نعم، نستطيع نحن العرب توجيه صفعة قوية للرئيس الأميركي دونالد ترامب على قراره المشؤوم الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال إذا أردنا ذلك، وبما أن ترامب لا يفهم سوى لغة المال والبزنس والمصالح الاقتصادية، هنا يجب التعامل معه بنفس السلاح إذا كنا حقاً نريد معاقبته على قراره الكارثي المخالف للقوانين الدولية وللتاريخ والجغرافيا.
ولتكن ضربتنا من باب مقاطعة المنتجات والسلع الأميركية، وهذه الضربة لا يجب أن نقلل من تأثيرها السلبي على الاقتصاد الأميركي، خاصة إذا ما نظرنا إلى حجم واردات الدول العربية والإسلامية من الأسواق الأميركية وأسواق الدول التي تدعم قرار ترامب مستقبلاً.
نحن هنا نتحدث عن سوق مستهلكين للسلع الأميركية يفوق 1.7 مليار نسمة، هم عدد سكان هذه الدول الإسلامية، وهؤلاء يشكلون نحو ربع سكان العالم، ويستوردون معظم غذائهم وسلاحهم ودوائهم وأجهزة اتصالاتهم ووسائل ترفيههم من الولايات المتحدة.
مثلا، تستطيع الحكومة السعودية، إلغاء الاتفاقيات والصفقات التي أبرمتها مع ترامب في مايو/أيار الماضي بقيمة 460 مليار دولار، منها 110 مليارات دولار قيمة صفقات عسكرية، بالإضافة إلى صفقات تعاون دفاعي بقيمة 350 مليار دولار، وذلك في حال أرادت أن تثبت للرئيس الأميركي أن قضية القدس خط أحمر، وأن للقدس المحتلة رمزية دينية عند 1.7 مليار مسلم.
كما تستطيع السعودية أيضا توجيه صفعة قوية لترامب عبر التوقف عن شراء المنتجات الأميركية، وهي بالمناسبة ضخمة من حيث القيمة والكميات، وحسب الأرقام الصادرة عن وزارة التجارة والاستثمار السعودية، فإن حجم التبادل التجاري بين المملكة والولايات المتحدة في عام 2016 بلغ نحو 142 مليار ريال (ما يعادل 37.86 مليار دولار)، منها واردات سعودية من أميركا بقيمة 75.8 مليار ريال، أنا هنا أتحدث عن سلع ومنتجات وليس أسلحة وطائرات.
وتستطيع الحكومات الخليجية والعربية الأخرى التوقف عن شراء السلاح الأميركي، إذا كانت صادقة بالفعل في معارضتها قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها.
وتستطيع الحكومات العربية أيضا معاقبة ترامب اقتصاديا عن طريق سحب استثماراتها من أميركا، أو على الأقل تجميدها وعدم ضخ مليارات الدولارات من الاستثمارات الجديدة في الشركات الأميركية كما وعدت ترامب بذلك عقب انتخابه، وكذلك إلغاء اتفاقيات مناطق التجارة الحرة المشتركة، واتفاقات أخرى في مجال الاستثمار والتجارة والضرائب.
كما تستطيع هذه الحكومات التوقف عن شراء شركات أميركية عملاقة تعمل في مجال النفط والبنوك والطيران والاتصالات وغيرها، أو إبرام صفقات جديدة بمليارات الدولارات في الأسواق الأميركية، أو إيداع احتياطي البنوك المركزية العربية من النقد الأجنبي البالغ أكثر من تريليوني دولار في البنوك الأميركية منها ما يقرب من 500 مليار دولار احتياطي مملوك للبنك المركزي السعودي.
وتستطيع الحكومات العربية سحب استثماراتها من أدوات الدين الأميركية، سواء المستثمرة في السندات أو أذون الخزانة والبالغ قيمتها أكثر من 253 مليار دولار، منها 142 مليار دولار مملوكة للسعودية وحدها ونحو 60 مليار دولار مملوكة للإمارات.
وتستطيع مصر والمغرب والعراق والأردن والجزائر وغيرها من الدول العربية التوقف عن شراء القمح والأغذية والزيوت وأجهزة الاتصالات والكمبيوتر وغيرها من السلع الأميركية.
كما تستطيع الحكومات العربية أيضاً، التوقف عن إبرام صفقات مع شركات الطيران الأميركية والتي يتم بموجبها شراء طائرات، تتجاوز قيمتها عشرات المليارات من الدولارات سنويا.
نعم تستطيع حكومات الدول العربية والإسلامية معاقبة ترامب اقتصاديا على جريمته، لكن هل تستطيع فعل ذلك؟
أشك في ذلك، ولذا، فإن الأمل معقود على الشعوب العربية، لا على الحكومات، وقد يسأل بعضهم: وما تأثير خطوة مقاطعة المنتجات الأميركية والإسرائيلية من قبل الشعوب العربية على اقتصاد بحجم الاقتصاد الأميركي؟
حسب الأرقام الرسمية، فإن حجم التبادل التجاري بين الدول العربية وأميركا تجاوز المائة مليار دولار في عام 2016، وبالتالي فإن الشعوب العربية قد يكون لها دور مهم في معاقبة ترامب اقتصاديا على قراره المشؤوم عن طريق المشاركة بفاعلية، في حملة مقاطعة المنتجات والسلع الأميركية التي دعت لها منظمات مجتمع مدني وأحزاب وقوى سياسية عربية صباح اليوم الخميس.
لكن، كيف يتم ذلك على أرض الواقع؟ كيف يتم تفعيل مثل هذه الحملات الشعبية وتنظيمها، بحيث تكون متواصلة، وليست لأيام معدودة حتى ينسى بعضهم جريمة ترامب.
هذا ما سنتناوله في المقال القادم.