إيران تعرقل استثمارات سعودية في زراعة العراق

15 نوفمبر 2020
عقبات تواجه خططاً حكومية لتنمية القطاع الزراعي (فريق فرج محمود/الأناضول)
+ الخط -

أكد مسؤول عراقي رفيع في بغداد، لـ"العربي الجديد"، أن خطط استثمار نحو مليون هكتار بالقطاع الزراعي العراقي في باديتي الأنبار والسماوة غرب وجنوبي العراق، التي تقدمت بها السلطات السعودية لحكومة بغداد قد تم إلغاؤها لأسباب وصفها المسؤول بالمتعددة.

يأتي ذلك بعد نحو أسبوعين من حملة منظمة قادتها مليشيات مسلحة وأحزاب موالية لإيران في العراق، أبرزها مليشيات "النجباء"، و"عصائب أهل الحق"، و"كتائب حزب الله"، فضلا عن تحالفي "الفتح"، و"دولة القانون"، بزعامة هادي العامري ونوري المالكي، لرفض مخطط الاستثمار السعودي الذي يهدف لاستصلاح نحو مليون هكتار لإقامة مشاريع زراعية منها مشاريع أبقار ومواش ومشتقات الحليب. كما كان يشمل المشروع المقترح زراعة محاصيل مختلفة، من شأنها أن توفر عشرات آلاف فرص العمل في العراق.

واعتبرت هذه المليشيات أن الاستثمار السعودي الزراعي بمثابة استعمار جديد وهو ما وصفه مراقبون، بأنه محاولة لحماية مصالح إيران في العراق التي تهيمن على أكثر من 60 بالمائة من المنتجات الزراعية الموجودة بالسوق المحلية منذ سنوات بمجموع تصدير تتجاوز قيمته 6 مليارات دولار منها سنويا.

وقال المسؤول العراقي، الذي رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن مخطط الاستثمار السعودي تم إلغاؤه في الوقت الحالي سواء في الأنبار أو المثنى، مبينا أن جملة من الأسباب أدت إلى ذلك بينها فنية، تتعلق بالحاجة إلى مصدر مياه دائم يجب أن يكون مؤمنا على الأقل لعشر سنوات قادمة، وهو ما اعتبرته وزارة الموارد المائية العراقية غير ممكن في ما يتعلق بدجلة والفرات بسبب تراجع مستويات النهرين بفعل السدود التركية ومشاريع إيرانية على روافد دجلة أدت لتجفيف عدد غير قليل منها، كما أن المياه الجوفية تعتبر من الأمن المائي الوطني العراقي ولا يمكن المجازفة باستنزافها"، وفقا لقوله.

المسؤول ذاته أقر بأن "حسابات ذات طبيعة سياسية عطلت الذهاب لخيارات أخرى في هذا الاستثمار الضخم مثل الاعتماد على الزراعة الدائمة (الري النهري) أو تقليل مساحة الأرضي المستثمرة، أو إلغاء المشاريع الزراعية التي تتطلب استهلاك مياه كثيرة، إذ إن الحكومة تعرضت لحملة ضغط كبيرة من المعسكر المقرب من طهران بشأن إيقاف عملية الاستثمار السعودي في هذا القطاع".

والخميس الماضي، أصدرت مجموعات مسلحة مرتبطة بإيران بيانا هددت فيه باعتبار الاستثمارات السعودية هدفا لها، معتبرة أن فتح صفحة جديدة مع السعودية يجب أن يكون بعد ما أسمته "دفع الدية"، في إشارة الى تورط مواطنين سعوديين مع جماعات إرهابية في العراق خلال السنوات الماضية. والبيان المشترك أصدرته مجموعة مليشيات ظهرت مؤخرا على الساحة العراقية وسبق أن تبنت عمليات اقتحام عدد من مقار التابعة لأحزاب وقنوات فضائية فضلا استهداف بعثات دبلوماسية.

ويعتقد مراقبون بأن هذه المجموعات أذرع جديدة لمليشيا كتائب حزب الله والنجباء وجماعات أخرى بارزة ترتبط بالحرس الثوري الإيراني مثل العصائب والخراساني، التي أكدت في بيانها أنه تم الاتفاق على أن أي استثمار سعودي سيكون هدفا للجماعات المتحالفة"، في إشارة الى الجماعات الثلاثة التي أصدرت البيان، متحدثة عن أنها اتفقت على أنه "لا مجال للاستثمار السعودي إلا بعد تعويض عوائل شهداء المخففات والفتاوى السعودية".

وكان رئيس الوزراء الأسبق، زعيم ائتلاف "دولة القانون"، نوري المالكي، وهو أحد أبرز حلفاء طهران في العراق قد هاجم خطوات حكومة مصطفى الكاظمي للاستثمار السعودي في القطاع الزراعي العراقي، معتبرا أنها استعمار، فيما هاجم نواب من تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"، التفاهم العراقي على عرض فرص استثمارية بالقطاع الزراعي أمام السعودية.

