بينما أعلن مجلس الاحتياط الفدرالي "البنك المركزي الأميركي" مساء الثلاثاء، استعداده لإنهاء التمويل الرخيص ورفع الفائدة على الدولار في النصف الأول من العام الجاري، بدأ كبار المستثمرين يراجعون حساباتهم الاستثمارية وإعادة تقييم محافظ استثماراتهم بأدوات المال الرئيسية في العام المقبل.
ويلاحظ أن رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي، جيروم باول، اعترف ولأول مرة أنّ "مخاطر التضخم قد ارتفعت كثيراً ولم تعد أمراً مؤقتاً كما كان يعتقد في السابق" كما أشار في إفاداته أمام لجنة المصارف بمجلس الشيوخ، إلى أنّ مخاطر المتحور "أوميكرون" قد تؤدي إلى اضطراب في سلاسل الإمداد، وبالتالي تزيد من معدل التضخم.
التوقعات تشير إلى أنّ سعر الفائدة الأميركية سيرتفع بسرعة أكبر من توقعات سابقة، وتلقائياً سيتبعها ارتفاع الفائدة في أوروبا وآسيا والخليج التي ترتبط عملاتها بالدولار
لكن في المقابل فإن المتحور الجديد ربما سيتفاعل ليؤثر على زيادة معدل البطالة وتراجع مستويات الدخول في الولايات المتحدة في حال لجوء البلاد لعمليات إغلاقات للاقتصاد مثلما حدث في العام الماضي.
وحتى الآن يرى محللون أن نمو الاقتصاد الأميركي قوي جداً، وأن ضغوط التضخم مرتفعة، وبالتالي تستدعي تشديد السياسة النقدية ووقف برنامج شراء السندات البالغ حجمه 120 مليار دولار شهرياً.
ولذا فالتوقعات تشير إلى أنّ سعر الفائدة الأميركية سيرتفع بسرعة أكبر من توقعاتهم السابقة، وتلقائياً سيتبعها ارتفاع الفائدة في أوروبا وآسيا ودول الخليج التي ترتبط عملاتها بالدولار.
ويرى محللون في مؤسسة "أوكسفورد إيكونومكس" أنّ ارتفاع سعر الفائدة على الدولار سيكون له تأثير مباشر وكبير على أسواق الأسهم وأسعار الصرف العالمية بسبب حجم الاقتصاد الأميركي الضخم الذي يقدر بنحو 23.17 تريليون دولار في العام الجاري، وكذلك بسبب حجم سوق الأسهم الأميركي المقدر بنحو 48.57 تريليون دولار، حسب بيانات "غلوبال إيكويتي إيفاليويشن" في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
كما يقدر حجم السندات الأميركية بنحو 40 مليار دولار، وبالتالي فإن إجمالي حجم الأصول الأميركية التي تتم المتاجرة فيها عالمياً تقارب 95 تريليون دولار.
يقدر حجم السندات الأميركية بنحو 40 مليار دولار، وإجمالي حجم الأصول الأميركية التي تتم المتاجرة فيها عالمياً تقارب 95 تريليون دولار
في هذا الشأن، يرى مدير استراتيجيات الاقتصاد الكلي في مؤسسة "أوكسفورد إيكونومكس" للأبحاث الاقتصادية، غوراف ساروليا، أنّ رفع سعر الفائدة سيكون له تأثير كبير على الاقتصادات العالمية بسبب ضخامة الاقتصاد الأميركي".
من جانبه يقول الخبير الأميركي، مارتن تيلر، في تحليل بنشرة ناسداك الأميركية، إن رفع الفائدة الأميركية وارتفاع معدل التضخم سيكون لهما تأثير مباشر على معظم الأدوات المالية، ويوصي المستثمرين بضرورة حساب الربح الحقيقي من الاستثمار، أي خصم معدل التضخم من الدخول المتحققة.
