مرة أخرى تعود أزمة الديون السيادية باليونان لواجهة الأحداث في العالم، ومرة ثانية يعود للذاكرة الحديث عن إفلاس اليونان مع تعقد ملفها التفاوضي مع الدائنين الدوليين، خاصة صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية وألمانيا، ومرة ثالثة تضع دول منطقة اليورو يدها على قلبها خوفاً من تعقد الأزمة الذي سيؤثر عدم حلها سلبا وبقوة على 19 دولة أعضاء بالمنطقة.
ومرة رابعة تتزايد المخاوف داخل الاتحاد الأوروبي مع ظهور مخاطر سياسية واقتصادية أخرى قد لا تقل في خطورتها عن أزمة اليونان المستمرة، مثل صعود اليمين المتطرف داخل القارة العجوز، واستمرار العمليات الإرهابية بفرنسا وغيرها، وتنامي المخاطر السياسية وتزايد حالة الغموض داخل بعض الدول، وانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وما سيصاحبها من اضطرابات اقتصادية وإعادة تشكيل خريطة تواجد المؤسسات المالية داخل أوروبا.
وأزمة ديون اليونان السيادية لمن لا يعرفها هي أزمة مالية عصفت بالبلاد في أبريل 2010 حينما تعثرت عن سداد ديونها الخارجية المستحقة عليها، ساعتها طلبت الحكومة اليونانية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي إنقاذها من خطر الإفلاس والتخلف عن السداد عبر تفعيل خطة إنقاذ تتضمن تقديم قروض ضخمة مقابل تنفيذ أثينا إجراءات تقشف عنيفة من فرض ضرائب وغيرها بهدف خفض العجز بالموازنة العامة.
خلال الأيام الأخيرة عاد التفاوض مجدداً حول ملف ديون اليونان الخارجية التي تتجاوز 400 مليار دولار، وقد شهدت المفاوضات الجارية خلافات شديدة بين أطراف عدة معنية بالدولة الأوروبية المتعثرة.
مثلا هناك خلاف عميق بين أكبر دائنين لأثينا هما صندوق النقد الدولي وألمانيا، حيث يطالب الصندوق بتخفيض كبير للدين المستحق على أثينا لمساعدتها في الخروج من دوامة عدم السداد وإبعاد شبح الإفلاس عنها، وهو ما ترفضه برلين بشكل قاطع باعتبارها أكبر المتضررين من الخطوة، حيث تصل ديون ألمانيا المستحقة على أثينا نحو 100 مليار يورو.
بل إن برلين تتطرف في موقفها حينما تؤكد أن خفض الديون المستحقة على اليونان سيؤدي إلى خروجها من الاتحاد الأوروبي، مستندة لتقرير صندوق النقد الدولي الذي اعتبر أن الاقتصاد الهش لليونان سيكون قابلاً للانفجار قريباً.
وهناك خلافات لا تقل في حدتها بين صندوق النقد وحكومة أثينا، فالصندوق يطالب الحكومة بتدابير تقشفية إضافية لتحقيق فائض في ميزانية اليونان يمكّنها من سداد الديون الخارجية المستحقة عليها، وهو ما ترفضه وبشكل قاطع حكومة ألكسيس تسيبراس التي تؤكد دوماً أن أثينا لن تقبل أي طلبات "غير منطقية" من جانب المقرضين مثل تقليص قيمة المعاشات وفرض ضرائب جديدة خاصة على أصحاب الدخول المرتفعة والمتوسطة.
ولم تقف الخلافات عند هذا الحد، فقد حدث تراشق بين أطراف التفاوض، مثلا اتهم تسيبراس صندوق النقد ووزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله بعرقلة المفاوضات الحالية بين بلاده والدائنين، وقال إن على الصندوق وشويبله التوقف عن اللعب بالنار، كما دعا المسؤول اليوناني المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى "تشجيع وزير ماليتها على وقف عدائه المتواصل" لليونان.
الخلافات تتصاعد بين الأطراف المختلفة، وهو ما دعا نائب رئيس المفوضية الأوروبية والمسؤول عن الخدمات المالية في الاتحاد، فالديس دومبروفسكيس، إلى التحذير من أن إطالة أمد المفاوضات، ستقود لحالة من عدم الاستقرار المالي في منطقة اليورو.
كما تتزايد حالة عدم اليقين السياسي داخل أوروبا، كما قلت، خاصة عقب تأكيدات رئيس مجموعة اليورو، يروين ديسلبلوم، من أن اليونان لن تصل لاتفاق مع دائنيها قبل اجتماع مقرر عقده يوم الإثنين المقبل، ما ينذر باحتمال تخلفها عن سداد الديون مرة أخرى.
والسؤال المطروح هنا: هل تتحمل منطقة اليورو تبعات أزمة اليونان حال تفاقمها، وخاصة أن المفوضية الأوروبية قالت، أمس الاثنين، إن النمو الاقتصادي بمنطقة اليورو من المتوقع أن يفقد بعض زخمه هذا العام، في الوقت الذي ستتراجع فيه وتيرة نمو الاقتصاد البريطاني إلى نحو النصف بحلول عام 2018.
وإذا كانت أزمة الديون اليونانية لا تزال تتصاعد، ملقية مخاطرها الشديدة على منطقة اليورو، فهل يتم احتواء هذه الأزمة المالية بسرعة، أم يتم ترك أثينا تنحدر بسرعة نحو الافلاس، وبالتالي تضاف الأزمة المتجددة للمخاطر المحيطة بمنطقة اليورو سواء الآتية من داخل الدول الأوروبية أو القادمة من الولايات المتحدة ومشاكل الاقتصاد العالمي وبطء التجارة الدولية؟