استثمارات وهمية في غزة: مصيدة الأرباح الخيالية

31 مايو 2023
الأوضاع المعيشية الصعبة دفعت بعض سكان غزة إلى البحث عن الربح السريع (الأناضول)
+ الخط -

تزايدت في قطاع غزة قضايا الاحتيال والنصب المرتبطة بشركات محلية تعمل بشكل "وهمي" في مجال الاستثمار في العملات الرقمية، في وقتٍ تحظى بإقبال لافت من الفلسطينيين، رغم تحذير الجهات الحكومية والخبراء منها ومن نماذج أعمالها.

وفي العام الجاري برزت قضايا نصب متعلقة بأكثر من شركة، دفع بعضها النيابة العامة في غزة للتدخل وإغلاق شركتين وملاحقة آخرين لوقف الاستثمار في هذا المجال نظرًا للشكاوى المتكررة التي قدمت من المستثمرين وبعض المراقبين تجاه خطورة عمل هذه الشركات. 

إغراء المستثمرين 

تقوم هذه الشركات على مبدأ إغراء المستثمرين بالأرباح تحت شعار الاستثمار في مجال العملات الرقمية والإلكترونية من خلال تقديم أرباح دائمة للمودعين لديها بنسبة معينة دون أي حديث عن خسائر وهو ما يدفع الآلاف للاتجاه نحو هذا الاستثمار.

وشهدت بعض القضايا التي أثارت ضجة في الشارع الفلسطيني في غزة، قيام بعض المستثمرين بوضع مبالغ مالية من 50 إلى 100 ألف دولار من أجل الاستثمار، قبل أن يخسر عدد منهم هذه الأموال نتيجة إفلاس هذه الشركات وعدم قدرتها على السداد أو استرجاع رأس المال.

اللافت أن هذه القضايا المتعلقة بالاستثمارات الوهمية أو التسويق الهرمي تكررت عشرات المرات في القطاع المحاصر إسرائيليًا منذ عام 2006، إلا أن تكرارها لم يسهم في تغير التعامل الشعبي معها أو حتى التدخل الحكومي الذي عادة ما يأتي متأخرًا وبعد إفلاس أصحاب هذه المشاريع.

وعلاوة على ذلك فإن الملاحظ في الفترة الأخيرة أن هذه القضايا لم تعد ترتبط بشركات عالمية أو خارجية، بل باتت مرتبطة بشركات محلية يديرها فلسطينيون وأشخاص داخل القطاع، يروجون لفكرة العملات الرقمية والتداول الخاص بها دون أن يمتلك أصحاب رؤوس الأموال أي ثقافة في هذا الجانب. 

وقف الشركات 

وسبق أنّ أصدرت وزارة الاقتصاد الوطني في غزة عدة قرارات بوقف عمل هذه الشركات في غزة وعدم السماح بالتداول أو حتى التدريب في هذا المجال، إلا أن ذلك لم يمنع الشركات والأفراد من مواصلة العمل بشكلٍ معلن وغير معلن.

علاوة على ذلك، فقد كشفت بعض هذه القضايا قيام عدد من أصحاب رؤوس الأموال ببيع منازلهم أو الحصول على أموال عن طريق البنوك أو الاستدانة من أجل الاستثمار في مثل هذه الشركات فضلاً عن إجمالي المبالغ المالية الكبيرة التي تجاوز بعضها 15 مليون دولار أميركي. 

تحقيقات رسمية

بحسب النيابة العامة، فإن إحدى أبرز القضايا التي ما زال التحقيق سارياً فيها حتى الآن، بلغت القيمة التقديرية لما تم ضبطه من أموال منقولة وغير منقولة وفق التحقيقات الأولية أكثر من 2.6 مليون دولار، إلى جانب ضبط ذهب وعقارات وبضائع وممتلكات أخرى، من أصل نحو 17 مليوناً.

ووفق التحقيقات التي تقوم بها الجهات النيابية فإن عدد المواطنين المجني عليهم في هذه الواقعة فقط يقدر بـ (5932) شخصاً وفق ما هو وارد في بيانات الشركة المتحفظ عليها من قبل النيابة العامة، فيما بلغت قيمة رأس المال المودع لدى الشركة المذكورة ما يقارب 17.6 مليون دولار، في حين بلغ عدد المواطنين المجني عليهم الذين استردوا رؤوس أموالهم دون زيادة (366 شخص).

أما عدد المواطنين الذين حصلوا على مبالغ مالية تزيد عن رأس مالهم المودع 1102 شخص، في حين بلغ عدد المواطنين المجني عليهم الذين لم يستردوا رؤوس أموالهم (4464 شخص)، بقيمة 12 مليون دولار، حسب تحقيقات النيابة. 

