بعد التهنئات الحارة التي تلقاها الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن من قادة دول الاتحاد الأوروبي، فإن السؤال المطروح في أسواق المال العالمية هو: هل يعود الدفء إلى العلاقات التجارية والاقتصادية بين واشنطن وبروكسل، التي هددها دونالد ترامب بحروبه التجارية ورسومه الجمركية؟
وفق محللين أوروبيين، فإن عودة العلاقات إلى طبيعتها في أعقاب التوتر الذي شابها خلال الأربع سنوات الماضية هي فترة ترامب الأولى، قد يأخذ وقتاً، على الرغم من التصريحات الإيجابية التي صدرت مؤخرا عن بايدن.
في هذا الشأن، يرى الزميل في معهد "مارشال فاند" الألماني، بيتر تشيس، أن قضية ترميم العلاقات الأميركية مع أوروبا سيأخذ وقتاً، إذ هنالك العديد من القضايا الداخلية التي تنتظر بايدن في حال الانتقال السلس للسلطة في 20 يناير/كانون الثاني المقبل.
وبحسب تشيس، فإن "بايدن يواجه العديد من العقبات، وقد يعمل في البداية على معالجة القضايا الداخلية، التي من بينها أزمة جائحة كورونا وتداعياتها وأزمات الاقتصاد الأميركي، إضافة إلى توحيد الصفوف داخل المجتمع".
وسيكون من المهم كذلك الأخذ بالاعتبار أن الجهاز التشريعي أو الكونغرس الذي يصدر القوانين لا يزال منقسماً بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وبالتالي قد يجد بايدن صعوبة في إصدار تشريعات جديدة في أعقاب تسلمه للسلطة.
وانتقد تشيس، في تصريحات لوكالة أسوشييتد برس، القرار الذي اتخذته المفوضية الأوروبية في العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، بفرض جمارك تصل إلى 4 مليارات دولار على سلع وخدمات أميركية، بسبب الدعم المالي الذي تقدمه واشنطن لشركة بوينغ للطيران.
ورأى أن دول الاتحاد الأوروبي تسرعت في القرار، وكان يجب عليها أن تنتظر لشهور قبل تمرير هذه العقوبات. وقال في هذا الصدد: "إن أوروبا ليست بحاجة لعرقلة التجارة مع أميركا في هذا الوقت".
من جانبه، يرى السفير الأميركي السابق لدى دول الاتحاد الأوروبي في عهد الرئيس باراك أوباما، أنتوني غاردنر، أن الإدارة الجديدة ستكون أكثر ميلاً للتعاون مع أوروبا، إلا أنها ترغب أولاً في إقناع مناصري الرئيس دونالد ترامب بأن التعاون مع أوروبا يخدم المصالح الأميركية أكثر من العداء والمواجهة التجارية والاقتصادية.
وخلال السنوات الماضية، نشأت خلافات تجارية كبيرة بين واشنطن وبروكسل، تركزت على أربع قضايا رئيسية، هي الملف التجاري، إذ طالبت الإدارة الأميركية دول الاتحاد الأوروبي بخفض الفائض التجاري الكبير لأوروبا مع الولايات المتحدة. وربما لا تختلف إدارة بايدن مع إدارة ترامب في ضرورة خفض هذا الفائض التجاري من حيث المبدأ، ولكنها لا تتفق معها في أسلوب المعالجة عبر فرض الرسوم ورفع القضايا في محاكم منظمة التجارة العالمية.
أما القضية الخلافية الثانية، فهي الخاصة بحصة الدول الأوروبية في تمويل نفقات حلف شمال الأطلسي "ناتو".
أما القضية الثالثة، فهي العلاقات التجارية والاقتصادية مع الصين، خاصة قضية انضمام دول أوروبية أعضاء في الاتحاد لمبادرة "الحزام والطريق" التي تسمح بالتمدد التجاري لشركات التنين الصيني في أوروبا، وهو ما يتعارض مع استراتيجية الولايات المتحدة الرامية إلى محاصرة الشركات الصينية وعزل الصين دولياً.
أما القضية الرابعة، فتخص شركات التقنية والإنترنت الأميركية التي تعرضت للغرامات في المحاكم الأوروبية. وهي قضايا لا تشكل مثار خلاف كبير بين أوروبا وأميركا، في وقت تواجه فيه الديمقراطيات الغربية مخاطر الركود الاقتصادي بسبب جائحة كورونا وصعود التنين الصيني في الأسواق العالمية على حساب الشركات الأوروبية والأميركية.
على صعيد احتواء النفوذ الصيني في آسيا، لا يبدو أن هنالك خلافاً كبيراً بين واشنطن وبروكسل. ويرى الخبير الأميركي غاردنر في تعليقات نقلتها صحيفة "وول ستريت جورنال" في عددها الصادر أمس، أن إدارة الرئيس ترامب ارتكبت خطأً كبيراً بعدم إشراك أوروبا في جهود احتواء النفوذ الصيني.
وتقترح ألمانيا أن يشرك في المستقبل أسطولاً عسكرياً أوروبياً، إلى جانب الأسطول الأميركي في بحر الصين الجنوبي، لمواجهة تغوّل الصين على دول النمو الآسيوية الصغيرة. وتقترح أوروبا كذلك زيادة حجم التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي مع دول آسيا الديمقراطية لإحداث التوازن المطلوب بين النفوذ الغربي والصيني في آسيا.
وتعمل أوروبا منذ الصيف الماضي على تشديد الإجراءات وفحص الصفقات الصينية الخاصة بشراء الشركات الأوروبية، وخاصة الشركات التي تعمل في مجال التقنية والبرمجة والإنترنت. وقد أصدرت المفوضية الأوروبية خلال الشهور الماضية عدة إجراءات تحظر تملك الشركات الصينية لحصص تؤهلها لاتخاذ قرار إداري في الشركات الأوروبية.
وحسب تقارير أوروبية، يأمل قادة الاتحاد الأوروبي كذلك عودة سريعة لواشنطن إلى المنظمات الأممية متعددة الأطراف التي انسحبت منها واشنطن أو سعت إلى إضعافها، مثل منظمة الصحة العالمية والمفاوضات الخاصة بتحجيم البرنامج النووي الإيراني التي تعرف بمفاوضات "5+1" وإعادة الدعم المالي لمنظمات الأمم المتحدة وتعزيز قوانين التجارة العالمية.
على صعيد منظمة التجارة العالمية، يأمل قادة الاتحاد الأوروبي العمل مع إدارة بايدن على تعزيز قوانين المنظمة الخاصة بحقوق الملكية الفكرية، ومعاقبة المنظمة للصين على سلوكياتها الخاصة بإجبار الشركات الغربية المستثمرة في أراضيها على نقل تقنياتها للشركات الصينية، وكذلك معاقبتها على الدعم الحكومي الذي تقدمه لشركاتها ويشوه قوانين المنافسة الحرة.
يُذكر أن قادة الاتحاد الأوروبي يعملون على إعداد قائمة بالقضايا التي يرغبون في معالجتها مع الرئيس المنتخب بايدن، وترتيب لقاء معه قبل تنصيبه في العشرين من يناير/ كانون الثاني المقبل.