إضراب عمال بوينغ يضاعف أزمات الشركة الأميركية

14 سبتمبر 2024
مصنع طائرات بوينغ 777 بمدينة أيفرت بولاية واشنطن، 20 يونيو 2024 (جنيفر بوكانون/فرانس برس)
+ الخط -

أدى الإضراب الذي نفذه نحو 33 ألفاً من عمال شركة بوينغ في مصنعين الجمعة ويتوقع أن يستمر لأسابيع، إلى زيادة الضغوط والأزمات التي تواجهها الشركة، حيث تعرّض تصنيف بوينغ الائتماني وفقاً لتقرير وكالة بلومبيرغ لخطر التخفيض إلى مستوى غير مرغوب فيه، وهي الخطوة التي من شأنها أن تزيد كثيراً تكاليف التمويل للشركة المصنعة المثقلة بالديون. كذلك يضيف الإضراب الذي نفذه أعضاء نقابة الرابطة الدولية لعمال الماكينات والطيران إلى قائمة التحديات التي تواجه الشركة بالفعل، بدءاً من عبء الديون الهائل إلى الشركة الفرعية الدفاعية المتعثرة إلى التدفق النقدي الهزيل. 

ويضيف توقف العمل إلى الضغوط الناجمة عن تداعيات الانقطاعات في الجودة بعد الكارثة التي كادت تقع في بداية العام والتي دفعت إلى إجراء تحقيقات وثورة من جانب العملاء وتغيير الرئيس التنفيذي للشركة. وتعرضت طائرة بوينغ من طراز "737 ماكس 9" تابعة لخطوط ألاسكا الجوية، في يناير/كانون الثاني الماضي، لانفجار جزء يطلق عليه اسم "سدادة الباب" من جانب الطائرة. ولم يصب أحد بأذى في الحادث، لكن أُوقف تحليق جميع طائرات "بوينغ 737 ماكس 9" لمدة 19 يوماً. كذلك قررت إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية، تأكيد مراجعتها خط إنتاج طائرة بوينغ 737 ماكس 9 ومورديها، مع التركيز على ضمان مراقبة الجودة.

وقبلها، تعرضت بوينغ لحادثي تحطم طائرتين من طراز 737 ماكس في إندونيسيا وإثيوبيا في غضون خمسة أشهر في عامي 2018 و2019، ما أدى إلى مقتل 346 شخصاً. وتوصلت بوينغ في يوليو/تموز الماضي إلى اتفاق مع وزارة العدل الأميركية بشأن الحادثتين، ونص الاتفاق على أن تدفع بوينغ أيضاً غرامة جنائية قدرها 243.6 مليون دولار. وأكد متحدث باسمها أنها "توصلت مع وزارة العدل إلى اتفاق من حيث المبدأ على شروط إنهاء (القضية)". ووفقاً للملف المقدم إلى المحكمة، وافقت الشركة أيضاً على استثمار ما لا يقل عن 455 مليون دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة لتعزيز برامجها المتعلقة بالسلامة. 

غالبية عمالية مع الإضراب 

وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الجمعة، إن نقابة العمال الميكانيكيين في بوينغ التي تُعَدّ أكبر نقابة عمالية في عالم الطيران نفذت إضراباً عن العمل، ما أوقف إنتاج طائرات بوينغ الأكثر مبيعاً ووجّه الضربة الأخيرة لشركة الطيران العملاقة المتعثرة. وأدى الإضراب منذ صباح الجمعة إلى إغلاق مصنعين رئيسيين لتجميع الطائرات في مدينتي رينتون وايفيريت، ينتجان طائرات 737 ماكس وطائرات الشحن 777 و767 التي تعاني في الأصل من تأخير في عمليات تسليمها. كذلك توقف الإنتاج في مواقع أخرى، بينها مصنع لقطع الغيار في مدينة بورتلاند في ولاية أوريغون، ومقر لإعادة تصنيع العشرات من طائرات 787 دريملاينر في إيفريت يعمل منذ عدة أشهر. ولكن لم تتأثر عمليات تجميع طائرات دريملاينر حالياً، لأن مصنعها يقع في ولاية كارولينا الجنوبية (شرق) ولا يشمله الإضراب. 

