المتابع لمؤشرات الاقتصاد الإسرائيلي الأخيرة يجد أنها تعاني تدهورا في كل المجالات، خاصة مع تأثيرات تفشي وباء كورونا الخطيرة، وفقدان الاستقرار السياسي الداخلي، الذي كان من بين مظاهره إجراء 3 انتخابات تشريعية في فترة تقل عن العام.
فهناك زيادات في معدلات الفقر والبطالة وتضخم الأسعار والفساد الذي طاول نتنياهو وأسرته. وهناك حالة ركود شديدة تسيطر على الأسواق. وهناك تراجع في القوى الشرائية للأفراد، مع انخفاض الدخول وزيادة معدل البطالة إلى 21% من عدد السكان.
وأثر تفشي وباء كورونا بشكل كبير على كل القطاعات الاقتصادية وإيرادات دولة الاحتلال من النقد الأجنبي، فقد تراجعت السياحة الوافدة بنسبة 71% خلال الشهور السبعة الأولى من العام الجاري، حسب أرقام رسمية.
وتراجعت صادرات السلع والخدمات بنسبة 29.2% في الربع الثاني من العام، و41.7% في النصف الأول، وهو ما يعني حدوث انكماش كبير في الطلب على الاستهلاك المحلي، وهو ما يهدد المصانع ومنشآت الإنتاج.
وارتفع عجز الموازنة العامة على مدار 12 شهراً إلى 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي. وحسب أرقام وزارة المالية الإسرائيلية، فإن عجز الموازنة في أغسطس الماضي، بلغ 17.3 مليار شيكل (5.1 مليارات دولار) ما يرفع إجمالي العجز في العام حتى تاريخه إلى 87.5 مليار شيكل، أي حوالي ثلاثة أمثال الرقم المسجل في الفترة نفسها من العام الماضي، وهو عجز يقابله تراجع ملحوظ في الإيرادات العامة للدولة بسبب هروب الأموال والاستثمارات الأجنبية وقطاعات حيوية كالسياحة.
وتعرّض الاقتصاد الإسرائيلي لانكماش شديد هو الأكبر لما قبل عام 1961، بشهادة البنك الدولي. واعترف مكتب الإحصاء الحكومي بأن الانكماش في الربع الثاني من العام الجاري، يعتبر الأسوأ منذ 4 عقود. كما انكمش قطاع الأعمال بنسبة 33.4% في الربع الثاني مقارنة مع الربع الأول، وانكمش الإنفاق الاستهلاكي الخاص بنسبة 43.4%.
وصاحب تراجع الاستهلاك، انكماش الاستهلاك الخاص للعائلات بنسبة 22.4%. وهذا النوع من الانكماش خطير؛ إذ يتعلق بالإنفاق على الغذاء والمشروبات والتبغ والإسكان والوقود والكهرباء، بينما انكمش بنسبة 44.2% بالنسبة للفرد.
ببساطة، بات الاقتصاد الإسرائيلي في وضع هش، وهو ما يبرر التظاهرات التي خرجت مؤخرا ضد حكومة نتنياهو، بسبب تردي الأحوال المعيشية وزيادة الأسعار ومعدلات البطالة وارتفاع معدل الفقر إلى أكثر من 50%، خاصة بين عرب 1948 وسكان القدس الشرقية.
كما يبرر القرارات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية يوم الاثنين حيث أقرت مساعدات بنحو 140 مليار شيقل حتى عام 2022 من بينها 85 مليارا هذا العام فقط، وأقرت مساعدات إضافية قيمتها 10.5 مليارات شيقل (3 مليارات دولار) للشركات وأصحاب الأنشطة خلال إجراءات العزل بسبب تفشي فيروس كورونا. وخفضت الحكومة أجور أعضاء البرلمان ورئيس الوزراء والمسؤولين الحكوميين من أصحاب الأجور المرتفعة 10%.
وهذه المساعدات ستزيد متاعب الاقتصاد الإسرائيلي وماليته العامة، ومن هنا كان حرص نتنياهو الشديد على التطبيع السريع مع دول الخليج، خاصة الإمارات والسعودية، باعتبارها طوق نجاة لأزمات دولة الاحتلال الاقتصادية، لامتلاك البلدين صناديق سيادية وثروات ضخمة يمكن ضخ جزء منها داخل إسرائيل.
ويبدو أن حكومة أبوظبي اعتبرت أن إنقاذ نتنياهو الفاسد وحكومته واقتصاده المأزوم مهمة مقدسة، لذا راحت وبشكل سريع ولافت تبرم عشرات الاتفاقات والصفقات التي تنص على ضخ مليارات الدولارات من الأموال الإماراتية في شرايين الاقتصاد الإسرائيلي وخزانته الخاوية.
صفقات تبدأ من الموانئ وخطوط الملاحة والسكك الحديدية وإنشاء قناة منافسة لقناة السويس، ونقل النفط الخليجي إلى أوروبا عبر دولة الاحتلال، وتنتهي بتمويل مشروعات استثمارية مختلفة، وتمر بالتعاون في قطاعات حيوية أخرى مثل السياحة والصناعة والزراعة والتجارة والتمويل والبنوك والمؤسسات المالية والصحة والسينما وغيرها.
لم تكتف حكومة أبوظبي بذلك، بل راحت تتعاقد حتى مع بنوك ومؤسسات إسرائيلية تصنّفها الأمم المتحدة ضمن "قائمة سوداء" تضمّ شركات تدعم الاستيطان في الأراضي العربية المحتلة.
ومن بين هذه البنوك بنك لئومي، ثاني أكبر بنك في إسرائيل، والوارد اسمه في القائمة السوداء الأممية، والذي أبرم وحده اتفاقات مع 3 بنوك إماراتية هي: مصرف أبوظبي الإسلامي وبنك أبوظبي الأول وبنك الإمارات دبي الوطني.
كما أبرم البنك الإسرائيلي اتفاقات أخرى مع شركات إماراتية للتعاون في مجال تأسيس مشروعات مشتركة تقام في تل أبيب وداخل المستوطنات وعلى الأراضي المحتلة.
ولا نعرف حتى اللحظة المدى الذي يمكن أن تصل إليه العلاقات الاقتصادية الإماراتية الإسرائيلية، والدعم المالي الذي يمكن أن تقدمه حكومة أبوظبي لدولة الاحتلال واقتصادها وموازنتها التي تعاني من عجز مالي حاد.