الأزمات الاقتصادية تصعّد حركة الاحتجاجات في أوروبا.. إليك التداعيات

04 مارس 2023
خلال تحرك في فرنسا (Getty)
+ الخط -

منذ بداية جائحة كورونا في ديسمبر/ كانون الأول 2019، واجه الاقتصاد الأوروبي أعباء خطيرة على ميزانيته بسبب التدابير المالية المتخذة لمواجهة الفيروس. ومع بدء التعافي من الوباء، قلبت حرب روسيا على أوكرانيا جميع خطط التعافي رأساً على عقب.

وفرض الاتحاد الأوروبي حزماً من العقوبات ضد الحكومة الروسية، إثر حربها على أوكرانيا، ولكن العقوبات لم تؤثر على روسيا فحسب، بل امتد أثرها السلبي إلى أوروبا أيضاً، حيث أدت إلى اختناقات اقتصادية خطيرة. وبعد الحرب، وبسبب غلاء المعيشة في أوروبا، نظم عمال قطاعات مختلفة إضرابات في العديد من الدول الأوروبية واحدة تلو الأخرى.

وساهم التضخم، الذي ارتفع إلى مستويات قياسية في أنحاء أوروبا، وزيادة تكاليف المعيشة، وعدم قدرة الحكومات على زيادة الأجور إلى المستوى المطلوب، في تأجيج الإضرابات بالقارة العجوز.

واتخذت النقابات العمالية في مختلف القطاعات قرارات إضراب جماعي لزيادة الأجور، وتحسين ظروف العمل، وحقوق التقاعد في العديد من البلدان الأوروبية.

وانتشرت الإضرابات لاحقاً في قطاعات مختلفة، مثل عمال مترو الأنفاق والممرضات وسائقي الحافلات وسيارات الأجرة والمدرسين وعمال الموانئ والمحامين وعمال الرعاية الصحية وعمال الصرف الصحي وعمال الطيران والبريد.

دعوات لتحسين الأجور

وتشرح البروفيسورة أليف نور أوغلو، المحاضرة بقسم الاقتصاد في الجامعة التركية الألمانية في إسطنبول: بدأ العمال في العديد من دول الاتحاد الأوروبي إضرابات خلال عامي 2022 و2023 للمطالبة بشكل أساسي بتحسين الأجور والمعاشات التقاعدية وظروف العمل، إلا أنه من المفيد تقييم الإضرابات الأخيرة من خلال مقارنتها عبر فترة من الزمن.

ووفقاً لمعهد الاتحاد التجاري الأوروبي، فإن أيام العمل الضائعة بسبب الإضرابات تتراجع في أوروبا منذ عام 2000.

ففي الدنمارك، انخفض عدد أيام العمل الضائعة خلال الفترة بين عامي 2000 و2009 من 169 إلى 105 أيام، ما يشير إلى تراجع ثقافة الإضراب، لكنها لا تزال قوية في هذا البلد.

وتعتبر أيام العمل الضائعة نتيجة الإضرابات خلال عامي 2020 و2021 هي الأعلى في فرنسا بعدد 79 يوما، بينما سجلت ألمانيا 13 يوما، و16 في هولندا، و18 في المملكة المتحدة، و57 في بلجيكا، ويوم واحد فقط في النمسا.

ولكن عدد الأيام الضائعة بسبب الإضرابات عاودت الارتفاع، إثر تراجع الوضع الاقتصادي في أوروبا، عقب الوباء والحرب الروسية الأوكرانية. ورغم أن ثقافة الإضراب قد استقرت بالفعل في أوروبا وتساهم برفع أجور العمال وتحسين ظروف عملهم، فإنها تكلف البلدان الكثير.

وعلى سبيل المثال، في 27 يوليو/ تموز 2022، دعا اتحاد "فيردي" في ألمانيا الموظفين الميدانيين في شركة الطيران "لوفتهانزا" للإضراب بهدف المطالبة بزيادة الأجور، ما أدى إلى إغلاق مطاري ميونيخ وفرانكفورت.

وكلف الإضراب حوالي 35 مليون يورو، إثر إلغاء أكثر من ألف رحلة، وتأثر 134 ألف مسافر، ما دفع "لوفتهانزا" للتوصل إلى اتفاق مع اتحاد فيردي.

ورغم أن الإضرابات تكلف البلاد الكثير، فإنها تسمح للنقابات والعمال بالحصول على ما يريدونه، كما تبقى النقابات قوية وموثوقة لدى العمال وأصحاب العمل في آن واحد.

السيناريوهات المحتملة

تشرح نور أوغلو، أن ثقافة العمل الأوروبية، تلعب الإضرابات والنقابات دوراً مهماً فيها، فبالنظر إلى تاريخ التصنيع الأوروبي، نجد أن العمال الأوروبيين حصلوا على العديد من حقوقهم بعد الإضرابات والمظاهرات الطويلة.

وبالمقارنة مع العديد من البلدان، فإن ظروف العمل في أوروبا لا تزال أفضل بكثير، وهذا نتيجة لإضرابات العمال والنقابات في القرون القليلة الماضية.

وبدأت الإضرابات الأخيرة في العديد من الدول الأوروبية بدعوة من النقابات، مثل اتحاد التعليم والعلوم (GEW)، واتحاد فيردي في ألمانيا، والكلية الملكية لاتحاد التمريض في المملكة المتحدة.

كما سبّبت الإضرابات العمالية اضطرابات في الحياة اليومية، حيث تؤثر إضرابات المعلمين سلباً على الدراسة، كما تضررت خدمات الصحة والنقل، وامتلأت الشوارع بالقمامة على خلفية إضراب عمال النظافة.

وتخطط الحكومة البريطانية لفرض قيود على الإضرابات في قطاعات معينة لحماية المصلحة العامة. ومع ذلك، يُفسّر هذا الإجراء بأنه "هجوم استبدادي" ولا يجد دعماً عاماً.

وبشكل عام تعتبر الإضرابات جزءاً أساسياً من ثقافة العمل في أوروبا، ويزداد عددها مع تدهور ظروف العمل والأجور.

كما أن الدعم الجماهيري للإضرابات قوي أيضاً، حيث تعتبر خسارة المال والاضطرابات في الحياة اليومية التي تسببها الإضرابات جزءاً طبيعياً من الحدث. ولذلك، يبدو أن النقابات ستبقى قوية في المستقبل الأوروبي لحماية حقوق أعضائها، وفقاً لنور أوغلو.

(الأناضول)

المساهمون