ووفق تقرير وول ستريت جورنال، رفض العمال المضربون اتفاق العمل المبرم بين قادة النقابة والمديرين التنفيذيين لشركة بوينغ الأسبوع الماضي. وينص العقد على زيادة في الأجور بنسبة 25% على مدى أربع سنوات. بينما تريد النقابة رفعها إلى 40%. وقال قادة النقابات التابعة للرابطة الدولية للميكانيكيين وعمال الفضاء التي تضم 33 ألف عضو من أصل 170 ألف موظف في مجموعة بوينغ، إن حوالى 94% من أعضائهم صوتوا لصالح رفض العقد، و96% صوتوا لصالح الإضراب. وأضاف المسؤولون أنهم سيسعون للعودة إلى طاولة المفاوضات مع الشركة. وتعهد عمال بوينغ بالاحتجاج في نحو 30 موقعًا للشركة من كاليفورنيا إلى موزس ليك في شرق واشنطن. 

وقال جون هولدن، رئيس منطقة IAM 751، إن "عرض بوينغ لم يعوض عن 16 عامًا من الأجور الراكدة، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية من الجيب ونقل آلاف الوظائف النقابية"، وأضاف أن النقابة ستعود إلى الطاولة "بأسرع ما يمكن". وقال هولدن مساء الخميس، أمام قاعة مليئة بأعضاء النقابة ووسائل الإعلام: "لقد طال انتظار هذا الأمر، وتحدث أعضاؤنا بصوت عالٍ وواضح الليلة". "من الواضح أن هناك جوانب في هذا الاتفاق لم تكن جيدة بما فيه الكفاية". وبحلول الوقت الذي انتهى فيه من الحديث، كانت هتافات "إضراب، إضراب" صاخبة.

وقال كريس سوليس، أحد العمال المضربين الذين تجمعوا خارج المدخل الرئيسي لمصنع رينتون 737 لبلومبيرغ: "لقد بدا أحدث بريد إلكتروني تلقيناه من الرئيس التنفيذي وكأنه تهديد تقريبًا". وأضاف: "كانوا يقولون إن هذا لن ينتهي بشكل جيد، ولن يفوز أحد. هذا هو الهدف الكامل من الإضراب، وهو كسب مزايا أفضل ودفع رواتب لكل هؤلاء الأشخاص". وقال ماركوس أمادور، بعد لحظات من خروج العمال من العمل في مصنع رينتون بواشنطن، حيث تصنع بوينغ الطائرة 737: "نعتقد أننا لا نطلب أكثر مما نستحق". وصاح وسط هتافات المضربين والمؤيدين وأبواق السيارات.

وقال أمادور، وهو يعمل مفتش جودة بالشركة، إنه عمل في الشركة لمدة 13 عاماً. وأشار أحد الموظفين إلى أن الأجر المبدئي المقترح بموجب العقد الجديد، 21 دولارًا في الساعة، كان مشابهًا للأجور المبدئية في سلسلة مطاعم برغر المحلية التي تقدم تأمينًا صحيًا مجانيًا للموظفين. وتابع: "يمكنك كسب المزيد من المال من خلال تقليب البرغر".

وقالت كامي براين التي تعمل في بوينغ منذ 18 عاماً، لوكالة فرانس برس بعد التصويت لصالح الإضراب: "لقد باعونا بثمن بخس... لا يمكن أن نقبل هذه القروش التي يعرضونها علينا وأن نكون ممتنين لهم" مشيرة إلى ضخامة مرتب رئيس الشركة. بينما قال الكهربائي بول جانوسيك إن العرض الذي قدمته بوينغ "مضلل... إنهم يتحدثون عن زيادة بنسبة 25%، لكن هذه ليست هي الحال". وأضاف جانوسيك البالغ 55 عامًا ويعمل في بوينغ منذ 13 عامًا أن الزيادة على راتبه ستكون فقط بنحو 9% لدى أخذ إلغاء المكافأة السنوية في الاعتبار.

