إيران على خطى مصر

31 يوليو 2018
المعالجة الأمنية لم تمنع انهيار الريال الإيراني(فرانس برس)
+ الخط -

 

تسير إيران على خطى مصر وغيرها من الدول التي استخدمت الأسلوب الأمني في معالجة أزمة اقتصادية ونقدية بحتة، فقبل قرار تعويم الجنيه المصري في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2016، باتفاق مع صندوق النقد الدولي، حاول البنك المركزي المصري والسلطات الأمنية استخدام كل الوسائل في معالجة اضطرابات سوق الصرف والارتفاعات المتواصلة لسعر الدولار مقابل العملة المحلية وتفاقم أزمة السوق السوداء للعملة.

وطغت الوسائل الأمنية على المعالجات الاقتصادية والمالية لأزمة سوق الصرف حينئذ، فصدرت قرارات إدارية بإغلاق معظم شركات الصرافة وفروعها لمخالفتها قانون البنوك والنقد الأجنبي، وتم اعتقال عدد من المضاربين وتجار العملة، وصدرت تهديدات باعتقال كل من يتاجر بالعملة خارج الإطار الرسمي، كما صدر قانون يقضي بحبس من يتعامل في السوق السوداء، وتم وضع قيود شديدة على التحويلات المالية والإيداعات النقدية في البنوك.

وفشلت الوسائل الأمنية في مصر بامتياز في معالجة أزمة سوق الصرف المضطرب في ذلك الوقت حيث استمر تراجع العملة المحلية مقابل الدولار لدرجة أن الجنيه المصري فقد نحو 70% من قيمته قبل نهاية العام 2016.

ببساطة لا يمكن معالجة أزمة اقتصادية ناتجة عن وجود نقص حاد في الدولار داخل السوق، وانتعاش السوق السوداء للعملة، وعدم تلبية احتياجات التجار والمستوردين من النقد الأجنبي، بمعالجات أمنية بحتة.

والنتيجة في النهاية اتخاذ السلطات المصرية قراراً بتعويم الجنيه بعد أن استقطبت السوق السوداء مليارات الدولارات من مدخرات المصريين وتحويلات المغتربين، وتحول ملايين المواطنين لمضاربين في العملة سعياً وراء تحقيق عوائد سريعة تفوق أحياناً ما يحققة تجار السلاح والمخدرات.

ويتكرر المشهد هذه الأيام وبصورة مشابهة في إيران، فهناك أزمة شديدة في النقد الأجنبي دفعت العملة الإيرانية للتهاوي أمام الدولار، لأسباب كثيرة بدأت بقرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، وإعادة العقوبات الأميركية على طهران، والتهديد المستمر من قبل الإدارة الأميركية بفرض عقوبات على الدول والشركات المستوردة للنفط الإيراني.

وخلقت هذه الأجواء حالة من الذعر بين الإيرانيين والمستثمرين المحليين والأجانب الذين سارعوا إلى اكتناز الدولار والتخلص من العملة الوطنية وتحويل مدخراتهم المحلية إلى النقد الأجنبي والذهب، بل وتهريبها للخارج، وهو ما فاقم من أزمة النقد الأجنبي ودعم اضطرابات سوق الصرف.

وبدلاً من أن تسارع السلطات الإيرانية لإيجاد حلول اقتصادية للأزمة النقدية والمالية، سارعت بتطبيق حلول أمنية وسلطوية بامتياز، وكان من أبرز ملامح هذه الحلول اعتقال عشرات من تجار العملة وإغلاق شركات الصرافة وإطلاق عشرات التصريحات حول وجود مؤامرة تستهدف ضرب الاقتصاد الإيراني وعملته الوطنية، وهو نفس ما حدث في مصر قبل نوفمبر 2016.

لكن الجديد في التجربة الإيرانية هو إقالة السلطات محافظ البنك المركزي وتحميله مسؤولية أزمة تهاوي سعر الريال مقابل الدولار، وإن كانت السلطات المصرية قد أجبرت محافظ البنك المركزي السابق هشام رامز على الاستقالة من منصبه قبل انتهاء مدته القانونية بأيام، بسبب تصريحاته أمام غرفة التجارة الأميركية بالقاهرة حول مسؤولية تفريعة قناة السويس عن حدوث أزمة سوق الصرف.

الأزمات الاقتصادية والمالية من المستحيل حلها بالإجراءات الأمنية والاعتقالات ومصادرة الأموال، وستضطر إيران في النهاية لتعويم عملتها وبسرعة في حال توقف صادراتها النفطية وانسحاب الشركات الأجنبية من أسواقها والتحفظ على ودائعها في الخارج، وهو ما سيفتح الباب لحدوث أزمات أخطر منها، تهاوي العملة الوطنية مقابل الدولار، وحدوث ارتفاعات قياسية في أسعار السلع والخدمات، وفتح الباب على مصراعيه للتوسع في الاقتراض الخارجي.

لكن، ماذا عن مستقبل الاقتصاد الإيراني في حال حدوث سيناريو التعويم، هل ستكرر إيران تجربة مصر في مرحلة ما بعد نوفمبر 2016 والتي من أبرز ملامحها الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي ومؤسسات مالية دولية أخرى للحصول على قروض ضخمة لدعم عملتها واحتياطياتها من النقد الأجنبي والقضاء نهائيا على السوق السوداء للعملة كما جرى في مصر؟، أم أن لطهران سيناريو أخر؟

وللحديث بقية.

المساهمون