الإرهاب والكباب

13 يوليو 2015
مصر رفعت الإنفاق على الأمن إلى 54.8 مليار جنيه(أرشيف/Getty)
+ الخط -
الحكومات العربية خيّرتنا في إدارة مواردنا المالية المحدودة، ما بين توفير الأمن لنا ومنحه الأهمية القصوى في الإنفاق، أو توفير الخدمات الأساسية من رغيف خبز وأنبوبة بوتاجاز وصحة وتعليم. وبدلاً من أن تسمع الحكومات اختياراتنا حتي ولو من باب الديكور، اختارت لنا وبسرعة البديل الأول، وهو الأمن، بزعم أن الشعوب العربية لا تعرف مصلحتها وتريد أن تأكل كباباً وعسلاً بالموارد المالية المحدودة للمجتمع.
وترى هذه الحكومات أن توفير الأمن والأمان للمواطنين يسبق أي اعتبار، حتى ولو كان لقمة العيش والحياه الكريمة وحقوق الإنسان، وأن الوقت لا يحتمل الحوار المجتمعي حول هذه القضية الحساسة، لأن خطر الإرهاب محدق بالأبواب، وإن لم ننتبه بسرعة فإن داعش على أبواب حدودنا، بل وبين ظهرانينا يعبثون بالداخل.
لا أحد ينكر أن إنفاق العرب على الأمن والدفاع زاد بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، وهذه الزيادة، التي تقدر بمليارات الدولارات، تأتي تارة تحت مبرر مكافحة الإرهاب، كما هو الحال في دول مثل تونس ومصر والجزائر ولبنان والأردن وغيرها، وتارة تحت مواجهة مخاطر خارجية، منها على سبيل المثال وقف التدخل الإيراني الشيعي في المنطقة، ودحر تنظيم داعش في العراق وسورية وليبيا.
وطاولت الزيادة في الإنفاق على الأمن، الدول العربية الغنية والفقيرة على حد سواء، فتونس التي تعاني من مشاكل اقتصادية شديدة وعجز حاد في موازنتها العامة وبطالة متفاقمة، قررت إنفاق مئات الملايين من الدولارات على بناء جدار رملي وحفر خندق على طول الحدود مع ليبيا بطول 220 كم، لوقف تسلل المتطرفين من الدولة الجارة، كما تدرس أيضاً إقامة حواجز إلكترونية على الحدود مع ليبيا رغم تكلفتها الباهظة. بل إن تونس التي تتفاوض حالياً مع مؤسسات دولية عدة للحصول على قروض خارجية تسد بها عجز موازنتها، خصصت 2.3 مليار دولار للإنفاق على الأمن.
وتحت ذريعة مكافحة الإرهاب، خصصت الجزائر أكثر من 13 مليار دولار لميزانية الدفاع في عام 2015، بزيادة 10% عن عام 2014، وهذا الرقم يعادل موازنات جيوش 8 دول عربية مجتمعة، هي مصر والعراق والمغرب وتونس وليبيا وسورية والأردن واليمن.
ورغم عدم دخول الجزائر في حرب مع أحد جيرانها، وهدوء موجة الإرهاب التي ضربت البلاد في فترة التسعينيات من القرن الماضي، إلا أنها رفعت حجم الإنفاق المباشر على الأمن إلى نحو 20 مليار دولار، منها 13 مليار دولار للجيش و6.95 مليار دولار لوزارة الداخلية، وهذا المبلغ يعادل 17.8% من الموازنة العامة، كما يقارب إنفاق الدولة على الصحة والتعليم والسكن، ودعم المواد الغذائية الأساسية كالسكر والدقيق والزيت والحليب، والبالغ 21 مليار دولار.
ورغم تردي الوضع الاقتصادي في مصر وتجاوز عجز الموازنة 261 مليار جنيه خلال الـ 11 شهرا من العام المالي السابق 2014-2015، إلا أن السلطات رفعت فاتورة الإنفاق على الأمن والدفاع إلى 54.8 مليار جنيه، مقابل 49.1 مليار جنيه، في العام المالي 2014 /2015، بزيادة 11.6%.
ويتكرر الموقف في العراق الذي يواجه معركة طاحنة مع تنظيم الدولة الإسلامية، حيث تبلغ مخصصات الجيش وحده 5.5 مليارات دولار. وفي اليمن تلك الدولة الفقيرة تبلغ مخصصات الجيش 1.2 مليار دولار، والجيش المغربي 3.3 مليارات دولار. أما إنفاق ليبيا على الأمن فقد تضاعف في ظل وجود حكومتين متصارعتين. وحتى دول الخليج المستقرة أمنياً وسياسياً تعاني إفراطا في الإنفاق الأمني وشراء السلاح.
المساهمون