أربك انقطاع تام للكهرباء في الأردن لأكثر من خمس ساعات، يوم الجمعة الماضي، مختلف الأنشطة في الدولة وأدى إلى شلل تام في بعض الخدمات الحيوية، وسط غموض في الأسباب التي أدت إلى خروج شبكة الكهرباء بالكامل عن الخدمة، ما دعا برلمانيين إلى فتح تحقيق في الأزمة وسط مخاوف من تكرار المشكلة.
وأرجعت وزيرة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية هالة زواتي، المشكلة إلى خلل فني وطارئ في خط الربط الأردني المصري، أدى إلى فصل في خط الضغط العالي ومراكز التوليد، إلا أن وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة في مصر، قالت إن خط الربط مع الأردن يقوم بالتغذية، وليس فيه أي أعطال، وإنها تعمل مع الحكومة الأردنية على تحليل أسباب انقطاع التيار.
وأضافت زواتي، أنه "فور حدوث الخلل تحرّكت فرق كوادر شركة الكهرباء الوطنيّة من خلال مركز المراقبة والتحكّم التابع للشركة، للتعامل فوراً مع الخلل والعمل على إعادة تشغيل النظام الكهربائي وايصال التيار تدريجياً، وفق المتطلبات الفنية ومتطلبات السلامة العامة".
وأدى انقطاع التيار عن المناطق كافة إلى شلل تام حتى إشارات المرور توقفت عن العمل، وحدث انقطاع شامل في شبكة الإنترنت، فيما استعانت المستشفيات بالمولدات الكهربائية الاحتياطية الخاصة لديها لتوفير الخدمات اللازمة لمرضاها، وتصاعدت المخاوف من حدوث كارثة خاصة لمرضى فيروس كورونا الذين يعتمدون على الأوكسجين، سواء في المنشآت الصحية أو المنازل.
وتعرضت الحكومة لانتقادات حادة ومطالبات باستقالة وزيرة الطاقة، بسبب هذا الخلل الذي نادراً ما يحدث، حيث يعود آخر انقطاع تام للكهرباء إلى عام 2013.
استيراد الغاز من إسرائيل
وبدت بعض التحليلات تميل إلى وجود مشكلة في توريد الغاز الطبيعي من قبل الاحتلال الإسرائيلي إلى شركة الكهرباء الأردنية في الآونة الأخيرة. وقال الخبير في مجال النفط والطاقة، عامر الشوبكي لـ"العربي الجديد"، إن "شركة الكهرباء الوطنية المملوكة للحكومة الأردنية تشتري الغاز من الاحتلال الإسرائيلي"، مضيفاً أن "تحميل الكهرباء على الشبكة أيضاً من عدة محطات بشكل تجريبي أدى إلى اختلاف التردد الكهربائي، وسبّب وقفاً أتوماتيكياً لجميع المحطات".
وكانت المقاومة الفلسطينية قد وجهت خلال الأيام الماضية ضربات نوعية إلى مفاصل حيوية في الاقتصاد الإسرائيلي، رداً على عدوان الاحتلال على غزة والقدس المحتلة، إذ طاولت الرشقات الصاروخية منصات رئيسية لإنتاج الغاز الطبيعي وأنابيب لنقل الوقود.
وأبرم الأردن اتفاقية مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي في سبتمبر/ أيلول 2016 تنص على شراء نحو 45 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي على مدار 15 عاماً بقيمة تبلغ 10 مليارات دولار. وبدأت المملكة الاستيراد فعلياً منذ يناير/ كانون الثاني 2020، رغم الاحتجاج الشعبي والبرلماني على هذه الخطوة.
ولفت الشوبكي إلى أن الأردن يستطيع تعزيز قدراته الذاتية من الغاز الطبيعي أو استيراد الغاز الطبيعي من مصر بسعر أقل عبر خط الغاز العربي، وتتوافر لدى الأردن إمكانية استيراد الغاز المسال عبر سفينة الغاز في العقبة المستأجرة بكلفة 77 مليون دولار سنوياً.
وكان نواب في البرلمان قد أكدوا أن الاتفاقية الموقعة مع دولة الاحتلال تحتوي على بنود يمكن الأردن الاعتماد عليها في إلغاء اتفاقية استيراد الغاز دون دفع الشرط الجزائي بقيمة 1.5 مليار دولار.
