كلّف مجلس الوزراء اللبناني مجلس الإنماء والإعمار بالإشراف على عملية هدم أهراءات مرفأ بيروت (صوامع القمح)، ووزارتي الثقافة والداخلية بإقامة نصب تذكاري تخليداً لذكرى شهداء الانفجار، في خطوة يعتبرها الأهالي محاولة لإسكاتهم في ظل رفضهم المطلق القيام بأي خطوة للمضي قدماً في مسرح جريمة 4 أغسطس/آب قبل جلاء الحقيقة وتحقيق العدالة.
يأتي قرار مجلس الوزراء اللبناني في الجلسة التي عقدها، اليوم الخميس، برئاسة الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا الجمهوري، بناءً على توصيات اللجنة الوزارية المُشكَّلة للنظر في الملف، وبالاستناد إلى تقرير فني أصدرته شركة خطيب وعلمي الاستشارية للدراسات الهندسية التي طلب منها إبداء الرأي بالملف ودراسة الهدم.
وتبيّن من خلال الدراسة التي أجرتها "خطيب وعلمي" أنّ صوامع القمح آيلة للسقوط وهي خطرة على السلامة العامة، كما أنّ تكاليف ترميمها باهظة جداً ولن تعيدها إلى ما كانت عليه، وفق ما أكد وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري خلال تلاوته مقررات جلسة مجلس الوزراء.
وقال المكاري "عندما يكون بيدنا تقرير فني لا يمكن لأحد أن يتحمّل المسؤولية"، وذلك في معرض رده على أسئلة الصحافيين حول ردة الفعل المنتظرة من أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، الذين سبق أن أكدوا، في وقفاتهم الاحتجاجية التي رافقت إعلان وزير الاقتصاد أمين سلام عن بدء استدراج العروض لمناقصة تنفيذ مشروع هدم صوامع القمح، معارضتهم للقرار أو حتى إعادة إعمار المرفأ قبل جلاء الحقيقة وتحقيق العدالة.
وكان مدير أهراءات مرفأ بيروت أسعد الحداد قد أكد في وقتٍ سابقٍ، لـ"العربي الجديد"، أنّ هناك ضرورة لهدم الأهراءات "كونها تميل تدريجياً وهي مهددة بالسقوط"، لكنه شدد في المقابل على "أهمية بناء مبنى جديد في موقع آخر، باعتبار أنّ هناك عائلات تعيش من وراء هذا المبنى".
وتجدر الإشارة إلى أن تقارير إعلامية أجنبية عدة تحدثت عن دور المبنى الذي بدأ بناؤه عام 1968 وهندسته التي ساهمت في امتصاص جزء كبير من عصف الانفجار.
في المقابل، نشرت "المفكرة القانونية" (منظمة غير ربحية) تحقيقاً يدحض ادعاءات الحكومة اللبنانية التي تقول إنّ الأهراءات ستسقط بينما القسم الشمالي فقط مهدد بالسقوط، وأنه حتى لو أظهرت الدراسات الجارية إمكانية سقوطه، فإنه يمكن الإبقاء عليه باعتباره رمزاً. وبخلاف ما تدعي الحكومة، حاولت "المفكرة" إثبات إمكانية الحفاظ على القسم الجنوبي كما هو حتى لو جرى تدمير القسم الشمالي.
وقالت "المفكرة" في تحقيقها، أمس الأربعاء، إنّ الحكومة "اتخذت قرار الهدم بحجة الحفاظ على السلامة العامة تارةً وعلى الأمن الغذائي طوراً. وبالتوازي مع أسلوب الترهيب والتحذير الذي تنتهجه في محاولتها إقناع الرأي العام وأهالي الضحايا بضرورة هدم الأهراءات، تسعى أيضاً إلى برطلتهم وإرضاء خواطرهم بنصب تذكاري ضخم يحمل أسماء الضحايا".
حين اتخذت الحكومة قرارها بهدم #الإهراءات لم تأخذ بآراء هندسية مختلفة. فغفلت مثلاً عن دراسة المهندس يحيى تمساح، مساعد عميد كلية الهندسة في الجامعة العربية، التي أجراها بُعيد التفجير، واستبعد فيها هبوط القسم الشمالي من الإهراءات في المدى القريب. 1/3https://t.co/2dImVJIB0x
— Legal Agenda (@Legal_Agenda) April 13, 2022
من ناحية ثانية، وافق مجلس الوزراء اللبناني على استعمال حقوق السحب الخاصة للأمور الطارئة، وقرّر صرف أموال للقمح بقيمة 15 مليون دولار، و13 مليون دولار لتأمين الأدوية المستعصية، وستين مليون دولار مستحقات لكهرباء لبنان.
وكان لبنان حصل من صندوق النقد الدولي على نحو 1.13 مليار دولار بدل حقوق السحب الخاصة SDR والذي كانت وزارة المالية اللبنانية تبلغت في 16 سبتمبر/أيلول الماضي بتسلمه.
