قفزت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا إلى مستويات قياسية جديدة، وسط مخاوف بشأن تعطل محتمل للإمدادات في أستراليا إذا فشل المنتجون في موقع رئيسي في إثناء العمال عن إضراب مثير للقلق.
ومع ارتفاع الأسعار يعود التجار الأوروبيون إلى دائرة الخوف، بينما كانوا قد تنفسوا الصعداء في الأيام الماضية، عقب صدور تقارير تفيد بامتلاء المخزونات بما يصل إلى 90% في منتصف أغسطس/آب الجاري.
وصعدت العقود المستقبلية للشهر الأقرب في هولندا (المعيار الأوروبي لسوق الغاز) بنسبة 18%، لتصل، إلى نحو 42.9 يورو لكل ميغاوات في الساعة (وحدة قياس أوروبية).
وقالت النقابات في أستراليا خلال عطلة نهاية الأسبوع، إن إضراب العمال في مشروع تصدير رئيسي يمكن أن يبدأ في الثاني من سبتمبر/أيلول المقبل، إن لم تقدم شركة "وودسايد إنرجي غروب" اتفاقية مناسبة بشأن زيادة الأجور. كما بدأ العمال في شركة "شيفرون" في أستراليا التصويت على إضرابات محتملة الأسبوع الماضي.
وهناك احتمال حدوث اضطرابات في الإمدادات في أستراليا، ما قد يهدد 10% من صادرات الغاز الطبيعي المسال العالمية، ما يربك الأسواق الأوروبية رغم أن القارة مليئة بالمخزون الجيد لفصل الشتاء، ورغم أنها نادراً ما تتلقى الوقود من أستراليا.
لكن تخفيضات الإمدادات الروسية في العام الماضي تركت أوروبا معرضة بشدة للتحولات في سوق الغاز العالمية. وإذا استمرت الإضرابات، وقيّدت شحنات الوقود إلى آسيا، فسيتنافس المشترون هناك مع أوروبا على شحنات بديلة.
وفي وقت سابق من أغسطس/آب الجاري، عززت التقارير الأولية عن الإضرابات المحتملة في أستراليا، الأسعار خلال يوم التداول، بنسبة تصل إلى 40%، مع تفاقم مخاوف الإمدادات بسبب مزيد من الاتجاه التصاعدي بين المتداولين.
وأشار محللون في مؤسسة "آي إن جي غروب" المالية العالمية في مذكرة، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية، إلى أن مخزون الغاز في أوروبا يكبح صعود الأسعار بشكل أكبر حالياً، لكنهم لفتوا إلى ضرورة وجود مزيد من الوضوح في وقت لاحق من الأسبوع. وأضافوا أنه "من الممكن حدوث تغيير كبير إذا توقف جزء كبير من التصدير الأسترالي، ولفترة طويلة من الزمن، على الأقل شهرا أو شهرين".
وأي انقطاع عن الخدمة، سيهدد كذلك قطاع تصدير الغاز الطبيعي المسال المحلي الذي قُدرت أرباحه بنحو 92 مليار دولار أسترالي (59 مليار دولار)، خلال السنة المنتهية في 30 يوليو/تموز الماضي.
ووفق تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أمس الاثنين، فإن "تحالف أوفشور"، الذي يمثل اتحادين عماليين، أكد أن العمال "أيدوا بالإجماع" إعطاء شركة "وود سايد" مهلة لمدة سبعة أيام عمل لتلبية مطالبهم قبل المضي قدما في الإضراب.
لكن ليو كابوش، محلل الغاز الطبيعي المسال في مؤسسة "إنرجي أسبكتس ليمتد" في لندن رأى في تصريحات لوكالة بلومبيرغ أن "المحادثات الأولية بين النقابات ومساهمي مشاريع الغاز الطبيعي المسال لم تسفر عن أي تقدم".
في غضون ذلك، مع التهديد بوقوع إضرابات محتملة يلوح في الأفق، فإن منشأة جورجون التي تديرها شركة "شيفرون كورب" تشهد تراجعاً بالفعل في بعض مبيعات السوق الفورية، حسبما قال متعاملون على دراية بالوضع لبلومبيرغ نيوز.
ويؤكد محللون أن أي إشارات على المضي قدماً في الإضراب قد تتسبب في اندفاع صعودي لأسعار الغاز حتى بداية الشتاء بسبب مخاوف تعطل الإمدادات.
