تتأهب الصين لكي تلعب دورا أكبر في تطوير مشاريع الطاقة المتجددة في دول الخليج، خاصة بعدما استحوذ صندوق طريق الحرير الصيني على 49% من أسهم شركة "أكوا باور"، التي تعد واحدة من أكبر الشركات في مجال الطاقة المتجددة في السعودية.
وتوفر البنوك الصينية جزءا كبيرا من تمويل مشاريع الطاقة المتجددة في المنطقة، حيث تشارك خمسة من أصل ثمانية بنوك دولية في تمويل مشروع مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية، ما يدعم تنويع الاقتصاد في كل من السعودية والإمارات، عبر تقليل الاعتماد على النفط، وفقا لما أورده تقرير نشرته البوابة الرسمية لحكومة مقاطعة فوجيان في الصين في 25 مايو/أيار الماضي.
ومن شأن تعزيز الشراكات مع الصين أن يعزز من قدرة دول الخليج على الدخول إلى أسواق جديدة وتقنيات متقدمة، عبر نقل وتوطين التقنية، ما يساعدها على بناء اقتصاد أكثر استدامة ومرونة، حسب تقرير نشره موقع "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" في 20 مايو/أيار الماضي.
لكن هكذا تطور في العلاقات بين الصين ودول الخليج يثير شكوكا حول ما إذا كانت دول مجلس التعاون قادرة على تحقيق التوازن في علاقاتها مع الصين، التي تثير قلق الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين، حسب تقدير نشره المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI)، في 18 يونيو الماضي.
خيارات بديلة
في هذا الإطار، يشير عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا في لبنان، بيار الخوري، لـ"العربي الجديد"، إلى أن الصين رائدة عالميًا في تقنيات الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، بينما تعتمد دول الخليج بشكل كبير على النفط والغاز، لكنها بدأت في تعزيز استثماراتها في مجال الطاقة المتجددة لتحقيق تنويع اقتصادي وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ولذا فإن مشاريع مثل محطة الظفرة للطاقة الشمسية في الإمارات، ومشاريع مماثلة في السعودية ضمن رؤية 2030، تُظهر دور الصين كشريك رئيسي في تطوير البنية التحتية للطاقة النظيفة.
ويوضح الخوري أن مبادرة "الحزام والطريق" عززت وجود الاستثمارات الصينية في الموانئ والطرق والقطاعات اللوجستية في الخليج، وهذه المشاريع تسهم في ربط المنطقة بالأسواق الآسيوية والأوروبية، مما يعزز دور الخليج كمحور تجاري عالمي.
وإزاء ذلك، فإن التعاون مع الصين يوفر لدول الخليج خيارات اقتصادية وسياسية بديلة عن الاعتماد التقليدي على الغرب، خاصة الولايات المتحدة. كما أن التركيز على الاستثمار في الطاقة المتجددة والبنية التحتية يعزز من استقلالية الاقتصاد الخليجي، حيث يمكن لهذه المشاريع أن تقلل من الاعتماد على تصدير النفط والغاز كمصدر رئيسي للدخل وتخلق مصادر دخل مستدامة على المدى البعيد، كما تساهم في بناء قدرات تقنية وصناعية محلية، حسب الخوري.
ويضيف قائلا: "كما أن دول الخليج تمتلك صناديق سيادية ضخمة تمكّنها من تمويل المشاريع الكبرى بالشراكة مع الصين، ولأن الخليج يُعد نقطة وصل استراتيجية بين آسيا وأوروبا، فإن ذلك يعزز جاذبية المنطقة للاستثمارات الصينية ضمن مبادرة الحزام والطريق".
ويخلص الخوري إلى أن الاستثمارات الصينية تمثل فرصة واعدة لدول الخليج، لتحقيق تنويع اقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط.
إمكانات كبيرة في الخليج
في السياق، يشير أستاذ الاقتصاد في جامعة نيس الفرنسية، آلان صفا، لـ"العربي الجديد"، إلى أن دول الخليج تتمتع بإمكانات واعدة في مجال الطاقة المتجددة، خاصة الشمسية، نظرا لظروفها المناخية وكمية الإشعاع الشمسي في المنطقة، التي تتيح إنتاج كميات هائلة من الطاقة.
وفيما يتعلق بالطاقة الهوائية، يرى صفا أن إمكانات إنتاجها في منطقة الخليج محدودة مقارنة بالطاقة الشمسية، ويضيف أن هناك نقاشا حول الطاقة النووية كخيار ثالث للطاقة المتجددة، رغم عدم وجود توجه قوي نحوها حالياً، لكنها قد تسهم مستقبلاً في تلبية احتياجات دول الخليج المتزايدة من الطاقة.
وحول التعاون مع الصين في هذا المجال، يوضح الخبير الاقتصادي أن الأمر يختلف عن التعاون السابق مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية. فبينما ساهمت الشركات الغربية في إنتاج مختلف أنواع الطاقة، تتميز الصين بقدرتها في مجال الطاقة الشمسية وتصنيع المواد الأولية اللازمة لها، مما يجعل دول الخليج تتجه إلى استيراد هذه المواد لإنتاج الكهرباء.
وينوه صفا إلى إمكانية تحقيق دول الخليج الاستقلالية في تصنيع المواد اللازمة لإنتاج الكهرباء، ويضرب مثالاً بالمفاعلات النووية، مشيرا إلى أن الاستقلالية تعني القدرة على تصنيع اليورانيوم وبناء المفاعلات وتصدير الطاقة، وهو ما لا تمتلكه سوى دول معدودة في العالم.
وفي مجال الطاقة الشمسية، يشير أستاذ الاقتصاد بجامعة نيس إلى إمكانية إنشاء مصانع في دول الخليج، رغم أن تكلفتها قد تكون أعلى مما تقدمه الصين، ويقترح تعاوناً مع الصين لنقل التكنولوجيا وإنشاء مصانع محلية، مما يعود بالنفع على دول الخليج.
ويدعو صفا دول الخليج إلى تجاوز مناقشة الأسعار فقط في مفاوضاتها مع الشركات الصينية والأميركية والأوروبية، والتركيز على نقل التكنولوجيا وتوطين التصنيع، مؤكدا أن المنافسة بين الشركات العالمية تتيح للخليج التفاوض بشروط أفضل، مما قد يمكّنها على المدى الطويل من تطوير استقلاليتها في هذا المجال.