وأعلن وزير الإعلام أنّ الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء ستطرح موضوع رفع دعم مصرف لبنان التدريجي عن القمح، ومن المرتقب أن يبقى الدعم على القمح المخصص لإنتاج الخبز العربي.
ولفت إلى أنّ مجلس الوزراء، الذي بحث اليوم جدول أعمال من 29 بنداً، قرّر إحالة البندين المتعلقين بقانون السرية المصرفية والاستقراض من مصرف لبنان إلى مجلس النواب لمناقشتهما، كما طلب من الوزراء تقديم مقترحاتهم خلال مدة أسبوع حول الاتفاق المبدئي الذي عقد مع صندوق النقد الدولي.
وفي مستهلّ الجلسة، أكد الرئيس اللبناني ميشال عون أنه "مطلوبٌ اتخاذ إجراءات سريعة لإقرار مواضيع مهمة قبل نهاية ولاية مجلس النواب واستقالة الحكومة، أهمّها استراتيجية إعادة هيكلة المصارف التي ستحدِّد وتعالج الخسائر في القطاع، إطلاق عملية استعادة صحّة القطاع المالي، مع تقييمٍ مدعوم خارجياً لكلّ مصرفٍ على حدة، من خلال توقيع الشروط مع شركة دولية مرموقة".
كما أن المطلوب برأيه "تعديل قانون السرية المصرفية لجعله يتماشى مع القانون الدولي ومعايير محاربة الفساد وإزالة العوائق أمام هيكلة فعّالة للقطاع المصرفي والرقابة عليه وعلى إدارة الضرائب، والتحقيق بالجرائم المالية واسترداد الأصول وإتمام التدقيق في وضع الأصول الأجنبية لمصرف لبنان، لبدء تحسين شفافيته واعتماد استراتيجية متوسطة المدى لإعادة هيكلة المالية العامة والديون المطلوبة لاستعادة القدرة على تحمل الديون وغرس الصدقية في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وإعادة الإعمار وإقرار موازنة 2022 وتوحيد مصرف لبنان لأسعار الصرف".
بدوره، قال رئيس الوزراء نجيب ميقاتي إنّ "الاتفاق المبدئي الذي توصلنا إليه بالأحرف الأولى مع صندوق النقد الدولي أمامه مراحل طويلة وصعبة، لكنه وضع القطار على سكة الحل".
ولفت إلى أنّ "هناك محطات كثيرة متوقَّعة، لكن بإصرارنا ومتابعتنا يمكننا إخراج البلد من الأزمة الاقتصادية التي نمر بها"، مشيراً إلى أنّ "بعثة الصندوق حددت مفاصل أساسية لنهوض الاقتصاد، وطلبت ربطها بأرقام اقتصادية، ونحن حددنا مهلاً زمنية ونعتبر أنّ لبنان إذا استعاد الثقة باقتصاده يكون تعافيه أسرع بكثير".
وأضاف "خطة التعافي تتضمن عناوين أساسية لا أعتقد أنّ أحداً يختلف عليها، وهي عبارة عن مشاريع قوانين ترسل تباعاً لمجلس النواب، بدءاً بالموازنة وقانون مراقبة التحاويل إلى الخارج وموضوع تعديل قانون السرية المصرفية وجوهره رفع السرية المصرفية عن كل من يتعاطى الشأن العام".
وتابع "سنعرض قريباً خطة الطوارئ لإعادة هيكلة المصارف في لبنان، وعندما نستكمل إنجاز هذه المشاريع وإحالتها إلى مجلس النواب، نكون قد قمنا بكل ما هو مطلوب منا تجاه صندوق النقد الدولي".
ورأى ميقاتي أنّ خطة الكهرباء التي أقرّت "تمثل خطوة أساسية نحو التعافي الاقتصادي الكامل".
وسريعاً، نفذ أهالي الضحايا تحركاً عند تمثال المغترب في بيروت رفضاً لقرار الحكومة هدم الأهراءات الذي وصفوه بـ"الجائر" ووضعوه في دائرة "الإمعان في الوقاحة والاستهتار بدم الشهداء، وسعياً لمحو الجريمة وآثارها".
اعتصام لأهالي ضحايا جريمة مرفأ #بيروت، أمام تمثال المغترب، رفضاً لقرار الحكومة اليوم هدم اهراءات المرفأ.
— أخبار الساحة (@Akhbaralsaha) April 14, 2022
من صفحة سلمان العنداري#أخبار_الساحة #انفجار_بيروت pic.twitter.com/oWns0gXZzc
وعبّر الأهالي عن رفضهم هدم الأهراءات فيما القرار الظني لم يصدر بعد، داعين إلى ترك التحقيقات تأخذ مجراها، لافتين إلى أن هناك دراسات كثيرة تتحدث عن إمكانية استبدال الهدم بالتدعيم.
من جهته، طالب نقيب المهندسين في بيروت عارف ياسين، خلال مشاركته في الوقفة الاحتجاجية، بإبقاء المبنى الذي هو غير قابل للاستخدام شاهداً على ثالث أكبر تفجير في العالم، لافتاً إلى أن كل بناء قابل للتدعيم حتى يبقى شاهداً على المأساة.