اقتصاد الحرمان في اليمن: الحرب تكلف البلاد 200 مليار دولار والمساعدات لا تغطي الاحتياجات
ألقى الصراع الذي مضت عليه سبع سنوات في اليمن، بتبعات قاتمة على معيشة اليمنيين، والبنية التحتية، والقطاعات الاقتصادية، إضافة إلى تسببه في نقص الغذاء، ووسائل الحياة الأخرى.
وكشف تقرير صادر حديثاً عن حجم خسارة اليمن بسبب هذا الصراع والتي قدرها بين 170 و200 مليار دولار من ناتجه المحلي الإجمالي بين الأعوام 2015 إلى 2022، في حين غطت المساعدات ما بين 10 و12% من الاحتياجات.
وعلى الرغم من تقديم أكثر من 20 مليار دولار من المساعدات الإنسانية كما يذكر التقرير الصادر عن مركز الأبحاث العربي "عربية برين ترست" الذي أعدته مجموعة من الخبراء الاقتصاديين اليمنيين والدوليين، حصلت "العربي الجديد"، على نسخة منه، إلا أن الصراع والحرمان مستمران، ولا يزال أكثر من نصف اليمنيين يعانون من الجوع، ومن بين خمسة ملايين نازح داخلي يشكل النساء والأطفال نسبة 80% منهم. وتضاعفت منذ العام 2014، ساعات العمل، المطلوبة لدفع ثمن الغذاء والمعيشة، للعمالة غير الماهرة، كما تبخرت فرص العمل وانهارت قيمة الريال اليمني بنسبة تصل إلى 80%.
وفي هذا السياق، يؤكد أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز محمد قحطان، لـ"العربي الجديد" أنّ الاعتماد الكلي على الأسواق الدولية في شراء الوقود والغذاء يجعل اليمن عرضة لتقلباتها وانعكاساتها المكلفة، إضافة إلى استمرار استنزاف الاقتصاد اليمني ورفع تكلفة معالجة الأزمات.
يوصي التقرير بضرورة العمل على إضفاء الطابع الديمقراطي على التنمية في عملية الاستجابة التراكمية للتغيير الاجتماعي حيث يعتمد التقدم الاقتصادي على أولويات المجتمعات المحلية. وهو يقوم على عدة مبادئ أساسية مترابطة منها التنقل، والاتصال، والاستدامة.
ووفق مراقبين، فإنّ الاقتصاد الذي يتمتع بهذه الميزات يكون أكثر مرونة في مواجهة الصدمات بما في ذلك الأوبئة، أو الاضطرابات السياسية، أو الأزمات الاقتصادية، أو النزاعات الدولية، أو الاضطرابات الاجتماعية أو حتى الكوارث الطبيعية.
كما أنه يوفر بيئة يمكن للناس أن يقودوا فيها مسار التنمية الخاصة بهم، محصنين ضد التدخل غير الضروري من قبل النخب السياسية أو الاقتصادية أو بيروقراطيات المساعدات الإنسانية، وهو ما لا يتوفر في اليمن حالياً، حسب المراقبين.
وسرد التقرير مجموعة توصيات للحد من تبعات النزيف المستمر للاقتصاد اليمني، منها الحاجة لتوفير الفرص بهدف إنتاج أنواع متعددة من مخرجات الإنتاج المحلي من الأغذية والنشاط الزراعي والصناعي مقارنة بالمستويات الضئيلة في وقت النزاع، وأهمية توفير الطاقة الكهربائية بحيث تشمل على الأقل 60% من السكان، إضافة إلى خفض الإنفاق على استيراد الديزل والذي بدوره سيفضي إلى توفير ما يقارب من 1.1 مليار دولار من الاحتياطيات النقدية الأجنبية الصعبة والتي ستعزز استقرار العملة وقيمتها مقابل العملات الأجنبية بشكل كبير، وكذلك خفض أسعار الأغذية المستوردة.
يأتي ذلك بالإضافة إلى معالجات ضرورية ينبغي العمل عليها لإحداث ثورة في الاندماج المالي، والسعي لزيادة حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وفتح فرص في قطاعات جديدة مع توفير الوظائف للعمالة الماهرة وتعزيز الإنتاج الغذائي المستدام.
