حماية العمال الأجراء المشاركين في إضراب غير قانوني، كما يجب على العمال المضربين العودة للعمل في غضون 48 ساعة، ويتعرض العامل الذي لا يستأنف عمله في نهاية هذه الفترة، من دون سبب شرعي، لتطبيق الإجراءات التأديبية".

قالت الوزارة إن "المشروع يتضمن تدابير تشجع على التسوية السلمية للنزاعات الجماعية عبر تدعيم أنظمة المصالحة والوساطة والتحكيم"

وضيقت الوثيقة الحكومية من دائرة العمل النقابي، حيث كبلت الحكومة "اللجوء إلى الإضراب في ميادين الدفاع والأمن الوطنيين، وللمستخدمين الذين يمارسون وظائف السلطة باسم الدولة في القطاعات الاستراتيجية والحساسة السيادية وفي المصالح الأساسية ذات الأهمية الحيوية للأمة، والتي قد يؤدي توقفها إلى تعريض حياة المواطن أو سلامته أو صحته للخطر أو من المحتمل أن يؤدي الإضراب، على أن يحدد التنظيم قائمة القطاعات والمستخدمين والوظائف المعنية بمنع اللجوء إلى الإضراب".

كما حمل مشروع قانون العمل النقابي الجديد عقوبات في حالة مخالفة أحكامه، لا سيما عند "عدم احترام آجال الاجتماعات الدورية وخرق إجراءات تسوية النزاعات الجماعية، وعدم تنفيذ اتفاقات المصالحة والوساطة وأحكام التحكيم"، كما تم إدراج أحكام جزائية (قضائية) أخرى لمعاقبة التوقف الجماعي المخالف للأحكام القانونية، أو في حالة إتلاف أثناء الإضراب، لأي أغراض أو آلات أو مواد أو سلع أو واجهة أو أدوات تابعة للهيئة المستخدمة أو المصحوب بالعنف، أو الاعتداء على الأشخاص أو ضد الممتلكات أو في حالة مناورة احتيالية أو تهديد أو عنف، أو في حالة عدم تطبيق القدر الأدنى من الخدمة أو أمر التسخير.

وقررت الحكومة الجزائرية رفع الأجور في موازنة 2023 من أجل تخفيف حدة غضب العمال من تدهور معيشتهم، إلا أن النقابات المستقلة والموالية للحكومة أجمعت على أن الزيادات التي ستشهدها أجور العمال في القطاع العام، وإن كانت معتبرة، إلا أنها تبقى دون آمال الطبقة العمالية، داعية رئيس البلاد إلى التدخل، وإعادة النظر في سلم الأجور.

المساهمون