أعباء مالية تضغط بشدة على الاقتصاد اللبناني

17 يناير 2019
لبنان المأزوم يستضيف قمة عربية اقتصادية (فرانس برس)
+ الخط -

برزت الصعوبات المالية التي يواجهها لبنان إلى دائرة الضوء من خلال اضطرابات في الأسواق، فقد عانت سندات سيادية لبنانية مقومة بالدولار من بيع مكثف، في أعقاب تعليقات من وزير المالية حول الدين العام للبلاد.

وتعافت السندات هذا الأسبوع، بفعل تأكيدات بأن الحكومة لا تخطط "على الإطلاق" لإعادة هيكلة الدين، وأنها ملتزمة بدفع استحقاقات الدين والفائدة في مواعيد محددة مسبقاً.

لكن هذا التطور زاد من حدة الجدل الدائر في استدامة الدين اللبناني، بعد تحذيرات من سياسيين وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بشأن الأوضاع الاقتصادية والمالية في بلد يعاني منذ سنوات من نموّ اقتصادي منخفض.

وأدت الانقسامات السياسية في لبنان إلى سنوات من الشلل السياسي، وعرقلت إصلاحات تحتاج إليها البلاد لدعم ثقة المستثمرين. فبعد ثمانية أشهر من الانتخابات، لا يزال السياسيون غير قادرين على تشكيل حكومة جديدة.

ما هي المشكلات؟

لبنان من بين الدول الأعلى مديونية في العالم قياساً إلى حجم اقتصاده، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى خدمة الدين القائم وإنفاق حكومي مرتفع. ويبلغ الدين العام للبنان نحو 150% من الناتج المحلي الإجمالي.

وتشير تقديرات البنك الدولي، إلى أن التحويلات المالية إلى الشركة المنتجة للكهرباء المملوكة للدولة بمفردها بلغت 3.8% في المتوسط، من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة من 2008 إلى 2017. وأدت زيادة أجور العاملين بالقطاع العام في 2017 وأسعار فائدة مرتفعة، إلى المزيد من الضغوط على عجز الميزانية.

ولدى لبنان أيضاً عجز في ميزان المعاملات الجارية، نظراً لأن الواردات تتجاوز الصادرات بفارق كبير، فيما يعتمد تمويل العجزين على التحويلات النقدية من اللبنانيين المقيمين في الخارج. لكن التساؤلات حول هذا النموذج كثرت.

وقال مصرف "غولدمان ساكس" في تحليل في 3 ديسمبر/ كانون الأول: "يأتي في قلب المخاوف التباطؤ الأخير في تدفقات التحويلات/ الودائع، التي عادة ما تمول جزءاً كبيراً (إن لم يكن كلاً) من الحاجات التمويلية للبنان".

وقال البنك الدولي، في تقرير في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، إن لبنان منكشف على مخاطر كبيرة في إعادة التمويل، مضيفاً: "أصبح من الصعب اجتذاب أموال كافية، وبصفة خاصة ودائع، لتمويل عجز كبير في الميزانية وميزان المعاملات الجارية، في ضوء تباطؤ نموّ الودائع".

وينظر خبراء اقتصاديون إلى انخفاض أسعار النفط كسبب رئيسي للتباطؤ، إذ يعمل كثير من اللبنانيين في الدول العربية الخليجية المنتجة للنفط. كما يُشار إلى عدم الاستقرار السياسي والنموّ المنخفض في لبنان كعوامل.

وتراجعت معدلات النموّ الاقتصادي إلى ما بين 1 إلى 2%، من 8 إلى 10% في السنوات الأربع التي سبقت اندلاع الحرب الأهلية في سوريا في 2011.‭ ‬

مدى خطورة الوضع

حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامه، قال الشهر الماضي إن قطاع البنوك لديه القدرة على تمويل الدين الخارجي والمحلي للبلاد في 2019، فيما يبلغ صافي الأصول الأجنبية للبنك المركزي نحو 40 مليار دولار.

