ارتفاع الأسعار يرهق الأسر الموريتانية في رمضان
- الحكومة الموريتانية اتخذت إجراءات للسيطرة على الوضع مثل إغلاق المحلات لمنع المضاربة، لكن أسعار الدقيق، الزيت، الطماطم، البطاطس، والبصل سجلت ارتفاعًا كبيرًا، مما زاد العبء على المستهلكين.
- الأزمة أثارت قلق الباحثين والمواطنين، مطالبين بإجراءات عاجلة لمواجهة غلاء الأسعار وتحقيق الأمن الغذائي، وحذروا من أن استمرار الأزمة قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية ويعرقل التنمية في موريتانيا.
منذ بداية شهر رمضان الكريم والموريتانيون يعانون من ارتفاع غير مسبوق في أسعار المواد الاستهلاكية بشكل أثر سلبا في قدرتهم على اقتناء ما يلزم لإعداد مائدة الإفطار وممارسة عاداتهم المتوارثة منذ سنين بمساعدة المحتاجين وتوزيع مؤونة رمضان وتبادل الأطباق التقليدية بين العوائل والجيران وإعداد ولائم الإفطار والسحور العائلية الكبيرة.
وتضاعفت أسعار المواد الغذائية خاصة الأكثر استهلاكا في رمضان واختفى بعضها من الأسواق كأسلوب متبع من قبل الموردين والتجار لرفع أسعارها واحتكار تحديد السعر حسب المتوفر منها.
غير أن التجار يرمون باللائمة على السلطات بسبب الزيادات الجمركية التي فرضتها أخيرا على السلع الغذائية، ويقولون إن زيادة الإقبال على المواد الأكثر استهلاكا في رمضان وعدم استيراد ما يكفي منها تسببا في ارتفاع أسعارها.
واضطرت الحكومة إلى إغلاق بعض المحلات التجارية والمراكز الكبرى خلال الأسبوع الثاني من رمضان "لمنع المضاربة في أسعار بعض المواد الغذائية"، حسب بيان وزارة التجارة والصناعة التي أكدت أنها اتخذت مجموعة من الإجراءات للحفاظ على استقرار أسعار المواد الأساسية في رمضان وضمان توفرها في جميع منافذ البيع.
وسجلت أسعار الدقيق والزيت ارتفاعا كبيرا فيما تضاعف سعر الطماطم ليصل إلى 700 أوقية (الدولار = نحو 40 أوقية) للكيلوغرام الواحد، وارتفع سعر البطاطس والبصل بنحو 40 بالمائة، بينما سجلت بقية أصناف الخضار والفواكه ارتفاعا بنحو 35%.
جشع التجار وحيرة المستهلكين
في الأسواق التجارية حيث يتركز إقبال الزبائن على البقالات ومحال بيع الخضر والفواكه واللحوم، يجد معيلو الأسر وربات البيوت أنفسهم مضطرين إلى القبول بالأسعار التي يفرضها التجار في غياب تام لمراقبة السلطات لأنشطتهم وللأسعار التي يرفعونها كل فترة.
في هذا الصدد تقول عائشة الطالب (ربة بيت): "أحاول أن أشتري كل ما أحتاجه من السوق المركزي بالعاصمة خشية أن تكون الأسعار في البقالات الموجودة بالأحياء السكينة مرتفعة، لكني أجد الأسعار حتى بالسوق المركزي أيضا مرتفعة".
وسعيا منها لتوفير بعض المال وشراء ما يلزمها لمائدة الإفطار، تبتعد عائشة عن مركز السوق الذي لم تناسب أسعاره ميزانيتها وتواصل بحثها تحت شمس حارقة عن بضائع بسعر أقل مما يوجد داخل السوق.
وتتجول بين البسطات والمحال المتراصة على جنبات سوق العاصمة علّها تجد ما يناسب ميزانيتها، وفي النهاية وأمام سباقها مع الزمن الذي يفرض عليها العودة مبكرا لإعداد الإفطار الرمضاني، تستسلم عائشة للأمر الواقع وتقبل بشراء كميات أقل مما كانت ترغب بشرائه.
أما علي أحمدو (متقاعد) فيستغرب حال السوق المكتظ بالأمواج البشرية المتدافعة رغم ارتفاع الأسعار.