وتعليقا على التطورات قال عضو التيار المدني العراقي والناشط في الحراك الشعبي الاحتجاجي، أحمد حقي، لـ"العربي الجديد"، إن ذلك كان متوقعا. وأضاف حقي أن الحملة المنسقة للجماعات التابعة لإيران كانت بمثابة حماية لمصالح إيران في العراق على حساب مصلحة الدولة، إذ إن الإيرانيين يتكئون على ما يصدرونه للعراق من بضائع زراعية مقابل ضمان وصول العملة الصعبة لهم، متهما حكومة الكاظمي بالضعف أمام المليشيات وهيمنة الأحزاب التي تقود ما أسماه بـ"الدولة العميقة في العراق".

والأسبوع الماضي، انتقد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، قوى لم يسمها لمهاجمتها أي تقارب بين العراق والدول الأخرى. وقال الكاظمي على هامش اجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي: "هناك حملات تشكيك بأي تقارب للعراق مع أي دولة ترافقها شائعات تهدف إلى خلط الأوراق وتعطيل أي تفاهم يصب في صالح البلد"، في إشارة الى حملات نفذتها الجماعات الموالية لإيران ضد مذكرات تفاهم وقعها العراق أخيرا مع القاهرة والرياض.

وأشار الكاظمي إلى أن المجلس التنسيقي العراقي السعودي عقد اجتماعات متواصلة خلال اليومين الماضيين للوصول إلى مجموعة تفاهمات بخصوص قطاعات الصناعة والتجارة والزراعة والنفط والتعليم والثقافة وغيرها. وشدد على ضرورة أن يكون العراق بيئة جاذبة للاستثمار وليس طاردة له، لأنه بحاجة فعلية للاستثمارات وتوفير فرص العمل والإعمار".

وكانت الحكومة العراقية تعهدت في وقت سابق بإزالة العقبات أمام دخول الشركات الاستثمارية السعودية إلى البلاد. جاء ذلك في اجتماع عقده الكاظمي يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري مع أعضاء المجلس التنسيقي العراقي السعودي بالعاصمة بغداد، لمناقشة الخطط التنفيذية للاتفاقيات الموقعة بين البلدين، وفق بيان صادر عن الحكومة العراقية.

وأفاد البيان بأن الكاظمي لفت إلى الفرص الاستثمارية المتاحة أمام الشركات السعودية، مشيراً إلى "سعي الحكومة إلى تذليل كل العقبات أمام الشركات التي ترغب في الاستثمار بالعراق". كذلك أوضح "أهمية تفعيل بعض المشاريع المشتركة بين البلدين، ضمن إطار الجامعة العربية، فضلاً عن تطوير العمل في السوق النفطية".

وكان العراق والسعودية قد شكّلا لجنة خاصة بين البلدين في يوليو/ تموز الماضي، بهدف بحث الملفات الاقتصادية والاستثمارية. وزار مؤخرا وفد سعودي برئاسة وزير البيئة عبد الرحمن الفضلي العراق، ويضم وزراء الصناعة بندر بن إبراهيم الخريف، والنقل، ومؤسسة النقد العربي السعودية وهيئة التجارة الخارجية.

واستأنفت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع العراق في ديسمبر/ كانون الأول 2015، بعد 25 عاما من انقطاعها جراء الغزو العراقي للكويت عام 1990. وبعد عقود من التوتر، بدأت العلاقات تتحسن، عقب زيارة لبغداد في 25 فبراير/ شباط 2017، قام بها وزير الخارجية السعودي آنذاك، عادل الجبير.

ومن المقرر أن يبدأ رئيس الوزراء العراقي جولة خليجية ستكون الثانية من نوعها منذ منحه الثقة مطلع أيار/ مايو الماضي، بعد جولة أوروبية شملت فرنسا وبريطانيا وألمانيا.

ووفقاً لمسؤول عراقي، في وقت سابق، فإن الزيارة حتى الآن تشمل كلّاً من السعودية والكويت، وقد تتسع لتشمل دولاً خليجية أخرى. وكشف المسؤول في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن المحطة الأولى للكاظمي ستكون السعودية، وسيوقع خلالها عدداً من الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية المهمة في الرياض، بالإضافة إلى اتفاقيات تعاون أمني واستخباراتي.

في المقابل، تسعى إيران إلى زيادة التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي مع العراق، وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني في تصريحات شهر يوليو/ تموز الماضي، إن طهران وبغداد تسعيان لزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 20 مليار دولار سنويا.

وأضاف روحاني أنه بحث مع رئيس الحكومة العراقية تطوير وتنمية العلاقات التجارية بين البلدين، مشيراً إلى مساعيهما لزيادة حجم التبادل التجاري، في خطوة وصفها مراقبون بأنها مساعٍ لترسيخ الهيمنة الإيرانية على الأسواق العراقية.

المساهمون