وأثبت النظام المالي مرونة في تجاوز أزمات سياسية واغتيالات وكذلك الحرب، علماً أن ربط الليرة اللبنانية بالدولار مستقر لأكثر من 20 عاماً.

وفي غياب حكومة فعالة، غالباً ما يقوم البنك المركزي بالحفاظ على الاستقرار، مستخدماً حزمة محفزات وعمليات مالية غير تقليدية، مستفيداً من إيداعات كبيرة للمغتربين في البنوك. لكن منذ 2016، دفع تباطؤ التدفقات من غير المقيمين البنك المركزي للشروع في "هندسة مالية" لاجتذاب المزيد من الدولارات إلى احتياطياته.

وأشاد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالبنك المركزي عن دوره الحيوي. لكن تقرير البنك في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، أشار إلى أن بعض أدوات المركزي أصبحت أقل فعالية، وأن المخاطر التي يواجهها لبنان تزايدت بشكل حادّ.

والثقة مهمة لتشجيع التدفقات التي يعتمد عليها النظام، ومن المتوقع أن يتعزز ذلك إذا تم الاتفاق على حكومة جديدة، وتحركت بسرعة في تنفيذ إصلاحات في قطاع الكهرباء. وربما يُطلق ذلك تمويلاً بنحو 11 مليار دولار تعهدت بتقديمه دول ومؤسسات أجنبية العام الماضي، في برنامج رأسمالي للاستثمار.

ما هو تأثير حزب الله في ذلك؟

يأتي نفوذ "حزب الله" اللبناني المدعوم من إيران، في قلب التوتر بين لبنان ودول خليجية مثل السعودية، التي دعمت بيروت في السابق لكنها حولت اهتمامها إلى مناطق أخرى في السنوات الماضية.

وأشار "غولدمان ساكس" إلى أن أحد أسباب التباطؤ في نموّ التحويلات والودائع، يتمثل في "الانخفاض المتوقع في احتمالات الدعم الخارجي، في ضوء التوترات المتزايدة بين لبنان ودول الخليج الغنية بالنفط".

وقال جيسون توفي من "كابيتال إيكونومكس": "حذرنا لبعض الوقت من أنه إذا حدث تصعيد جديد للتوترات مع دول الخليج أو إسرائيل، فربما يؤدي ذلك إلى فترة أخرى من هروب رؤوس الأموال يضع ضغوطاً على ربط العملة بالدولار".

وشددت الولايات المتحدة العقوبات المالية على حزب الله، في إطار مسعاها الأوسع للتصدي لإيران. ويطبق القطاع المصرفي اللبناني تلك الإجراءات، وتشريعات لمكافحة غسل الأموال.

وضغط لبنان على واشنطن في 2017 للموازنة بين موقفها الصارم من حزب الله، والحاجة للحفاظ على الاستقرار المالي في البلاد. وبناءً على ذلك، جرى تغيير العقوبات بما يهدئ المخاوف من ضرر اقتصادي كبير.

وقال توفي إن تطبيق مثل تلك الإجراءات ربما يضغط على بعض التدفقات إلى لبنان، رغم أنه من الصعب معرفة إلى أي مدى.

هل تحلّ الحكومة القادمة المشكلة؟

بمجرد أن يتمكن رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري من تشكيل الحكومة، سيتابع المستثمرون تنفيذ وعود لتقليص عجز الميزانية. لكنّ هناك مخاوف من أن الاعتبارات السياسية قد تعرقل الإصلاحات مجدداً.

وكالة "فيتش رايتنغز" للتصنيف الائتماني قالت: "اتفق اللبنانيون والمستثمرون الدوليون على الحاجة لتقليص عجز الموازنة، لكن لا توجد حتى الآن خطة ذات مصداقية وقابلة للتنفيذ لتحقيق ذلك، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الحركية السياسية ستسمح بانضباط منسق للمالية العامة".

(رويترز)
المساهمون