سيطر جنون أسعار البقر والماعز والخراف على الأسواق في مصر قبيل أيام من عيد الأضحى. ارتفعت الأسعار، مع قلة المعروض من الأضاحي، ما دفع إلى ندرة في الطلب. أصيبت تجارة اللحوم الأسواق بارتباك شديد من منابعها في المزارع المنتشرة في المحافظات، والشحن الواردة من الخارج، بسبب مشاكل سلاسل التوريد وشح الدولار، وعطلت الحرب في السودان، أفضل مورد للأضاحي، وصول الشحنات المعتادة سنويا، بنحو 90 ألف رأس و100 ألف طن من اللحوم الطازجة.
بدت "شوادر" اللحوم، التي تفترش الميادين والشوارع الرئيسية قبل العيد الأضحى بأسابيع، خاوية على عروشها. يبرر أحد تجار الماشية في مزارع النوبارية، غرب القاهرة، علي خميس، تراجع المعروض لتوقف أغلبية الفلاحين عن تربية المواشي والأغنام، بسبب ارتفاع تكلفة العلف، والأدوية البيطرية والرعاية التي تحتاجها الأضاحي لمدة تصل إلى عامين.
يشير خميس لـ"العربي الجديد" إلى أن البقرة تأكل بنحو 150 جنيها يوميا (الدولار = نحو 30.95 جنيها)، ما يشكل صعوبة على الفلاح البسيط في تدبير هذه النفقات.
ويؤكد أن المزارع الكبرى، التي تعتمد على استيراد العجول من إسبانيا والولايات المتحدة، أصبحت أكثر حرصا عند التوسع في الإنتاج، خوفا من تذبذب الطلب، وزيادة تكلفة التشغيل والرعاية الطبية.
يشير تجار الأضاحي إلى ارتفاع كبير في أسعار اللحوم، فالكيلوغرام القائم الجاموسي يبدأ بـ140 جنيها في مناطق جنوب وادي النيل، و160 في محافظات الدلتا، ويباع كيلو الأضحية من الضأن بما بين 160 – 170 جنيها لدى التجار، ويرتفع الماعز إلى 180 جنيها، في حين يبلغ سعر كيلو اللحم ضعف ثمن الكيلو القائم. وزاد سعر اللحوم السودانية الطازجة من 250 إلى 350 جنيها للبقري، والجملي من 280 إلى 330 جنيها.
يشير تاجر المواشي في مدينة المنيا، جنوب العاصمة، أحمد الواعر، إلى أن ندرة العرض من الأضاحي أدت إلى تشدد ملاكها في التمسك بالأسعار التي تزيد بنسبة 45% للكيلو القائم، و100% للحم الصافي، عن عيد الأضحى للعام الماضي.
يتوقع نائب شعبة القصابين هيثم عبد الباسط أن تشهد أسعار اللحوم زيادة هائلة خلال الأيام المقبلة، لعدم تحرك الحكومة خلال الأشهر الماضية لدعم صغار المربين بالأعلاف والأدوية، لمساعدتهم في الاحتفاظ بقدرتهم على تربية المواشي، داخل منازلهم وحظائرهم، باعتبارهم القوى الضاربة القادرة على توفير لحوم رخيصة للمواطنين في المناطق الريفية والشعبية.
يشير عبد الباسط لـ"العربي الجديد" إلى أن تجار المزارع الكبرى يتحكمون حاليا في تسعير اللحوم، مع تحكمهم في الكميات الكبيرة التي يمكن أن تساهم في توفير العرض اللازم، مع زيادة الطلب خلال فترة عيد الأضحى، لافتا إلى أنه كلما زادت أسعار اللحوم، يتعرض الجزارون لخسائر ناتجة عن ارتفاع تكاليف الإنتاج، والمخاطر التي يتحملونها، مع توقعهم ركودا في الطلب من جمهور يعاني من غلاء كافة أسعار السلع والاحتياجات الأساسية، وتراجعا في الدخل وقيمة الجنيه.
جاءت أسعار اللحوم على رأس السلع الغذائية الأساسية التي أصابها التضخم خلال شهر مايو/ أيار الماضي، حيث بلغت 87.9% بما أعاد التصاعد في معدلات التضخم إلى قمة غير مسبوقة، بمعدل 33.7% في نفس الشهر على أساس سنوي.
دفعت الزيادة المتكررة في أسعار اللحوم إلى تخلي 85% من المصريين عن تناولها أسبوعيا، وفقا للخطط المنزلية التي فرضها تراجع الجنيه بنحو 60% من قيمته منذ مارس 2022.
انخفضت أعداد المواطنين الراغبين في شراء الأضاحي، بينما ارتفعت الدعوات من أئمة المساجد لحث الناس على تحمل أعباء الأضحية وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين والأصدقاء، آملين أن تساعد كثرة الأضاحي في إدخال المسرة على نسب كبيرة من المصريين الذين انهارت مراكزهم المالية تحت ضغوط الغلاء، وغرقت الأكثرية منهم في دوامة الفقر، مع وجود 33% منهم في دائرة الفقر المدقع، لا يتذوقون اللحم طوال العام إلا في هذه المناسبة.
وارتفعت أسعار الأعلاف بما يعادل 3 أضعاف خلال عام محليا، بينما تتراجع عالميا وعادت إلى أقل من المعدلات السائدة قبل الحرب الروسية على أوكرانيا فبراير/ شباط 2022.
يباع طن العلف بما بين 23 ألفا إلى 24 ألف جنيه، بانخفاض 1000 جنيه للطن عن الشهر الماضي، بعد أن وفرت الحكومة دعما عاجلا للإفراج عن شحنات أعلاف متراكمة في الموانئ منذ 3 أشهر.
وعود تجار الأعلاف بخفض أسعار الأعلاف بنسبة 25% قبيل عيد الأضحى لم تصل إلى أرض الواقع، حسب مربين أكدوا لـ"العربي الجديد" أن التراجع في الأسعار تراوح ما بين 300 إلى 1000 جنيه فقط للطن، بسبب ركود الطلب من جانب المربين، مع تشدد تجار الأعلاف في الاحتفاظ بما لديهم من مخزون والتحكم في الكميات المعروضة بالأسواق، مع استمرار ضبابية الحالة الاقتصادية وعدم ثقتهم في استمرار الحكومة بتدبير الدولار للموردين، وتوقع تراجع الجنيه خلال الفترة المقبلة إلى ما دون 40 جنيها مقابل الدولار.
يقول وزير التموين المصري على المصيلحي، في تصريحات صحافية، إن وزارته ضخت كميات كبيرة من اللحوم الطازجة والمبردة في منافذ المجمعات الاستهلاكية، استعدادا للطلب على اللحوم خلال فترة العيد.
تحاول الوزارة تدبير بدائل الأضاحي التي ترد من السودان وتتعرض للنقص بسبب الحرب الدائرة بين العسكر. تأتي الأضاحي من الجمال والبقر والماعز السوداني عبر الطرق البرية وبمعدلات متفاوتة وشحيحة، منذ اندلاع الحرب.