الإنفاق العسكري يلتهم إيرادات السودان: حرب يدفع ثمنها الفقراء

02 يونيو 2023
الأسر السودانية زادت أزماتها المعيشية بسبب الصراعات (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

كشفت حرب السودان عن آثار كارثية على مختلف القطاعات الاقتصادية والمعيشية، وفي ظل ذلك بات ملايين الفقراء في فوهة تداعيات الصراعات العسكرية المتواصلة منذ منتصف الشهر قبل الماضي، إذ انشغل الفرقاء بتوجيه الأموال والجهود نحو الحرب على حساب معيشة السودانيين ولا سيما الفقراء البالغ عددهم أكثر من 20 مليون مواطن، حسب البيانات الرسمية.

ونسبة كبيرة من إنفاق الدولة العام أصبح يذهب إلى المؤسسات العسكرية ليس خلال الاشتباكات الحالية فقط، ولكن طوال السنوات الأخيرة، ما فاقم من أزمات البلاد الاقتصادية والمعيشية.

وظلت وزارة المالية السودانية تصرف بسخاء من ميزانية الدولة على الجيش والأمن والدعم السريع، وفي المقابل اتخذت السلطات إجراءات قاسية بحق المواطنين لتخفيف الأزمة المالية الخانقة ومنها فرض وزارة المالية لجبايات وضرائب ورسوم عطّلت الإنتاج بعد توقف كثير من المصانع وتعثر الكثير من المشاريع التجارية والزراعية وغيرها.

يقول مراقبون لـ"العربي الجديد" إن الحرب كشفت المسكوت عنه، خاصة فيما يتعلق ببنود صرف الإيرادات العامة للدولة التي ظل يذهب أغلبها للمؤسسة العسكرية، مؤكدين أن سبب ضعف التنمية هو الصرف الكثير على الصراعات المسلحة، ما أدى إلى إفقار المواطين.

ضخامة الإنفاق العسكري

أكدت مصادر لـ"العربي الجديد" أن الصرف على الأمن والدفاع ظل يلتهم أكثر من 80 بالمائة من إيرادات السودان على مر الحكومات السابقة، ما أدى إلى تراجع مخصصات التنمية العامة وألقى بظلال سالبة على مجمل الأوضاع الاقتصادية.

وأوضحت المصادر، التي رفضت ذكر هويتها، أن هذا التوجه أدى إلى تدهور قطاعات اقتصادية عديدة ومنها الصناعة والزراعة، وسبب خللا في الميزان التجاري.

وحسب إحصائيات حديثة، فإن إيرادات موازنة 2019 المقدرة بـ 162.8 مليار جنيه، خصص 13 بالمائة منها للأمن والدفاع، وفى العام 2018 خصص 16 بالمائة من الموازنة العامة أي ما يعادل مبلغ 23 مليارا و888 مليون جنيه لقطاع الأمن والدفاع القومي من جملة الموازنة التي بلغت ايراداتها 117 مليار جنيه (الدولار = نحو 600 جنيه).

وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي السوداني يوسف سراج الدين، لـ"العربي الجديد" إن الأوضاع المعيشية السيئة التي ظل يعيشها الشعب سببها تزايد الصرف على الأمن والدفاع ما يعنى الاستعداد للحرب والتي دمرت في خاتمة المطاف المواطن الذى أجبر على دفع ثمن هذه الصراعات وفقا لسياسات غير رشيدة من قبل الحكومة، وهذا يعنى مزيدا من التشرد والفقر والبطالة.

وأضاف أن أحد أهم أسباب عمليات السلب والنهب خلال الحرب هو الفقر، مؤكدا أن هذه الأعمال والجرائم غريبة على المجتمع السوداني.

وتابع سراج الدين: كل هذه الإفرازات السالبة تتحمل نتيجتها الحكومة وقيادات الأطراف العسكرية المتصارعة التي أدخلت البلد في هذا النفق الضيق ويجب أن تحاسب عليه.

فقراء بالملايين

ظل السودان على مدى سنوات مضت يعاني من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة دون تدخل حكومي لتقليل حدته حتى جاءت الحرب لتدفع مزيداً من السودانيين نحو الفقر، حسب مراقبين لـ"العربي الجديد".

ووصلت نسبة الفقر إلى أرقام قياسية زادت بعد اندلاع الصراع العسكري في الخامس عشر من إبريل/ نيسان الماضي إثر توقف الكثير من الأنشطة الاقتصادية وتدمير المنشآت الحيوية، حسب خبراء اقتصاد، أكدوا أنها قد قفزت إلى أكثر من 80 بالمائة.

وأشاروا إلى تمركز نسبة كبيرة من السودانيين في الخرطوم حيث بلغ تعداد سكانها حوالي 15 مليون فرد من إجمالي السكان البالغ نحو 45 مليون مواطن.

وفي المقابل، ما زالت الحكومة تعتمد في إحصاءاتها الرسمية على نسبة فقر تبلغ نحو 46.5 بالمائة. واعتبر خبراء اقتصاد أن السياسات الحكومية خاطئة وأوصلت كثيرا من المواطنين إلى مرحلة معيشية صعبة يصعب تجاوزها في القريب العاجل.

المحلل الاقتصادي عبد الوهاب جمعة، يرى في حديثه لـ"العربي الجديد" أن جميع من فروا من الحرب في الخرطوم ومن تبقى منهم يعتبرون فقراء ويحتاجون إلى دعم لأنهم فقدوا أعمالهم ووظائفهم مجبرين.

وقال متحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ماثيو سولتمارش، يوم 19 مايو/ أيار الماضي، إن أكثر من مليون شخص نزحوا بسبب القتال الدائر في السودان.

وأضاف في إفادة صحافية في جنيف أن الرقم يشمل حوالي 843 ألف نازح في الداخل ونحو 250 ألفا فروا إلى خارج البلاد.

إفرازات الحرب

ومن جانبه، يقول الخبير الاستراتيجي بابكر توفيق، لـ"العربي الجديد" إن إفرازات الحرب الحالية تشكل خطرا جديدا على كل المستويات بدخول أكثر من 3 ملايين عامل يومي في دائرة الفقر إضافة إلى الذين تم تسريحهم من المصانع والشركات والمؤسسات الأخرى.

وأكد أن من أبرز تداعيات الحرب توقف الأعمال في الأسواق، ما يخلف مزيدا من العاطلين من العمل.

ويقول مواطنون لـ"العربي الجديد" إنه رغم المبادرات المجتمعية التي بدأت قبل أيام، إلا أن أغلب سكان الخرطوم أصبحوا يعانون من نفاد السلع الأساسية بسبب الحرب.

وبدأت أزمة الخرطوم المعيشية تنسحب تدريجيا على الولايات الأخرى والتي شهدت مستويات نزوح عالية خاصة ولايات الجزيرة والنيل الأبيض ونهر النيل وشمال كردفان التي شهدت ارتفاعات كبيرة في أسعار السلع وشح البعض الآخر.

يقول التاجر عيسى أحمد من ولاية الجزيرة لـ"العربي الجديد" إن آثار الحرب بدأت تظهر في الولاية بعد تعطل الإمداد المائي وحدوث انقطاعات في الكهرباء.

وفى شمال كردفان قال مواطنون لـ"العريي الجديد" إن أزمة الوقود خنقت المدينة في ظل تواصل حرب الخرطوم. وكانت مستويات التضخم تجاوزت 300% في أوقات سابقة، قبل أن تنخفض إلى 63 بالمائة في فبراير/ شباط المضي.

المساهمون