استمرار الشكاوى 

في هذا الإطار، يؤكد المتحدث باسم النيابة العامة في غزة أحمد السوسي أن التحقيقات في هذه القضية ما تزال تسير بشكل مكثف ومتواصل وهي تستغرق وقتاً، نظرا للاستمرار في استقبال الشكاوى من المواطنين المستثمرين في هذه الشركات وإتمام الإجراءات القانونية.

ووفق حديث السوسي لإذاعة الأقصى المحلية فقد تم ضبط أموال وأصول مسجَّلة باسم الشركة ومديرها، وهناك حتى اللحظة مبالغ مالية وأرباح مع المواطنين الذين استثمروا مع الشركة، إذ إن المبالغ التي تم ضبطها حتى اللحظة ليست بسيطة وسيتم الكشف عنها فور انتهاء التحقيقات. 

أسباب ودوافع 

وعن الأسباب والدوافع وراء تكرار هذه الظاهرة في غزة، يرجع الصحافي والباحث في الشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر، أسباب ذلك إلى أن المواطنين يذهبون للاستثمار الوهمي بسبب السهولة إلى جانب بحثهم عن الأشياء المربحة بأقل أضرار أو أخطار ممكنة فيما يتعلق برؤوس الأموال.

ويقول أبو قمر لـ "العربي الجديد" إن من بين الأسباب التي تدفع نحو هذه الاستثمارات هو الجهل وعدم الدراية الكاملة في مثل هذه الاستثمارات، حيث إن المحتال يسبق المجني عليه بخطوة أو خطوتين على الأقل، لا سيما في قضايا متعلقة بالتجارة الإلكترونية أو العملات الرقمية.

ويوضح أن هذه الشركات تروج لفكرة الربح المضمون دون أي إشارة للخسائر وهو ما يعزز من قناعة أصحاب رؤوس الأموال بهذه الاستثمارات، فضلاً عن نسبة الأرباح التي تروج الشركات لها بنسب تتراوح ما بين 30 إلى 40% خلال فترة قصيرة للغاية.

ووفق أبو قمر، فإن المواطنين باتوا يبحثون عن هذه المشاريع باعتبارها ذات عوائد مالية أكبر من المشاريع التقليدية التي تتراوح فيها نسبة الربح ما بين 3 إلى 4%، عدا عن بحث فئة كبيرة عن الثراء في أقصر فترة زمنية ممكنة في ظل الواقع الاقتصادي السيئ.

ويؤكد الصحافي والباحث في الشأن الاقتصادي على عدم وجود استثمارات بلا خسائر كما تروج هذه الشركات، فالحديث عن أرباح مرتفعة تتراوح ما بين 30 إلى 50%، يجب أن يقابله خسائر موازية بمثل هذه النسبة وهو ما تنفيه هذه الشركات وأصحاب مثل هذه الاستثمارات.

وتنعكس مثل هذه الاستثمارات بالسلب على المواطنين وأصحاب رؤوس الأموال نظرًا لكون الأموال المستثمرة في هذه الشركات الوهمية عبارة عن ادخارات أو عقارات، وهو ما ينعكس بالسلب على المشهد الاقتصادي فضلاً عن الآثار الاجتماعية المترتبة على هذه المشاريع، إضافة لسحب السيولة النقدية من الأسواق في ظل البيئة الاقتصادية المعقدة نتيجة الحصار وتلاحق الحروب الإسرائيلية. 

الثراء الفاحش

في المقابل، يوضح المختص في الشأن الاقتصادي محمد أبو جياب أن البحث عن الثراء الفاحش في ظل واقع معقد وسيئ كالقطاع، هو السبب الرئيسي وراء تكرار هذه التجارب وعدم انقطاعها رغم تحذيرات المختصين والجهات الحكومية في غزة عدة مرات.

ويقول أبو جياب لـ "العربي الجديد" إن القضايا التي أثارت ضجة في الرأي العام الفلسطيني المحلي لم تكن الأخيرة إذ تبعها قضايا ذات طابع أقل من الناحية المالية الإجمالية، وهو ما يعكس أن هناك فجوة في وعي المواطنين رغم التحذيرات المتكررة.

ويؤكد التداعيات السلبية المترتبة على هذه المشاريع كونها تعمل على سحب السيولة النقدية وتوجيهها نحو مشاريع وهمية لا علاقة لها بالاستثمار، خصوصا في واقع القطاع الذي يتم فيه تجفيف المنابع المالية بسياسات إسرائيلية مدروسة تستهدف إبقائه تحت الضغط.

ويرى المختص في الشأن الاقتصادي أن القضايا التي ارتبطت بالعملات الإلكترونية الرقمية والشركات الوهمية لن تكون الأخيرة، نظرا لاستمرار بحث الكثيرين عن الربح المضمون والنسب المرتفعة، بعيدا عن الاستثمارات التقليدية ذات الربح البسيط.

المساهمون