يتفاوض لبنان مع صندوق النقد الدولي للتوصل إلى خطة تساعد على انتشاله من دوامة انهيار اقتصادي أنهكه منذ أكثر من عامين، لكن المحادثات، ورغم التدهور المتسارع، لا تزال في مراحلها الأولى، ولا أفق واضحاً لها.
عام 2020، خاضت الحكومة السابقة مفاوضات مع الصندوق توقفت بعدما اختلف المفاوضون اللبنانيون أنفسهم على تقدير حجم الخسائر.
واستأنفت الحكومة الجديدة التي شكلها نجيب ميقاتي، في سبتمبر/أيلول، التفاوض الذي لا يزال في الشق التقني وفي مرحلة تحديد الأرقام، فيما لم تضع الحكومة أي خطة للتفاوض عليها.
فأين أصبحت مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي؟
-
ما هو وضع الاقتصاد في لبنان؟
في صيف 2019، بدأت بوادر التردي الاقتصادي بالظهور، وباشرت المصارف تدريجياً فرض قيود على الودائع بالدولار إلى أن منعت سحبها تماماً كما حددت السحوبات بالليرة اللبنانية، وأوقفت التحويلات إلى الخارج.
خلال عامين، فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، وبات نحو 80% من السكان تحت خط الفقر. واعتبر البنك الدولي أنّ الأزمة في لبنان تُعد واحدة من أسوأ ثلاث أزمات اقتصادية في العالم منذ 1850.
وبحسب تقديرات البنك الدولي، انخفضت قيمة إجمالي الناتج المحلي من حوالى 55 مليار دولار عام 2018 إلى نحو 20.5 مليار دولار العام 2021.
منذ عامين، لم تتخذ الحكومة أي إجراءات تبطئ الانهيار المتسارع. ويحمَّل جزء من المسؤولية لسياسيين يُتهمون بالمسارعة منذ بدء الأزمة، وبمساعدة المصارف، إلى تحويل مئات ملايين الدولارات إلى الخارج، في وقت تمنع البنوك الأموال عن صغار المودعين.
فاقم انفجار مرفأ بيروت في صيف 2020 الوضع، فيما يرفض المجتمع الدولي منح مؤسسات الدولة أي مساعدات قبل إجراء إصلاحات أساسية يفترض أن تكون جزءاً من الاتفاق المرتقب مع صندوق النقد.
وفي محاولة لفرملة تدهور العملة، اتخذ المصرف المركزي إجراءات بينها تحديد أسعار للدولار الأميركي لسحب مبالغ معينة من المال، فيما سعر الصرف الرسمي لا يزال 1507 ليرات للدولار.
انخفضت قيمة إجمالي الناتج المحلي من حوالى 55 مليار دولار عام 2018 إلى نحو 20.5 مليار دولار العام 2021
وقال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لوكالة "فرانس برس"، إنه لا يمكن توحيد سعر الصرف بمعزل عن استقرار سياسي وقبل اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
واتفق المفاوضون اللبنانيون مؤخراً على تقدير حجم الخسائر بـ69 مليار دولار، وفق ما قال نائب رئيس الحكومة ورئيس فريق التفاوض اللبناني سعادة الشامي لـ"فرانس برس".
-
ما هي النقاط المطروحة لاتفاق لبنان مع صندوق النقد؟
أوضح الشامي أنّ وفداً من صندوق النقد زار لبنان، في الأسبوع الأول من ديسمبر/ كانون الأول، وطرح "أسئلة متعلقة ببعض المسائل السياسية الاقتصادية التي تعد جزءاً أساسياً من أي برنامج مالي قد يوضع للبنان"، بينها "إعادة هيكلة القطاع المصرفي".
ويضيف: "كانت هناك أجواء تعاون، وننتظر نتائج ملموسة في يناير/كانون الثاني 2022، إلا أنّ ذلك يرتبط بعوامل عدة وباحتمالات عقد اجتماع مع صندوق النقد في ظل تطور وباء كوفيد-19".
وقال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الثلاثاء، إنّ بعثة من الصندوق ستصل إلى لبنان منتصف الشهر المقبل لعقد أول اجتماع رسمي ومراجعة ما أعدّه الجانب اللبناني، على أن تعود مجدداً مطلع فبراير/شباط لوضع الصيغة النهائية للاتفاق.
وبحسب سلامة، لا تزال المفاوضات "في مرحلة الأرقام.. ولم يقدّم اللبنانيون خطة بعد". ولم يتم حتى الآن تقسيم الخسائر بين الدولة والقطاع المصرفي، والمصرف المركزي والمودعين الذين يفترض أن يتحمّلوا أقل خسائر ممكنة.
بعثة من الصندوق ستصل إلى لبنان منتصف الشهر المقبل لعقد أول اجتماع رسمي ومراجعة ما أعدّه الجانب اللبناني
ويحتاج لبنان، بحسب سلامة، إلى ما بين 12 و15 مليار دولار "لينطلق مجدداً ويستعيد الثقة"، في وقت تراجع فيه الاحتياطي الإلزامي بالدولار من 32 مليار دولار إلى "حوالى 12.5 مليار دولار"، يضاف إليها فائض بقيمة 1.5 مليار دولار يستخدمه المصرف المركزي حالياً لتمويل عمليات عدّة بينها الدعم الجزئي لسلع رئيسية خصوصاً الطحين وبعض الأدوية.
وقال الشامي إنه يفترض وضع "خطة إنقاذ اقتصادية متكاملة" وإرسالها إلى مجلس صندوق النقد للموافقة عليها، لكن قبل ذلك، على لبنان أن يظهر حسن النية، وأن تنفّذ الحكومة "بعض الإجراءات والإصلاحات التي تثبت أنها ملتزمة فعلاً بالإصلاح".
لكن الحكومة لم تجتمع أساساً منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول جراء خلافات حول مصير المحقق العدلي في انفجار المرفأ طارق البيطار.
-
ماذا عن التدقيق الجنائي في مصرف لبنان؟
منذ 2020، أثار ملف التدقيق الجنائي في حسابات المصرف المركزي جدلاً واسعاً رغم أنه يُعد أحد شروط المجتمع الدولي لمساعدة لبنان.
وقال الشامي، رداً على سؤال عما إذا كان التدقيق الجنائي أحد شروط صندوق النقد: "لا نعرف إذا كان هذا التدقيق أو أي تدقيق عادي سيشكل جزءاً من أي برنامج مرتقب مع صندوق النقد".
في أكتوبر/تشرين الأول، استأنفت شركة "ألفاريز ومارسال" عمليات التدقيق الجنائي في حسابات المركزي بعد نحو عام من تعليقها لتعذر حصولها على كافة المستندات المطلوبة.
ويرى النائب السابق لحاكم مصرف لبنان ناصر السعيدي، أنه يجب وقبل أي اتفاق مع صندوق النقد، "أن نفهم ما يحدث داخل هذه المؤسسة.. إذ هناك نقص تام في الشفافية"، مشكّكاً في صحة الأرقام الصادرة عن مصرف لبنان.
ويواجه سلامة شكاوى قضائية ضدّه في لبنان ودول أوروبية بينها فرنسا وسويسرا، تتعلق بشبهات اختلاس أموال وتحويلات عبر مصرف لبنان إلى الخارج واتهامات أخرى، لكنه ينفيها بالمطلق.
ويرى السعيدي أنّ على لبنان "أن ينظم قطاعه المالي" قبل أن يأمل في برنامج مع صندوق النقد، مضيفاً أنّ الأخير "وقبل كل شيء، يريد وعوداً بحصول حوكمة سليمة".
(فرانس برس)