ويقول في حديثه لـ "العربي الجديد": "رغم الاكتظاظ، معظمهم لم يشتروا شيئا.. هم يجوبون المكان ذهابا وإيابا بحثا عن أسعار أقل". ويضيف: "مع مرور النصف الأول من رمضان زادت وتيرة النشاط في الأسواق رغم ارتفاع أسعار الزيت والدقيق والسكر والخضروات بشكل كبير ومتسارع كل يوم بزيادة جديدة".
ويصف أحميدو حاله وحاله غيره قائلا: " الحال ضاق بمعيلي الأسر خاصة ذوي الدخل المحدود الذين لم يعد باستطاعتهم الوفاء بالمتطلبات المعيشية لأسرهم، داعيا السلطات إلى تحديد الأسعار وتشديد المراقبة على الأسواق وتغريم المضاربين".
أسعار تفوق قدرة الأسر
يقول الباحث الاقتصادي محمد محمود ولد أحمدو إن تأثير العادات الاجتماعية في مثل هذه المناسبات يجعل رب الأسر تحت ضغط اجتماعي وأسري؛ فهو من جهة يعاني من ضعف الراتب وما يفرضه التكافل الاجتماعي من واجبات، ومن جهة يعاني من ارتفاع تكاليف المعيشة سواء المتعلقة بالتعليم والعلاج وفواتير الكهرباء والتنقل.
ويضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أن ارتفاع الأسعار في رمضان زاد من عبء الأسر الموريتانية، ودفعها إلى التخلي عن عادات وأطباق مهمة كانت تزين مائدة الإفطار، ويؤكد أن "الأسعار التي تباع بها المواد الغذائية حاليا لا تناسب المستهلك الموريتاني حيث إن مؤونة أسبوع واحد لأسرة من 5 أفراد، قد تساوي في بعض الأحيان نصف راتب موظف حكومي".
وبحسب أحمدو فإن المشاريع التي قامت الدولة بتنفيذها لمحاربة غلاء الأسعار غير مجدية ولا تهدف إلى البحث عن حل حقيقي للمشكل.
ويقول: "محلات التآزر المدعومة والتي بادرت الحكومة بافتتاح لبيع السلع الاستهلاكية بأسعار أقل، لا إقبال عليها لأن المواطنين لا يجدون فرقا كبيرا في السعر. بالمقابل، فإن جودة السلع المعروضة بها أقل، حيث إن السلطات الإدارية لا تتدخل من أجل ضبط الأسعار، وفرض رقابة صارمة على التجار الذين يمارسون المضاربات".
وشدد أن على السلطات التدخل السريع والفعال لوقف فوضى الأسعار وإنقاذ المواطن البسيط الذي بات عاجزا عن توفير المواد الأساسية لأسرته بسبب الغلاء الذي تضاعفت وتيرته في شهر رمضان.
وأكد أن الدولة رصدت 13.8 مليار أوقية لمواجهة غلاء الأسعار، وأنفقت أكثر من 10 مليارات أوقية لدعم المشاريع الاجتماعية، لكن كل هذه الإجراءات والمشاريع تمت دون رقابة حقيقية ومحاسبة لتظل أسعار المواد الغذائية الأساسية مرتفعة.
إجراءات عاجلة
وينقلنا الباحث إلى خطوات عملية لتفادي الأزمة مجددا، حيث يدعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتنمية الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية وصيد الأسماك، وتحقيق اكتفاء ذاتي في إنتاج بعض السلع التي لا تتطلب سوى إرادة ودعم، مؤكدا ضرورة اتخاد إجراءات فورية لخفض الأسعار وتقديم المساعدات الغذائية للفئات الأكثر فقرا، مطالبا وزارة التجارة وحماية المستهلك بتحمّل مسؤولياتها في هذا الجانب، خاصة في الأرياف والأحياء الفقيرة والهشة.
ويحذر الباحثون من تفاقم أزمة غلاء المواد الغذائية وتأثيرها على نشوء اضطرابات اجتماعية وسياسية، ويؤكدون أنها تهدد السلم والاستقرار في المجتمع الموريتاني كما تمثل عقبة في طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ويطالبون بمحاربة الاحتكار والمضاربة بين التجار وتشديد الرقابة وفرض غرامات مالية كبيرة على المخالفين وضمان توفير المواد الغذائية، ويعتبرون أن زيادة الاستثمارات الرامية إلى تحسين الإنتاجية وتنمية الإنتاج الزراعي شرط أساسي لتحقيق الأمن الغذائي.