ما زالت أصداء كلمات جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي، أمام الكونغرس، على مدار يومي الثلاثاء والأربعاء، في تعليقه على السياسة النقدية في البلاد، وموضوعات أخرى، تتردد في شتى أنحاء العالم، وخاصة بعد إعلان توقعه وصول معدلات الفائدة الأميركية لمستويات لم يتوقعها هو ورفاقه بالبنك، عند بداية العام الحالي.
ورغم أن التأثيرات كانت بعرض اليابسة، ودون استثناءات تذكر، بعد توقع بنوك كبرى وشركات إدارة أصول وصول الفائدة الفيدرالية لمستوى 6%، بدت الأسواق الناشئة الأكثر تأثراً باستمرار السياسات المتشددة للبنك المركزي الأكبر في العالم، بعد ما شهدته من اضطرابات مالية قوية، مع بدء البنك الفيدرالي دورة التشديد الحالية، قرب نهاية الربع الأول من العام الماضي.
واتبعت أغلب الأسواق الناشئة سياسات متشددة، فاقت ما فعله الأميركيون، بسبب طبيعتها المعتمدة على التدفقات الخارجية. ورفع أغلبها الفائدة أكثر كثيراً مما فعل البنك الفيدرالي، وهو ما سيجعلها، على الأرجح، تسابقه من جديد، عند بدء دورة التيسير، أو خفض الفائدة، بعُدَ ذلك أو قَرُب، وفق مراكز أبحاث في بعض المؤسسات المالية الشهيرة.
وتعرض مستثمرو أوراق الدين المحلية، والأسهم، في الأسواق الناشئة لخسائر ضخمة، مع الرفع المتوالي للفائدة في تلك البلاد، بالتزامن مع تشديد السياسات النقدية الأميركية. ويساعد تحول البنك الفيدرالي للتيسير، أي تخفيض الفائدة، في تعويض بعض أو كل تلك الخسائر، مع تخفيض الأسواق الناشئة للفائدة على عملاتها.
وخلال الفترة بين 2013 - 2015، وبعد عكس البنك الفيدرالي سياسات التيسير التي أخرج بها الأسواق من الأزمة المالية العالمية، خسرت أسواق الدين في الاقتصادات الناشئة نحو 27% من قيمتها، وفق البيانات المنشورة. وتجدر الإشارة إلى أن تلك الفترة شهدت غزواً روسياً سابقاً لأوكرانيا.
وبعد 167 رفعة العام الماضي للفائدة في مختلف الأسواق، بما قدره بنك أوف أميركا برفعة كل 1.5 يوم عملت فيه أسواق المال، خسرت أسواق الدين في الاقتصادات الناشئة 12% من قيمتها.
وفي حين التزمت أغلب دول الخليج العربية، التي تمتلك احتياطيات نقد أجنبي ضخمة، تسمح لها بربط عملتها بالدولار، بإجراء رفعات مماثلة للفائدة على عملاتها كتلك التي شهدها الدولار، على مدار الاثني عشر شهراً الأخيرة، اضطرت بنوك مركزية في دول أخرى لإجراء رفعات أكبر، في محاولة للإبقاء على ما تبقى لديها من استثمارات أجنبية في سوق الدين المحلية.
وخلال العام الأخير، رفعت المجر الفائدة على عملتها المحلية نحو 12%، ورفعت تشيلي نحو 11%، ورفعت مصر 8%، بينما توقف الرفع، حتى الآن، في واشنطن، عند 4.5%.
وبينما تشير التوقعات إلى عدم قيام البنك الفيدرالي بخفض معدلات الفائدة قبل عام 2024، تشير البيانات التي جمعها بنك جي بي مورغان إلى احتمالية قيام المجر وتشيلي ببدء دورة التخفيض هذا الشهر، وتتبعهما بولندا وبيرو في يونيو/حزيران المقبل، والتشيك وكولومبيا والبرازيل في الربع الثالث من العام، ثم الهند والمكسيك وجنوب أفريقيا، بحلول نهاية العام، أو بداية العام الجديد.
ويقول جويدو تشامور، مدير محفظة بيكتيت، في تصريح نقله موقع انترناشيونال بيزنس تايم: "أعتقد أن موجة التيسير في الأسواق الناشئة قادمة، لكنها قد لا تأتي في أقرب وقت كما توقعت السوق، حيث إنه من الصعب جدًا الذهاب بعيداً قبل البنك الفيدرالي".
وتوقع دانييل مورينو، مسؤول أوراق الدين في الأسواق الناشئة لدى شركة إدارة الثروات ميرابود، تخفيضات كبيرة في معدلات الفائدة في الأسواق الناشئة، خلال العام الحالي.
وقدرت التخفيضات المتوقعة، وفقاً لأدوات الدين المتاحة في تلك الدول، بنحو 6% في المجر، و1.25% في البرازيل، و3.5% في تشيلي، و1% في التشيك، خلال الاثني عشر شهراً المقبلة.
ولا يتوقع أن تكون مسارعة البنوك المركزية في الأسواق الناشئة بتخفيض الفائدة بلا ثمن، حيث يقول محللو بنك يو بي أس السويسري إن عملات دول مثل المجر والمكسيك والصين وإندونيسيا وتشيلي والفيليبين معرضة لخسارة 4% - 5% إضافية، "لو واصل البنك الفيدرالي طريقه باتجاه معدل فائدة 6%، بينما اضطرت تلك الأسواق لتخفيض الفائدة، منعاً لدخول اقتصاداتها في ركود".