وبينما تذهب تحليلات إلى أن توريدات الغاز قد تقف وراء مشكلة انقطاع التيار الكهربائي، يوم الجمعة الماضي، قال الخبير في مجال الكهرباء، محمد الزعبي، إن السبب في انقطاع التيار يعود بشكل كامل إلى عدم جاهزية محطات التوليد لتعويض النقص الذي يحدث أحياناً لدى التزود بالكهرباء من الربط مع مصر، والأصل أن تعمل تلك المحطات مباشرة وتعوض النقص.
ووسط التبريرات الحكومية وآراء المحللين في أسباب الأزمة، يستعد البرلمان الأردني لفتح تحقيق في القضية واستجواب مسؤولين حكوميين كبار خلال الأيام المقبلة.
تحقيق برلماني في الأزمة
وقال رئيس لجنة الطاقة في مجلس النواب، زيد العتوم لـ"العربي الجديد"، إن اللجنة ستبدأ التحقيق في أسباب المشكلة اعتباراً من الاثنين للوقوف على الأسباب الحقيقية لانقطاع الكهرباء بشكل كامل في الدولة، مشيراً إلى أنه ستُستدعى وزيرة الطاقة والفريق المختص، خاصة أن الأسباب التي أوردتها الوزيرة غير مقنعة.
وطالب بتزويد لجنة الطاقة بتقرير فني مفصل عن أسباب انقطاع التيار الكهربائي لمدة زادت على 3.5 ساعات قبل أن يبدأ التيار الكهربائي بالعودة تدريجاً. وزادت مدة الانقطاع في بعض المناطق على ذلك بكثير، مضيفاً أن "الأردن من بين الدول المستقرة في تزويد التيار الكهربائي، ولديها فائض من التوليد، ولا نعلم السبب خلف تلك الانقطاعات، ويجب محاسبة المسؤولين عن أي تقصير أو حدوث الخلل".
في الأثناء، أعلن المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات أنه ينسّق مع الجهات المعنية كافة للعمل على حصر تداعيات انقطاع التيار الكهربائي وتقييم تبعات انقطاع التيار.
ووفق مدير شركة الكهرباء الوطنية الحكومية، أمجد الرواشدة، هناك حاجة إلى بحث وتحليل هندسي لمعرفة الأسباب بشكل دقيق، مضيفاً أن "الإطفاء الشامل لشبكة الكهرباء يحدث في الأنظمة العالمية وليس الأردن الوحيد الذي يمكن أن يحدث به ذلك، لكن التحدي هو إعادة تشغيل المنظومة الكهربائية والوقت المستغرق لذلك، وأُنجِز ذلك بمدة قياسية". وقال إن "النظام الكهربائي الأردني مستقر وآمن ومعاييره عالمية وتبلغ توافرية النظام 99.9%".
لكن الخبير في قطاع الطاقة وعضو مجلس النواب، موسى هنطش، قال لـ"العربي الجديد" إن "المشكلة التي طرأت من الممكن أن تحدث على أنظمة الربط الكهربائي والمهم كيف يمكن تجاوزها بسرعة متناهية دون حدوث أي تبعات"، مضيفاً أن عودة النظام الكهربائي لا تتم مرة واحدة، بل تدريجاً، حتى تنتظم الشبكة.
وبخلاف الأنشطة الاقتصادية المختلفة، أثار انقطاع الكهرباء المفاجئ في جميع مناطق البلاد فزعاً لدى القطاع الطبي، وقال وزير الصحة، فراس الهواري إن "ما مررنا به يوم الجمعة كان امتحاناً عسيراً وصعباً تفاجأ به الجميع في القطاعات كافة، لكن النتائج جاءت مرضية في مستشفيات وزارة الصحة والمراكز الصحية".
وقالت سلطة المياه، في وقت متأخر من مساء الجمعة، إن عودة التيار الكهربائي بعد الانقطاع المفاجئ لساعات طويلة ستؤدي إلى تأخر أدوار المياه المبرمجة لأوقات تمتد لنحو 12 ساعة لإعادة تشغيل مختلف المصادر الرئيسية في جميع مناطق المملكة والبدء بتوزيعها على المناطق، داعية المواطنين إلى تفهم مثل هذه الظروف الخارجة عن إرادة سلطة المياه والشركات التابعة لها.