ويعود الإضراب الأخير في المجموعة إلى سنة 2008، واستمر 57 يوماً. ولفت الإضراب انتباه البيت الأبيض، الذي قال إن مسؤولي إدارة بايدن على اتصال بكلا الجانبين. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض روبين باترسون: "نشجعهم على التفاوض بحسن نية - نحو اتفاق يمنح الموظفين الفوائد التي يستحقونها ويجعل الشركة أقوى".

وعلى الرغم من قرار الإضراب أعلنت الإدارة في بيان: "نحن ملتزمون استعادة علاقاتنا بموظفينا والنقابة، ونحن على استعداد للعودة إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق جديد". وتعهد الرئيس الجديد للشركة كيلي أورتبرغ بعد أسبوع على توليه منصبه في الثامن من آب/أغسطس، بالعمل على تحسين العلاقة مع النقابة. وقال إنه "ليس سرًا أن أعمالنا تمر بفترة صعبة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أخطائنا الماضية. ... الإضراب من شأنه أن يعرقل انتعاش المجموعة وموظفيها".
وحث كيلي الموظفين على عدم "التفريط" بالتقدم المتوقع مستقبلًا بسبب "احباطات الماضي".

وخسرت بلومبيرغ، وفقًا لوكالة أسوشييتد برس، أكثر من 25 مليار دولار في السنوات الست الماضية وتخلفت عن منافستها الأوروبية إيرباص.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

تداعيات الإضراب على بوينغ

في حالة استمرار الإضراب لأسابيع، سيتعين على بوينغ دفع تكلفة باهظة لا تستطيع تحملها لإرضاء العمال، وسيؤدي إلى استنزاف نحو 12.6 مليار دولار من السيولة النقدية لدى بوينغ التي لديها ديون ضخمة تبلغ 58 مليار دولار، ما يثير المخاوف من أنها قد تفقد تصنيفها الاستثماري.

وقالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني وكذلك وكالة فيتش للتصنيف الائتماني يوم الجمعة، إنهما قد يخفضان تصنيفهما إلى درجة غير مرغوب فيها. وقال رون إبستاين المحلل في بنك أوف أميركا في مذكرة للعملاء: "نرى أن بوينغ في وضع ضعيف بشكل خاص". وأضاف وفقًا لبلومبيرغ أن بوينغ ستحتاج على الأرجح إلى تقديم المزيد من التنازلات للاقتراب من زيادة الأجور بنسبة 40٪ التي سعى لها الاتحاد العمالي في البداية.

وقال كين هربرت، المحلل في آر بي سي كابيتال ماركتس، في مذكرة، إن شركة صناعة الطائرات لديها قوة تفاوضية أقل مما كانت عليه في المفاوضات السابقة. ويقدر أن بوينغ ستخسر حوالى 500 مليون دولار نقدًا كل أسبوع يظل فيه العمال على خطوط الاعتصام. وقال هربرت: "ما زلنا نعتقد أن لدى بوينغ كل الحوافز للتفاوض على صفقة بحسن نية وفي غضون فترة زمنية قصيرة".

ويفيد محللون في شركة تي دي كوين TD Cowen، بأن الإضراب لمدة 50 يومًا من شأنه أن يحرم بوينغ 3 مليارات دولار إلى 3.5 مليارات دولار من السيولة. كذلك انخفضت أسهم بوينغ بنسبة 4.4% اعتبارًا من الساعة 1:41 مساءً في نيويورك يوم الجمعة. انخفض السهم بنحو 38% هذا العام.

المساهمون