يتزامن ذلك مع انخفاض شحنات الغاز الطبيعي إلى محطة تسييل "كوربوس كريستي" في الولايات المتحدة إلى 1.6 مليار قدم مكعبة يومياً، وفقاً لوحدة تحليل أسواق الطاقة التابعة لبلومبيرغ، مما زاد من الضغوط على الإمدادات العالمية. وبجانب هذه العوامل فإن السوق الأوروبية عرضة لاضطرابات وسط تأخيرات محتملة في جداول الصيانة الصيفية لكبار المنتجين في النرويج.
ورغم أن احتياطيات الغاز الطبيعي في أوروبا شارفت على الامتلاء وفق البيانات الرسمية، إلا أن ذلك قد لا يكون كافياً للقارة العجوز لتجاوز فصل الشتاء المقبل. وفي 16 أغسطس/آب الجاري بلغت سعة التخزين 90.1%، بحسب أحدث البيانات من مجموعة "غاز إنفراستراكتشور يوروب".
ويعتبر هذا أعلى مستوى مسجل لهذا الوقت من العام، وقبل الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وهو الموعد الذي وضعه الاتحاد الأوروبي للوصول إلى هذا الهدف. ومع ذلك، لم تصمم المخزونات لتوفير إمدادات الغاز الشتوية للمنطقة بكاملها. لذا فإن أزمة الطاقة في أوروبا لم تنتهِ بعد.
وأقرت المفوضة الأوروبية للطاقة كادري سيمسون في بيان، يوم الجمعة الماضي، بأن "سوق الغاز لا تزال حساسة"، على الرغم من تأكيدها أن أمن الطاقة في القارة "في وضع أكثر استقراراً بكثير مما كان عليه في هذا الوقت من العام الماضي".
ويبدأ موسم الشتاء في المنطقة رسمياً من أكتوبر/ تشرين الأول ويستمر حتى مارس/آذار. ويمكن أن يغطي التخزين ما يصل إلى ثلث طلب الاتحاد الأوروبي على الغاز في موسم التدفئة، وفقاً للمفوضية الأوروبية.
وعلى الرغم من أن أسعار الغاز الأوروبية أقل بنسبة 90% تقريباً من ذروتها في العام الماضي 2022، فإنّ توتر السوق والتقلبات الشديدة أمور موجودة لتبقى، نظراً لأن الإمدادات العالمية لا تزال شحيحة، بحسب "بلومبيرغ".
وحذرت ألمانيا بالفعل من أن مخاطر النقص ستستمر حتى أوائل عام 2027، ما لم تجرِ إضافة المزيد من البنية التحتية للغاز. وسيعتمد توازن السوق في العام المقبل على كمية الوقود التي سيجرى تخزينها بعد هذا الشتاء.
وذكرت نشرة "أويل برايس" الأميركية المتخصصة في الطاقة مؤخراً أن "المشكلة التي لا يريد السياسيون الأوروبيون التحدث عنها هي أنه طالما أن الاتحاد الأوروبي يعتمد على الغاز الطبيعي المسال، فإنّ أسعار الطاقة لن تنخفض كثيراً لسبب بسيط للغاية، وهو أن الغاز المسال لا يمكن أن يكون رخيصاً مثل غاز خطوط الأنابيب".
وكانت أسعار الغاز في أوروبا قد وصلت إلى مستوى غير مسبوق، خلال أغسطس/ آب 2022، عند 340 يورو لكلّ ميغاوات/ ساعة (99 دولاراً لكلّ مليون وحدة حرارية بريطانية)، مع إغلاق أنبوب "نورد ستريم 1" الذي ينقل الغاز الروسي، وتوقف بعض محطات تصدير الغاز المسال في أميركا وأستراليا بسبب الطقس السيئ.
وحذر محللون من أن الشتاء المقبل قد يكون أسوأ بكثير بالنسبة لأوروبا إذا عاد الطلب الآسيوي بقوة، بخاصة الصيني، واشتدت المنافسة بين الأسواق الأوروبية والآسيوية لجذب المزيد من إمدادات الغاز المسال.
ومن المحتمل أن تشهد سوق الغاز تبايناً في اتجاهات الاستهلاك بين المناطق، إذ تقود آسيا والمحيط الهادئ إلى جانب الشرق الأوسط وأفريقيا نمو الطلب العالمي، في حين أن من المرجح تراجعه في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية وأوراسيا، بسبب الركود الاقتصادي المتوقع والتأثر بتداعيات الحرب الروسية والعقوبات المفروضة على موسكو.
وتوقعت وكالة الطاقة الدولية في تقرير مؤخراً ارتفاع استهلاك الغاز الطبيعي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى 923 مليار متر مكعب خلال 2023، بعد تقديرات بنحو 895 مليار متر مكعب في 2022، بقيادة الصين، التي من المرجح أن تشهد زيادة 20 مليار متر مكعب في الطلب، ليسجل 390 مليار متر مكعب.