الباحث الاقتصادي مراد منصور، يرى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إطالة أمد الصراع أدت إلى تراكم الأزمات وتوسع التشوهات في الاقتصاد اليمني وانفجار المشاكل والآفات المزمنة كالفقر والبطالة وانهيار الأمن الغذائي وزيادة معدلات الحرمان من الخدمات الأساسية. ويضيف أنّ "المشكلة الأكبر تمثلت في توقف الاقتصاد الوطني عن توليد فرص العمل، ما يجعل توسع البطالة من أهم العوامل التي تتجسد فيها كلفة الأزمات الاقتصادية، لذا لا حلول مجدية بعيدة عن تشخيص دقيق للأزمات وإعطاء الأمل للناس بفرص عمل يقتاتون منها وبالتالي استعادة جزء من عملية الإنفاق على الخدمات العامة الباهظة، الأمر الذي سيمكن الجهات الحكومية المختصة من حل مشكلة الدورة النقدية التي تواجه صعوبة في استعادتها".
ويلاحظ منصور تركز المساعي السياسية المطروحة لحل الأزمة اليمنية على منهجيات فوقية تأتي من القمة إلى القاعدة مثل محادثات السلام على المستوى الوطني، وإعادة توحيد البنوك المركزية، ومفاوضات لحلّ القيود المفروضة على التجارة والواردات.
وعلى الرغم من أهمية هذه الجهود، فإنّها إذا نجحت كما يقول الباحث الاقتصادي، ستحتاج إلى سنوات طويلة قبل أن تصل فوائدها المرجوة إلى المواطنين اليمنيين. والأهم من ذلك، أنّ هذه المنهجيات لم تستوعب الخصوصية اليمنية والمزايا التاريخية والاجتماعية والثقافية والجغرافية لليمن بما فيها موقعها الاستراتيجي على مفترق طرق التجارة العالمية، وإمكاناتها كمنتِج ومصدر للطاقة المتجددة، النسبة المرتفعة لفئة الشباب العمرية، والمواطنين في المهجر. وبالتالي قدمت هذه المنهجيات حلولاً عامة وسطحية، متجاهلة خصوصيات واحتياجات المجتمعات المحلية بمختلف فئاتها، حسب منصور.
ويوضح المحلل الاقتصادي غسان الحمادي، لـ"العربي الجديد"، أن الاقتصاد اليمني في حالة سقوط حر بمنظومة مفككة وبنية تحتية مدمرة مع انخفاض إنتاجية القطاعات الاقتصادية إلى أدنى مستوى في ظل فقدان العملة المحلية قيمتها وتوقف عجلة الاستثمار والأنشطة التي يعول عليها في توفير فرص عمل لليمنيين. ولذا وفق حديثه، فإنّ الأساس حالياً هو تلافي هذا السقوط ومحاولة انتشال ما أمكن من القطاعات الإنتاجية وتوفير الخدمات العامة كالطاقة الكهربائية والمياه، ثم يجري البحث لاحقاً عن طرق ومسارات وأنظمة اقتصادية جديدة مختلفة الاتجاهات والدوافع التنموية.
في هذا الإطار، هناك من يرى أنّ الاستثمار في دوافع التنمية سيمهد الطريق لتنمية اجتماعية، واقتصادية، مستدامة ومنصفة في اليمن، بمنهجية إيجاد حلول من القاعدة إلى القمة، وبقيادات محلية، وسيفضي إلى تحسن مستدام في الأمن الغذائي، وخلق فرص عمل جديدة وكبيرة، وتخفيف الاختلالات التجارية، وتعزيز قيمة العملة الوطنية. كما سيعمل إضفاء الطابع الديمقراطي على دوافع التنمية على تحسين العلاقات والتماسك الاجتماعي في المجتمعات، وتعزيز أصوات المواطنين التي تطالب بالشفافية والمساءلة من الحكومة والسلطات "التشريعية والقضائية والتنفيذية" سيخفف من الاعتماد على المساعدات الإنسانية ويفتح طريقاً مختلفاً عن اقتصاد الحرب الى سلام مستدام وإعادة دمج اليمن بالاقتصادات الإقليمية والعالمية.