لكن يبدو أنّ الصداع الأكبر للمستثمرين في أنحاء العالم، خصوصاً الأسواق الناشئة، يتمثل في سعر صرف الدولار المرتفع حالياً والمتوقع ارتفاعه أكثر في العام المقبل، إذ إنّ تشديد السياسة النقدية ورفع الفائدة سيعنيان ارتفاع الدولار والأصول المقومة به.
وحتى الآن، تتوقع معظم المصارف الأميركية وعلى رأسها " جي بي مورغان" و"مجموعة " سيتي بانك"، ارتفاع الدولار بمعدل كبير خلال العام المقبل.
كما يتوقع مصرف "جي بي مورغان" أن يساهم ارتفاع الدولار في زيادة سعر أسهم الشركات والسندات الأميركية. وذلك بسبب توقعات زيادة تدفق الاستثمارات العالمية الباحثة عن العائد الدولاري نحو الولايات المتحدة لشراء الأصول بها.
من بين الدول التي ستتأثر بارتفاع الدولار، الدول التي لديها ديون قصيرة الأجل بالدولار مثل مصر وتركيا وباكستان وبعض الدول الأفريقية الفقيرة
على الصعيد العالمي، يرى محللون في تعليقات لصحيفة " نيويورك تايمز"، أن الشركات العالمية المصدرة للسوق الأميركي سترتفع قيمتها السوقية بسبب ارتفاع حجم مبيعاتها الدولارية حينما تحول دخولها إلى العملة المحلية.
لكن في المقابل فإن الشركات التي تستورد من السوق الأميركي ستضطر لرفع أسعارها وربما يرتفع معدل غلاء السلع وعلى رأسها المشتقات البترولية في بعض الدول ويقود إلى اضطرابات سياسية، حيث إن النفط من السلع التي تباع بالدولار.
ومن بين الدول التي ستتأثر بارتفاع الدولار، إضافة إلى الدول المستوردة للنفط، تلك التي لديها ديون قصيرة الأجل بالدولار مثل مصر وتركيا وباكستان وبعض الدول الأفريقية الفقيرة. وهذه الدول ستعاني من ارتفاع خدمة الديون وربما ستعاني كذلك من النقص في السيولة الدولارية.
أما دول الخليج فيرى محللون أنّها ستستفيد من الدولار القوي لسببين، أولها أنّها ستبيع النفط والغاز الطبيعي بسعر أعلى للعملة الأميركية، كما يلاحظ أن معظم وارداتها تأتي من الصين ودول جنوب آسيا وليس من الولايات المتحدة. وبالتالي فهي ستسدد فاتورة الواردات بالدولار المرتفع وتشتري من أسواق منخفضة العملات.
وتبعاً لذلك لن تكون من بين الدول المستوردة للتضخم الأميركي المرتفع أو التي ستتأثر بارتفاع فاتورة الواردات.
على صعيد أداء أسواق المال، لاحظ تحليل بصحيفة "فاينانشيال تايمز" أمس الأربعاء، أنّ أسعار الأسهم الأميركية التي حققت أعلى ارتفاعاتها خلال العام الجاري ستواصل الارتفاع بسبب تدفق الاستثمارات الأجنبية في سوق "وول ستريت".
أداء سوق المال الأميركي فاق كثيراً أداء البورصات العالمية خلال 2021، إذ بلغ حجم التداول اليومي في سوق "وول ستريت" نحو 554 مليار دولار
وحسب بيانات الصحيفة، فإنّ أداء سوق المال الأميركي فاق كثيراً أداء البورصات العالمية خلال العام الجاري، إذ بلغ حجم التداول اليومي بالمتوسط في سوق "وول ستريت" نحو 554 مليار دولار مقارنة مع حجم تداول يومي بلغ 174 مليار دولار في أسواق المال الصينية و47 مليار دولار في أسواق الأسهم الأوروبية.
وتفوق حجم التداول اليومي على أسهم بعض الشركات الأميركية في سوق الأسهم الأميركي على إجمالي حجم التداول في بورصة "يورونيكست" الذي قدر بنحو 8.1 مليارات دولار.