استمع إلى الملخص
- يعاني العديد من العراقيين من ضغوط مالية تدفعهم للسكن بالإيجار أو في المناطق العشوائية، حيث تفتقر الأسر ذات الدخل المحدود إلى الدعم الحكومي لامتلاك منزل.
- تعود الأزمة إلى عوامل اقتصادية واجتماعية مثل الفقر والبطالة، ورغم وجود مشاريع سكنية فخمة، إلا أنها لا تلبي احتياجات الفقراء، بينما قد توفر المشاريع الحكومية الجديدة حلاً مناسباً.
يؤكد مختصون بقطاع العقارات في العراق أن الطلب على إيجار المنازل الصغيرة والرخيصة في البلاد يشهد ارتفاعاً كبيراً حتى لو كانت قديمة ومتهالكة وبمناطق عشوائية.
ويواجه العراق أزمة سكن متفاقمة تؤثر على شريحة كبيرة من المجتمع، في ظل تزايد عدد السكان واستمرار التحديات الاقتصادية؛ ما جعل السكن بالإيجار الرخيص والعشوائيات حلاً اضطرارياً لملايين الأسر العراقية.
ووفقاً للتعداد العام للسكان والمساكن الذي أجري خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بلغ عدد سكان العراق أكثر من 45 مليون نسمة، وبلغ عدد الأسر 7 ملايين و898 ألفاً و588 أسرة، وبحسب ما جاء في التعداد أيضاً، بلغ عدد المساكن 8 ملايين و37 ألفاً و221 مسكناً.
ويذكر عيسى الحمد الذي يدير مكتباً للعقارات في بغداد لـ"العربي الجديد" إن عدة أسباب تقف وراء ارتفاع الطلب على استئجار المنازل البسيطة والصغيرة وهي تتنوع بين عوامل اقتصادية واجتماعية. وأوضح أن هذه العوامل تتعلق بازدياد شريحة العوائل ذات الدخل المحدود التي تبحث عن مساكن تتناسب مع إمكاناتها المالية، وارتفاع تكاليف المعيشة، مما يدفع الأسر إلى تقليل النفقات السكنية.
وأضاف أن تدهور الوضع الاقتصادي زاد من أعباء الطبقة الوسطى والفئات الفقيرة، يضاف إليها ارتفاع أسعار المساكن الجديدة؛ مما يجعل المنازل القديمة في الأحياء الفقيرة خياراً وحيداً أمام الكثيرين.
وأشار المختص العقاري إلى أن السوق يشهد تنافساً كبيراً على هذه الفئة من المنازل، ما يعكس حجم الأزمة السكنية في البلاد.
وفقًا لتقارير رسمية، يحتاج العراق إلى حوالي 3 ملايين وحدة سكنية لتغطية العجز السكني المتزايد. وعلى الرغم من أن نسبة ملكية المنازل تصل إلى 74%، ما زالت هناك 1.5 مليون أسرة تعيش بالإيجار، في ظل الارتفاع المستمر بأسعار العقارات والإيجارات.
في حي جميلة، أحد أحياء شرقي بغداد، يعيش فاضل الكعبي مع أسرته المكونة من أربعة أشخاص ووالدته في منزل صغير مستأجر. يروي الكعبي لـ"العربي الجديد" معاناته اليومية قائلاً: "رغم عملي في وظيفة حكومية ومزاولتي أيضاً العمل في تجارة بيع الأثاث المستعمل، لكني لا أستطيع جمع ما يكفي لشراء منزل. الدخل بالكاد يغطي الإيجار ومصاريف الأسرة اليومية".
أسعار عقارات العراق
الكعبي الذي يعمل أكثر من 12 ساعة يومياً، يجد نفسه محاصراً بين متطلبات الحياة وتكاليف السكن الباهظة. يضيف: "أسعار العقارات في العراق ارتفعت بشكل جنوني، ولا توجد برامج حكومية تدعم محدودي الدخل لامتلاك منزل. الإيجار يستنزف نصف راتبي، والباقي يذهب للطعام والتعليم والدواء".
حالة الكعبي تعكس معاناة ملايين العراقيين الذين اضطروا إلى السكن بالإيجار بسبب عدم قدرتهم على شراء منزل، في ظل عجز حكومي عن سد العجز السكني البالغ 3 ملايين وحدة.
تتحدث أم أحمد لـ"العربي الجديد" عن ظروفها الصعبة قائلة: "بعد وفاة زوجي لم يكن أمامي خيار سوى العيش هنا. السكن في العشوائيات أوفر مالياً رغم انعدام الخدمات وغياب الأمان".
تتحمل أم أحمد أعباء الحياة بصعوبة؛ إذ يعمل ولداها أحمد (18عاماً) وأمجد (16 عاماً) في ورشة لإصلاح السيارات ويتوليان الإنفاق على الأسرة، بينما تدرس بناتها الثلاث، إحداهن طالبة جامعية واثنتان في المرحلة الثانوية.
وتقول أم أحمد بفخر: "رغم الظروف الصعبة، أحرص على تعليم بناتي، فالتعليم هو الأمل الوحيد لمستقبل أفضل".
لكن الحياة في المناطق العشوائية ليست سهلة، كما تؤكد أم أحمد: "لا توجد مياه صالحة للشرب، ولا كهرباء منتظمة. كل شيء يعتمد على جهودنا الذاتية"، مستدركة، "لكن مع ذلك، أعتبر هذا المنزل مأوى آمناً لعائلتي مقارنة بالعيش بالإيجار".
ومع تفاقم أزمة السكن، باتت المناطق العشوائية الحل الوحيد للعديد من العائلات التي لا تستطيع تحمل تكاليف الإيجارات المرتفعة أو شراء المنازل.
تحدث الخبير الاقتصادي علي حسين لـ"العربي الجديد" عن أسباب اضطرار العديد من العراقيين للسكن في منازل للإيجار أو المناطق العشوائية، مشيراً إلى أن الأزمة السكنية في العراق تعود إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية.
ويلفت إلى أن هذه العوامل تتلخص بارتفاع معدلات الفقر والبطالة، إلى جانب غياب التخطيط العمراني الفعّال، مع الارتفاع المستمر في أسعار العقارات ما جعل من الصعب على شريحة كبيرة من العراقيين امتلاك منزل أو حتى تأمين سكن لائق بالإيجار. وتفيد وزارة التخطيط الاتحادية، بأن نسبة الفقر في البلاد تبلغ 17%.
وأخذت تنتشر في العراق خلال السنوات الأخيرة مشاريع عديدة لمجمعات سكنية وتوفرت عشرات آلاف الوحدات السكنية، لكن حسين يقول إن هذه المجمعات مشاريع استثمارية فخمة وأسعارها باهظة لا يمكن للطبقة الفقيرة السكن فيها.
لكن المشاريع السكنية التي تبنتها الحكومة أخيراً ستكون حلاً مثالياً لأنها ستوفر أكثر من 200 ألف وحدة سكنية، مدعومة من قبل الدولة، وفق الخبير الاقتصادي.