إلا مصر... نرجوكم

07 يناير 2024
استثمارات السوريين في مصر زادت من الترحيب بهم (فرانس برس)
+ الخط -

السوري لاجئ أنى ذهب، إلا في مصر، فهو أخ وابن البلد، بل لا يتوانى أي مصري يعرف أنك سوري عن وصفك بـ "أجدع ناس".

وربما الاستثمارات التي أقامها السوريون في مصر مذ هربوا من بطش عصابة الأسد ومواجهة حلمهم بالقتل والتهجير عام 2011، والبالغة 1254 شركة، بحسب إحصاءات رسمية من الهيئة العامة للاستثمار بالقاهرة، زادت من ترحيب المصريين بالسوريين.

وصل الأمر لمطالبة بعض المحللين بوضع السوريين بموضع القرار في مصر، نظراً للانقلاب الذي حققوه بالأسواق والتجارة، خاصة على صعيد الصناعات والخدمات الغذائية التي أثرت، ولو بشكل نسبي، على النمط الغذائي للمصريين وبدلت بعضه، إقبالاً واقتداء.

بيد أن استمرار الترحيب والاحتواء المصري لم يرق للبعض، خاصة بواقع ما يلوح من خطط وسياسات التضييق على السوريين، إن بتركيا أو بلبنان، لعودتهم إلى "حضن الأسد" والقبول بالأمر الواقع ضمن خطة إعادة إنتاج نظام الأسد وتسويقه، بعد تحميل هؤلاء اللاجئين وزر فشل السياسات الحكومية وتراجع الدخول وغلاء الأسعار ببلدان لجوئهم. 

موقف
التحديثات الحية

لتنتقل العدوى، وإن بحدود ضيقة جداً، إلى مصر اليوم، بعد أن وجد أربابها، في تهاوي الجنيه أمام الدولار، ثغرة يمكن التسلل منها للسوريين لتحميلهم تهمة المتاجرة ووزر الخلل بالمعروض النقدي بالأسواق المصرية. 

وحاول دعاة ترحيل السوريين من مصر، على قلتهم حتى الآن، الدخول أيضاً من بوابة "سوء النظافة" واستغلال السوريين الأسواق المصرية وعدم تشغيلهم عمالة مصرية، ما زاد من البطالة، لنرى وسم "مقاطعة محلات السوريين" يتصدر على موقع "إكس" خلال اليومين الفائتين، تبعه وسم "مش هتشتري غير من المصري" وما تلاهما من تعليقات وتحريض وصل حد اتهام السوريين بمصر بتجارة مخدرات.

قصارى القول: تعيش مصر أزمات اقتصادية وليس أزمة، بدأت من تراجع سعر صرف العملة إلى أكثر من 50 جنيهاً للدولار "الرسمي 31 جنيهاً" وما ترافق مع ذلك من زيادة نسب الفقر وغلاء الأسعار.

لا تنتهي الأزمات عند الديون الخارجية المتزايدة لنحو 164.5 مليار دولار، منها 29.2 ملياراً مستحق الدفع هذا العام. 

وربما، منطقاً وإنصافاً، أن لفتح مصر أبوابها وحضنها لنحو 9 ملايين لاجئ من 133 دولة، ما يشكل 8.7% من سكانها، أثراً على استنزاف الموارد وزيادة الطلب وغلاء أسعار السلع والمنتجات وإيجار النقل والمنازل.

بيد أن السوريين، وبشهادة المصريين أنفسهم، خارج تلك الحسبة، نظراً للأعمال التي أقاموها وتشغيلهم العمالة، بما فيها بعض المصريين.

وربما الأهم أن عدد السوريين المسجلين كلاجئين يتقاضون مساعدات، وفق أحدث تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر، لا يزيدون عن 153 ألف لاجئ، في حين أن العدد الكلي بمصر ينوف ربما عن 1.5 مليون سوري، وليس 5 ملايين كما يسوّق بعض دعاة ترحيل السوريين.

ما يعني، وبنظرة إنصاف سريعة إلى فارق الرقمين، أنهم يتكفلون بمعيشتهم عبر عملهم أو مساعدات من ذويهم، ولا يشكلون ضغطاً إضافياً على مصر المضيفة التي عاملت، ولم تزل، السوريين كأبناء بلد وليس كلاجئين.

نهاية القول: لا دخان دونما نار، وثمة مستفيدون ولا شك من إشغال نار التحريض على السوريين بمصر اليوم، ليعمي الدخان الناتج الأعين عن قضايا وملفات أخرى وتوجيه البوصلة بالاتجاه الآخر، لإشغال البعض وترحيل أزمات وتعتيلها على السوريين.

كما، وبحسب مجريات الأحداث وأوضاع السوريين ببلدان لجوئهم، ليس من الاستحالة بمكان أن تتعاظم الحملة بمصر اليوم، من التحريض اللفظي إلى ما بعده، رغم اليقين بطيبة المصريين وترحيبهم بالضيوف.

لكن ما حدث بتركيا، بعد وصف اللاجئين بالمهاجرين وأصحاب الأرض بالأنصار، يدفع السوريين للنفخ على اللبن، بعد أن أحرقهم حليب الترحيب بشهر العسل.

لذا، ربما قطع رأس أفعى الفتنة واجب مصري وأممي الآن، إن عبر توضيح وضع السوريين بمصر، عدداً ودخلاً وتقبلاً للمساعدات، وبالمقابل الإشارة إلى أعمالهم واستثماراتهم.

والأهم، وضع بلدهم الذي يحن عليه قلب الكافرين والتي لا يستوعبهم اليوم، إلا في سجونه أو إضافة العائدين إلى قوائم البطالة والجوعى.

طبعاً، من دون التساهل مع قلة من السوريين إن وجدت، تحاول استغلال السوق المصرية والتلاعب بالدولار وتقلب ظهر المجن على رأس السوريين في بلد عاملهم كأهليه على مدى قرون.. وليس خلال آخر تغريبة، ضيقت عليهم الدنيا بما رحبت، بعد أن طلبوا الكرامة والعيش الآدمي.

المساهمون