استراتيجية بايدن لاحتواء الصين تحت الاختبار بمجموعة السبع

08 يونيو 2021
بايدن وصف الرئيس الصيني شي جي بينغ بأنه استبدادي
+ الخط -

منذ دخوله البيت الأبيض يتحدث الرئيس الأميركي، جو بايدن، عن استراتيجية واحدة لاحتواء التمدد التجاري والاقتصادي للصين ووقف مشاريعها التوسعية في العالم. الاستراتيجية تقوم على بناء تحالف "الديمقراطيات الرأسمالية" ضد بكين. وربما ستكون قمة "مجموعة السبع 7G " التي ستعقد يوم الجمعة بكورنويل على الساحل الغربي الإنكليزي ليومين بين 11 و13 يونيو/ حزيران، أول اختبار حقيقي على مدى نجاح جو بايدن في تنفيذ استراتيجية احتواء الصين.

لكن ما هي الأدوات التي سيستخدمها بايدن في هذه القمة لمحاصرة التمدد الصيني، وهل سينجح في إقناع الدول الأعضاء بتبني موقف موحد تجاه الصين؟
وفق مراقبين، من بين الأدوات التي يستخدمها جو بايدن في احتواء الصين، محاصرة مبادرة "الحزام والطريق" التي عكفت الصين على تنفيذها منذ عام 2013، ووقف تمدد تقنيات الاتصالات والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني الصينية في أسواق أوروبا وآسيا.

وهنا لا يختلف بايدن في هذه السياسة عن الرئيس السابق دونالد ترامب الذي حظر شركة " هاواوي وفروعها"، وضغط على الحلفاء بحظرها في أسواقهم.
وعلى الرغم من النبرة الهادئة التي يستخدمها بايدن ضد الحكومة الصينية، لكنه يطبق السياسة عينها التي نفذها ترامب وتقوم على حظر الشركات الصينية ومحاصرة وجودها في الأسواق الغربية وتداول أسهمها في البورصة الأميركية وبورصات أوروبا.
كما يخطط بايدن خلال هذه القمة لإقناع الشركاء في أوروبا لتعزيز سياسة حظر شراء الشركات الصينية للوحدات التقنية الحساسة في أوروبا التي تهدد الأمن في الدول الرأسمالية، والضغط على بكين بتنفيذ أجندة البيئة النظيفة.
يضاف إلى هذه الأجندة، وفق هؤلاء المراقبين، استخدام قضايا سياسية من بينها حقوق الإنسان وخرق اتفاقية الحكم الذاتي في هونغ كونغ.

وحسب نشرة حي المال البريطاني، "سيتي أيه أم"، فإن هنالك تنسيقاً جرى قبل قمة مجموعة السبع لبناء موقف مشترك بين الاقتصادات الثلاثة الكبرى في أوروبا، وهي كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا لدعم استراتيجية بايدن، وربما ستنضم لهذه الدول إيطاليا التي لها مصالح قوية مع الصين.
على صعيد محاصرة مشاريع "الحزام والطريق"، التي تستهدف إنشاء مشاريع بنى تحتية مكلفة لربط أسواق أوروبا وآسيا بالبضائع الصينية وإيصالها مباشرة عبر البحار والقطارات والناقلات، وصرفت الصين حتى الآن أكثر من تريليون دولار عليها، تقوم استراتيجية بايدن في محاصرة "الحزام والطريق" على زيادة الإنفاق على البنى التحتية في آسيا وأوروبا.

وقد خصص بايدن ميزانية 2.3 تريليون دولار لتحديث البنى التحتية في الولايات المتحدة، بينما تحث إدارته دول المجموعة الغنية على زيادة الإنفاق في البنى التحتية.

محاصرة مشاريع "الحزام والطريق"، التي تستهدف إنشاء مشاريع بنى تحتية مكلفة لربط أسواق أوروبا وآسيا بالبضائع الصينية وإيصالها مباشرة عبر البحار والقطارات والناقلات

في هذا الشأن، حثت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين يوم السبت نظراءها في مجموعة السبع على مواصلة الدعم المالي لاقتصاداتهم على الرغم من التضخم "المؤقت" الذي قالت إنه سيظل مرتفعاً خلال بقية العام. كما حثت يلين دول الاتحاد الأوروبي على زيادة الإنفاق في مشاريع البنى التحتية والبيئة وتقديم الدعم المالي لدول آسيا على تحديث مشاريع الطرق والجسور والموانئ، حتى تقطع الطريق أمام مشاريع "الحزام والطريق" الصينية.
وربما سيسعى بايدن في هذه القمة إلى إلغاء العديد من الرسوم الجمركية والتعرفات التجارية التي فرضتها إدارة دونالد ترامب على بعض الصادرات الأوروبية في سبيل كسب دول الاتحاد الأوروبي في "التحالف الرأسمالي الديمقراطي" الرامي إلى عزل الصين. وتبدو إدارة بايدن غير راضية عن الاتفاق الاستثماري الذي وقعته بكين مع دول الاتحاد الأوروبي في بداية العام الجاري. وربما ستقدم إغراءات لدول الاتحاد، خاصة ألمانيا وإيطاليا لحثها على وقف التعاون مع بكين.

