الأسواق الشعبية تستعيد قوتها في مصر: بدائل الغلاء

11 مارس 2024
جانب من سوق العتبة في وسط القاهرة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

أصبحت الأسواق الشعبية الملاذ الآمن للمواطنين الباحثين عن مستلزمات موائد الإفطار وملابس العيد.

أعاد الغلاء الطبقة المتوسطة إلى الأسواق القديمة المنتشرة في أنحاء البلاد، التي هجرتها منذ سنوات، بحثا عن عروض مخفضة تقدمها المراكز التجارية على أطراف المدن، على السلع الغذائية، والتخفيضات على ملابس "الماركات" والسلع المعمرة، وأدوات التجميل، ومعارض السيارات الحديثة، وتجهيزات المكاتب والبيوت.

عاد بريق ميدان العتبة الشهير بوسط العاصمة القاهرة، ليجذب جمهورا واسعا من المتعاملين الراغبين في الشراء بالجملة والقطاعي، على غرار ما تشهده منطقة المنشية بقلب مدينة الإسكندرية، وعشرات الميادين في المنصورة والمحلة الكبرى وسط الدلتا، وغيرها من عواصم المحافظات.

الزحام سيد الموقف، فقد احتل الباعة الشوارع الفسيحة، فلا يجد المارة سوى عدة أمتار للسير بين المعروضات، من أحذية وملابس ومفروشات متجاورة مع بسطات باعة الأغذية والمكسرات والفواكه.

أسواق
التحديثات الحية

كلٌ ينادي على ما لديه من منتجات وأسعار، سعيا لخطف آذان الجمهور قبل عيونهم على ما لديهم من أشياء.

في جولة لـ"العربي الجديد" رصدت تدافع جمهور واسع في أسواق تخصصت في بيع الملابس والأحذية واحتفالات المواليد، وأدوات الزينة لاستقبال شهر رمضان، وأخرى تبيع الأجبان والياميش والتمور الطازجة. 

أسواق مكتظة 

يتوسط سوق العتبة عدة أسواق كبرى، متلاصقة ومكتظة بآلاف المحلات، بعضها متخصص في بيع الأدوات الكهربائية والهواتف، كشارع عبد العزيز، والأخشاب كسوق المناصرة، والأقمشة كالأزهر، والأحذية في الغورية، وخان الخليلي المنفرد في بيع الملابس التقليدية والهدايا، المجاور لسوق الصاغة حيث الذهب والمجوهرات.

الأضواء الساطعة من المحلات داخل المباني التي تظهر بالكاد من بين خيام الباعة الجائلين، تظهر العلاقة السرية بين الطرفين، حيث نمت علاقة بين التجار وصغار الموزعين، الذين يتولون تصريف المنتجات في الشوارع، والبيع بالتجزئة لصالح بعض التجار، بينما تتفرغ المحلات للعقود الكبيرة المتجهة إلى موزعين في المحافظات أو البيع بالجملة.

يذكر بائع المفروشات على قارعة سوق الموسكي، يوسف عبده، أن سوق العتبة عاد للانتعاش، خلال الأيام الماضية، مع إقبال واسع من الجمهور الذي يبحث عن أسعار جيدة، وتخفيف قبضة الحكومة على تواجد الموزعين في الشوارع، بعد أن كانت تلاحقهم الحملات الأمنية على مدار الساعة.

يشير عبده لـ"العربي الجديد" إلى سعي كبار التجار إلى توزيع ما لديهم من مخزون من السلع، شجعهم على الاستعانة بعدد كبير من الموزعين أمثاله، للبيع مقابل عمولة، ومن يرغب في العمل بعيدا عن محلات التجار، يدفع تأمينا لا يقل عن 50% من قيمة البضاعة، مؤكدا أن التجار كانوا يطلبون التأمين بنسبة 100%، منذ أسبوعين فقط.

يوضح البائع الذي يبدي حماسا مع احتفال أحد المحلات بتجديد معرضه، مستعينا بعرض من لاعبي السيرك، أن فتح الائتمان من جانب التجار سيكون فرصة كبيرة أمام الموزعين لزيادة المبيعات وتقديم خصومات كبيرة للجمهور فيما يطلبه من ملابس العيد واحتياجات رمضان.

ويمضي عبده قائلا: البيع يمضي بطريقة جيدة، ونتوقع مكسبا للجميع.

رغم عتمة الميدان الكبير، في ظل إجراءات اتخذتها الحكومة بترشيد الإنارة في الشوارع العامة، يبدو البائع سعيدا بالأضواء الساطعة من المحل الذي يعمل لحسابه، مشيرا إلى أن عتمة الحكومة توجه الناس أكثر إلى المحلات والبسطات المنتشرة حولها. 

غياب الدولة 

يفرح الموزعون عادة لغياب الدولة ورجالها في شوارع الأسواق الشعبية، حيث يمكنهم الحصول على جزء أكبر من الرصيف، لعرض ما لديهم من منتجات، خاصة من السلع الغذائية منتهية الصلاحية.

يفضل آخرون العمل تحت كنف السلطة، ضمن المعارض التي تقيمها الحكومة تحت شعار "تحيا مصر" و"أهلا رمضان" و"كلنا واحد" التي يشرف عليها الجيش ووزارة التموين والمحافظون ووزارة الداخلية، والتي تبيع اللحوم والسلع الغذائية مقابل تخفيضات.