وكانت إيطاليا من بين الدول الأوروبية التي انضمت لمبادرة "الحزام والطريق" ووقعت اتفاقاً قبل 3 أعوام، وبالتالي ربما تحتاج إلى مساعدات مالية أميركية لوقف ذلك التعاون.
على الصعيد الألماني حيث توجد التقنيات الرفيعة، تسعى واشنطن إلى إقناع ألمانيا بتشديد قوانين تملك الشركات الأجنبية لحصص أغلبية في شركاتها، وبالتالي التضييق على الشركات الصينية الراغبة في الاستحواذ على شركات ألمانية.

ويلاحظ أن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وخلال فترة رئاستها للحكومة التي امتدت لنحو 15 عاماً وستنتهي في سبتمبر/ أيلول المقبل كانت متساهلة مع كل من الصين وروسيا في هذا الشأن وفق مراقبين.
ويرى محللون ألمان أن الشركات الألمانية الكبرى التي لديها مصالح تجارية كبرى في السوق الصيني كانت وراء هذا التساهل، كما وظفت روسيا بعض الساسة لخدمة مصالحها، خاصة في مشروع مد خطوط أنابيب الغاز،" نورد ستريم 2" الذي تعارضه واشنطن بشدة.

أوقفت برلين صفقة تملك مجموعة صينية كبرى لشركة ألمانية صغيرة، رغم المبالغ المغرية التي قدمتها لشرائها

وحسب صحيفة" فاينانشيال تايمز"، فإن عدم الثقة بين ألمانيا والصين بدأ يتزايد خلال العام الجاري على الرغم من توقيع اتفاقية الاستثمار المشترك بين بكين وبروكسل، حيث أوقفت الحكومة الألمانية عدداً من صفقات تملك المجموعات الصينية لشركات تقنية ألمانية.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أوقفت برلين صفقة تملك مجموعة صينية كبرى لشركة ألمانية صغيرة، رغم المبالغ المغرية التي قدمتها لشرائها، وهي شركة "آي أم أس تي" المتخصصة في تقنيات الرادار والأقمار الصناعية.
وعلى الرغم من أن الشركة لا توظف سوى 145 شخصاً ولم يسمع بها أحد خارج ألمانيا، إلا أنها كانت مهمة جداً للصين التي تبحث عن تقنيات متطورة تسد الثغرات في نظم الاتصالات "جي 5" التي حاصرتها إدارة ترامب. في هذا الصدد، قال مسؤول ألماني لصحيفة فاينانشيال تايمز "لم نمنع الصفقة فقط لأسباب تخص تصنيع الأسلحة، ولكن بسبب التقنية الرفيعة التي تملكها الشركة وتتميز بها ألمانيا".
وتعد ألمانيا قطعة الشطرنج الرئيسية في كسب أوروبا لمصلحة "تحالف الديمقراطيات الرأسمالية". وإلى جانب أهميتها في تشكيل الرأي والاقتصاد الأوروبي، تعد ألمانيا من كبار شركاء التجارة مع الولايات المتحدة.

 إذ بلغ حجم التجارة السنوي بين البلدين قبل جائحة كورونا نحو 187 مليار دولار في عام 2019، من بينها 60 مليار دولار صادرات أميركية لألمانيا و127 مليار دولار صادرات ألمانية إلى الولايات المتحدة، وذلك حسب بيانات موقع "ستاتيستا" التي تعنى بالتجارة الخارجية بين الاقتصادات الكبرى.

ومقارنة بالصين، وبحسب إحصائيات "يورو ستات" في بروكسل، بلغ حجم التجارة المشتركة بين الصين وأوروبا 650 مليار دولار في العام الماضي 2019. ويميل الميزان التجاري لمصلحة الصين. وبلغ حجم الصادرات الأوروبية إلى الصين 242 مليار دولار، بينما بلغت الواردات الأوروبية من الصين نحو 442 مليار دولار في عام 2019. وبالتالي فإن برلين ستواصل حساب مصالحها التجارية بعد تواري ميركل عن الساحة السياسية.

كما أن مصالح التجارة مع السوق الصيني ربما تشكل عقبات أمام تنفيذ أوروبا سياسة احتواء صارمة تجاه بكين، فهنالك آلاف الشركات الأوروبية التي تصنع في السوق الصيني بكلفة رخيصة وتبيع منتجاتها في الأسواق الأوروبية بأسعار مرتفعة.
على الصعيد الآسيوي، فإن العداء المتطور بين الهند والصين يشكل منصة مريحة للرئيس بايدن في تنفيذ استراتيجية الاحتواء المشترك للصين. في هذا الشأن، تواصل اليابان تحفيز شركاتها مالياً على الانسحاب من السوق الصيني.

بلغ حجم الصادرات الأوروبية إلى الصين 242 مليار دولار، بينما بلغت الواردات الأوروبية من الصين نحو 442 مليار دولار في عام 2019.

وتعد اليابان من أكثر الدول تضرراً من تمدد الشركات الصينية في الأسواق العالمية، وتتهم طوكيو الصين بسرقة حقوق الملكية من شركاتها وابتزاز الشركات بالتنازل عن بعض حقوقها مقابل السماح لها بالتجارة في السوق الصيني أو التصنيع، وبالتالي فإن خطة محاصرة الصين ربما تحظى بدعم كبير في هذه القمة رغم الاعتراضات من بعض الأعضاء.
وتؤرخ قمة الدول الغنية التي ستعقد في منتجع كورنويل جنوب غربي إنكلترا، لأول قمة دولية تحظى بالحضور الشخصي لرؤساء الدول، كما أنها كذلك أول قمة كبرى تعقد في بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.

المساهمون