الملفت في ميدان العتبة انتشار محلات لبيع الهواتف وأدوات كهربائية ومنزلية ومقاهٍ ملاصقة لإدارة الدفاع المدني والحريق، تعلن في لافتات مضيئة أنها تعمل تحت مظلة الشرطة.

يفرض شباب إتاوات على وقوف السيارات في الشوارع والميادين المزدحمة، بقيمة تبدأ من 20 جنيها إلى 30 جنيها في الساعة، مؤكدين لـ"العربي الجديد" أنهم يعملون تحت مظلة إدارات الأحياء وبقرار من سكرتيري المحافظات، الذين يحصلون على رسوم سنوية من مستغلي الأرصفة.

رغم الفوضى التي تنتاب الشوارع، فالجمهور يدفع الإتاوات بسهولة اتقاء دفع غرامات باهظة لشرطي المرور، الذي يظهر أحيانا في تلك المناطق، عندما يكون أحد المسؤولين مارّا بالقرب من الميادين. 

استمرار الغلاء 

رصدت "العربي الجديد" ظهورا لسلع معمرة مثل الثلاجات والغسالات، كادت تختفي من الأسواق خلال الفترة الماضية. يبرر التجار وجودها إلى إفراج كبار الموزعين عنها، بعد أن كانت مختفية بسبب أزمة الدولار، ورغبة كل تاجر في الحفاظ على ما لديه من مخزون، وعدم التصرف بما لديه إلا في حدود ما يوفر له السيولة المالية.

يقول تاجر لـ"العربي الجديد" إن إعلان الحكومة عن توفير الدولار في البنوك الأسبوع الماضي، رغم عدم تحوله إلى واقع ملموس، دفع التجار إلى تصريف ما لديهم من مخزون، وفقا للأسعار السائدة، قبل أن تأتي للأسواق بضائع بسعر أقل، حيث تراجع الدولار من مستوى 74 جنيها إلى 51 جنيها.

يتوقع التاجر أن تستمر الأسعار في مستواها المرتفع لعدة أشهر على الأقل، حيث يجري التعامل مع الموزعين حتى نهاية شهر رمضان وفقا لأسعار المنتجات الموجود داخل المخازن، والأخرى التي ستخرج من الموانئ خلال الأيام المقبلة، مؤملا أن تلتزم الحكومة بوجود الدولار في البنوك، وعدم تراجع الجنيه من جديد.

يخشى التجار من ركود بضائعهم مع استمرار حالة الغلاء، في مواكبة لتراجع قيمة الجنيه، وعدم رغبة الحكومة في تشجيع الإنفاق الاستهلاكي، وسعيها إلى جذب ما لدى المواطنين من سيولة إلى البنوك، برفع نسبة العائد على شهادات الادخار بنسبة تصل إلى 30%.

ينتظر الباعة والتجار عودة البهجة لأسواقهم، التي تأثرت بشدة منذ 4 أعوام، حينما فرضت الحكومة قيودا أمنية على الحركة في الأسواق الشعبية، مع انتشار وباء كورونا، بما دفع الجمهور إلى المراكز التجارية الحديثة.

تشجع الحكومة زيادة "المولات" في إطار سياسية تستهدف الحد من دور الأسواق الشعبية في إدارة الاقتصاد الموازي، وتخفيض التعامل النقدي، لضبط نظام الضرائب.

تعتمد الحكومة على تمويل الضرائب لنحو 65% من إيراداتها السنوية، وتسعى لزيادتها من 1.1 تريليون إلى 1.5 تريليون جنيه في العام المالي المقبل 2024-2025.

جاءت موجات الغلاء وأزمة الدولار، لتحد من قدرة المراكز التجارية على توفير السلع الأكثر إلحاحا للجمهور، مع تعرّضها لانقطاعات التيار الكهربائي وكثرة الضرائب، ودفع إتاوات تفرضها الحكومة على التجار بصفة دورية، بينما تتمتع الأسواق الشعبية بمرونة العرض والتسعير، وقدرتها على تسويق منتجات رخيصة بعضها مجهول المصدر، وأخرى مستعملة.

تأتي مخاوف التجار في ظل بيانات رسمية تؤكد عودة معدلات التضخم للارتفاع خلال شهر فبراير الماضي، ليصل إلى 36% مقابل 31.2% في يناير 2024.

أكد جهاز الإحصاء الحكومي معدلات التضخم، ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 15.9% على أساس شهري، بالتوازي مع زيادة الملابس والأحذية بنسبة 4.9%، والأثاث والمعدات المنزلية والصيانة 6.4%. يبين جهاز الإحصاء الارتفاع المستمر في أسعار جميع السلع والخدمات، حيث بلغ في قسم الطعام والمشروبات 48.5% على أساس سنوي.

تأثرت تلك المنتجات بزيادة في أسعار الحبوب والخبز بنسبة 47%، واللحوم والدواجن 42.9%، والأسماك 47.9%، والسكر 48.3%، والبن والشاي 52.8%، والدخان 87%. وارتفعت الملابس والأحذية بنحو 26.1%.

تأثرت معدلات التضخم بارتفاع أسعار الوقود والكهرباء والخدمات الحكومية، وتراجع الجنيه أمام الدولار، الذي بلغ ذروته منتصف فبراير 2024، عند 75 جنيها للدولار في السوق الموازية، و80 جنيها بين تجار السلع في الأسواق.

المساهمون